مخاطر الخوف الشيعي

ما زال الشيعة خارج جدل الغالبية والأقلية، الذي يثار الآن في لبنان والمحيط العربي، في مناسبة الثورات العربية وما تطرحه من مخاوف مزعومة من طغيان التيارات الإسلامية السنية على البلدان التي اطاحت انظمتها الدكتاتورية او ما زالت تحاول. وقد توافرت للشيعة أقلية مسيحية تتولى حالياً تضخيم هذا الخوف وتتصدى له، ما أراحهم من عبء مواجهة لا مفر من تحولها الى فتنة مذهبية.

الاختباء وراء المسيحيين وتشجيع قياداتهم الدينية والسياسية، شبه الأمية، لا يمكن ان يعتبر نوعاً من التقية ولا يمكن ان يعزى الى إحساس الشيعة بأنهم ادنى وعياً بانتمائهم الى الأقليات الدينية في العالمين العربي والإسلامي، أو أقل إدراكاً لافتراقهم المتزايد عن الغالبية الإسلامية، التي باتت تصدر عليهم أحكاماً مذهبية ظالمة، وتتعامل معهم من موقع العداء المنسوب الى تحالفهم الوثيق مع إيران، في مرحلة الاضطراب الشديد للعلاقات العربية الإيرانية اكثر من اي وقت مضى.
لكن الستر المسيحي، الذي حوّل البطريرك الماروني بشارة الراعي على سبيل المثال الى قديس شيعي أو حتى الى قائد للمقاومة، لا يمكن ان يخدم طويلاً. فالمسيحيون، الذين يفرطون في التعبير اليوم عن الخوف من مآل الثورات العربية، سرعان ما سيدفعون ثمن تحالفاتهم الراهنة مع الطغاة العرب، وسيتحولون الى متهمين بإثارة الفتن الطائفية، او حتى سيتم الاشتباه بأنهم يودون إحياء فكرة التقسيم او الكانتونات التي راودت بعض مفكريهم مع كل ثورة شهدها العالم العربي. 
التماهي مع الخوف المسيحي، على ما أوحى البطريرك الراعي، خطير جداً، فهو يمثل نقطة تحول في تاريخ الشيعة العرب الذين سبق أن ساروا مع الغالبية العربية (السنية)، بل تقدموا صفوفها في بعض الأحيان عندما اتجهت نحو العروبة او اليسار، أو طبعاً الفداء لفلسطين، وما زالت ذاكرتهم حية بالأسماء والتجارب التي يحفظها السنة اكثر من الشيعة، ولا يمكن ان تبددها التجربة العراقية المؤلمة الواقعة اليوم على خط تماس عربي إيراني مشتعل، كما لا يمكن ان تبددها التجربة اللبنانية المريرة خلال السنوات الست الماضية.

اما القول إن الافتراق حصل من جانب الغالبية، بعد تخليها عن خيار المقاومة للحملة العسكرية الغربية، فهو نوع من المزايدة على حقيقة ان العرب جميعاً في لحظة هزيمة وانكسار معلنة وموصوفة، كانت من الحوافز الرئيسية لإنتاج تلك الثورات الشعبية على الطغاة الذين كان وجودهم في السلطة يمثل امتهاناً للكرامة الوطنية والعربية على حد سواء. هذه الثورات هي بهذا المعنى شكل من أشكال المقاومة، التي لا يجوز الابتعاد عنها او الاصطدام معها او وصمها بأنها حركات إسلامية سنية، هدفها إحياء الهاجس الشيعي بأن الأنظمة العربية المقبلة، بتحالفها المؤكد مع الباب العالي العثماني، هي الوصفة الأكيدة للإبادة الجماعية التي تحفظها صفحات تاريخ الشيعة من القرون الغابرة.
للشيعة دور إلزامي في هذه الثورات ومكان طبيعي في الأنظمة التي ستقيمها على عهود أفضل بكثير من الوعود القومية واليسارية، ومن العقود الوهمية التي يطلبها المسيحيون. 

السابق
سفير دولة كبرى
التالي
السفير: معركة تصحيح أجور أم زيادة ضرائب؟