المأزق التركي في سورية

لا يمكن ان نستبدل العروبة بالعثمانية. هذه احدى العبارات التي قالها الرئيس بشار الأسد خلال لقائه المطوَّل مع وفد المسيحيين المشرقيين دلالة على رفض سورية قيادة وشعباً للتدخل التركي في شؤونها الداخلية تحت اي شعار. كما أن اللقاء كان صريحاً الى درجة كان فيها الرئيس الأسد يملك من الشجاعة والشفافية ما أتاح له ابداء ملاحظات حول المرحلة الماضية، أكان على صعيد حزب البعث أو على مستوى الأداء الأمني، مؤكداً أنه مستمر في عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومحاربة الفساد بقناعة كاملة وتلبية لطموحات الشعب السوري لا نتيجة ممارسة الضغوط الخارجية التي بدأت تأخذ منحى لا يصب على الإطلاق في مصلحة سورية وشعبها.
وترى مصادر سياسية أن مرحلة العلاقة السورية ـ التركية وصلت الى نقطة خلافية لا يمكن ترميمها إلا بموافقة القيادة في سورية التي تضع الموقف التركي في موازاة الموقف الغربي وبعض المواقف العربية. والخلاف السوري ـ التركي بدأ عندما اعتبر الاتراك أن حلّ الموضوع السوري يجري من خلال إشراك جماعة "الاخوان المسلمين" في اي حكومة سورية جديدة، وبعدها يصبحون جزءاً من الحكم القائم في السلطة وصولاً في ما بعد، وحسب المخطط الاميركي والذي تعتبر تركيا الأداة الأساسية لتحقيقه في سورية، الى أن تصبح جماعة الأخوان هي السلطة. ولكن ردّ الرئيس الأسد على الطرح التركي كان برفض هذا المشروع، لأنه يمثّل مشروعاً اسلامياً، ولذلك قال الرئيس الأسد أمام وفد المسيحيين المشرقيين: لن نقبل أن نستبدل العروبة بـ "العثمنة".

وتقول المصادر السياسية، إذا كانت تركيا تعتقد أنها قادرة على أن تُنَصِّب نفسها وصية على سورية ومن ثم على العالم العربي، فمثل هذا الرهان يكون خاطئاً وسيرتد مستقبلاً على تركيا نفسها، فالأخوان المسلمون تدعمهم تركيا بطلب أميركي، والإدارات الاميركية المتعاقبة كانت تعتمد على "العسكر" في المنطقة منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ولكن هذا التوجه بدأ بالانحسار بعد الثورات الشعبية التي قامت في كل من مصر وتونس. ولهذا، يحاول الاميركيون جاهدين أن يضعوا الأخوان المسلمين مكان "العسكر" في هذه المرحلة وعلى مدى السنوات الخمسين المقبلة، وتركيا في هذا المجال تقدِّم نفسها بأنها الضمانة لوصول الإخوان الى الحكم في الدول العربية، والنتيجة التي يطمح اليها الأميركي وسمساره التركي تحويل كل هذه الثروات العربية وتسليمها الى الاخوان عبر وصولهم الى السلطة.  
وتشير المصادر السياسية، الى أن هناك خيبة أمل سورية من تركيا لمواقفها المتآمرة عليها، بعدما أعطاها الرئيس الأسد وسهَّل لها ما لم يعطِ إلى دولة أخرى، حيث تبين بصورة واضحة للقيادة السورية انه إذا خُيّر الأتراك بين "الأخوان"، والنظام في سورية فسيكون الخيار التركي مع "الأخوان". ولهذا، فإن الرئيس الأسد يرفض كل الطروحات التركية أكانت من باب النصيحة كما يدَّعي المسؤولون الاتراك أم من زاوية الوصاية على سورية. ولذلك، فإن هذه النقطة المركزية جعلت سورية تعيد النظر بكل ما هو مرتبط بالعلاقة مع تركيا.

تركيا عندها الكثير من الملفات الشائكة، ولسورية دور كبير في حلّها أو تعقيدها، وإذا لم تساعد سورية في حلّها ستكون الأمور أكثر تعقيداً في وجه حكومة رجب طيب أردوغان. أول هذه الملفات، الملف الكردي، والأتراك أنفسهم يدركون جيداً كم ساعدت سورية على هذا المستوى، ناهيك عن وجود حجم كبير من العلويين في الداخل التركي ومجموعة كبيرة من الأرمن والمسيحيين والشيعة الذين يتعاطى معهم الحكم التركي بقساوة، والأهم من كل ذلك وجود معارضة تركية يحسب لها حساب، وتركيا كانت في السنوات القليلة الماضية تنعم بالراحة والاستقرار، لأن علاقاتها مع سورية. كانت جيدة وممتازة، وإذا بقيت القيادة التركية على مواقفها الحالية ستبدأ عندها مرحلة التعثّر.
وختمت المصادر السياسية، الأزمة في سورية إلى تراجع، ولكنها ستأخذ بعض الوقت، والأمور باتت ممسوكة، ولكن الإمساك بالوضع، لا يعني أن كل شيء انتهى، مع التأكيد على أن الضمانة الحقيقية والكبيرة هي الجيش العربي السوري الذي أثبت تماسكه وتضامنه مع الحكم، وفي موازاة ذلك وجود معارضة ضعيفة وغير موحّدة إن في الداخل أم في الخارج، لن يكون لها أي تأثير مهما حاولت الادارة الاميركية وأداتها تركيا أن تنفخا فيها إعلامياً وسياسياً ومالياً وحتى عسكرياً.  

السابق
سليمان يدعو إلى وقف السجالات على خلفية وثائق مجتزأة وغير دقيقة
التالي
الإيطالية تدشن مدخل الآليات الثقيلة لثكنة الجيش اللبناني في الكرنتينا.