دمشق تسهّل التمويل لحاجتها الرئة اللبنانية 8 آذار: ممران الزاميان يسبقان التجديد للمحكمة

 يطغى ملف استمرار لبنان في تعهداته الدولية، وخصوصا تمويل المحكمة الدولية الخاصة به، على غيره من الملفات السياسية الآنية، نظرا الى الارتباط الوثيق لهذا الملف بما سمعه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في اللقاءات والاجتماعات التي عقدها على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة وترؤس لبنان مجلس الامن الدولي.

ومن الواضح ان للمواقف ـ الالتزامات التي اعلنها ميقاتي في نيويورك استتباعات لبنانية، عند عودته الى بيروت، وخصوصا مع ما يسرّب عن عدم رضا الثنائي "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" عن مجمل هذه المواقف، وتحديدا مسألة التزامه تمويل المحكمة الدولية من دون انتظار ما ستسفر عنه النقاشات مع كلا الفريقين تمهيدا لجعل هذا البند محورا اساسيا في اجتماعات مجلس الوزراء في النصف الاول من تشرين الاول الجاري، مع الاشارة الى ان الفريقين يعتبران أن تأكيد رئيس الجمهورية ميشال سليمان وميقاتي عدم تنصل لبنان من الإلتزامات الدولية يعبّر عن رأيهما ولا يفرض التزامات على أحد، في انتظار ما ستخلص اليه المشاورات.

ويقول وزير بارز لـ "الجمهورية" ان المعطيات التي بين يديه معطوفة على إقتناعاته، لا تسمح اطلاقا بالجزم حيال مسألة تمويل لبنان ما يترتب عليه في موازنة المحكمة والبالغة نحو 33 مليون دولار (49% من مجمل الموازنة)، ذلك أن كلا من قيادتي "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" ترفض حتى اللحظة إمرار أي تسوية في هذا الشأن، سواء كانت في مجلس الوزراء أم في خارجه، على طريقة المرسوم الجوّال او المرسوم العادي الذي يتطلب تواقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ووزيري المال والعدل.

ويضيف هذا الوزير في مجلس خاص ان تمويل المحكمة يتنافى كليا مع كل خطاب "حزب الله" منذ أن اتخذ امينه العام السيد حسن نصر الله القرار بوقف أي تعاون معها، قبل عام كامل، في الثامن والعشرين من تشرين الاول 2010، اثر ما بات يعرف بـ"حادثة العيادة النسائية". ومنذ ذلك الحين يركز خطاب الحزب على نبذ المحكمة ووصفها بأنها "محكمة اسرائيلية"، وتاليا من غير المتوقع ،أن يوافق على تسوية تتيح إمداد المحكمة بما يلزم من اللوجستيات اللبنانية، لا في تشرين الاول الجاري مع استحقاق التمويل ولا في آذار 2012 مع استحقاق تجديد بروتوكولها.

ويقول الوزير نفسه: "لنفترض أن "حزب الله" قبِل او تغاضى او غض الطرف، فإن "التيار الوطني الحر" يقف على يمينه في هذه المسألة، وهو لن يكون في وارد الموافقة، لا في الحكومة، ولا من خلال إتاحة المجال امام وزير العدل شكيب قرطباوي وضع توقيعه على مرسوم عادي الى جانب تواقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير المال".

لكن هذا الوزير لا يخفي في الوقت عينه وجود تشاور وتفاوض غير رسميين في هذا الشأن، ليكون توقيع وزير العدل بالوكالة، وزير الاعلام وليد الداعوق، بديلا لتوقيع الوزير الاصيل، وإن كان يستبعد ان تمرّ هذه التسوية.

وفي موازاة ذلك، يشير قيادي في قوى الثامن من آذار الى "أن أي مقاربة لمسألة تمويل المحكمة لا تمرّ الا من قناتين:

ـ الأُولى، ان أي بحث في ذلك يجب ان يقترن حتما بتصحيح عدم دستورية المحكمة التي سبق ان اقرت خارج اطار المؤسسة التشريعية، والاهم بلا توقيع رئيس الجمهورية الذي ينيط الدستور به صلاحية ابرام الاتفاقات والمعاهدات الدولية، وهو الذي للتذكير، "يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالإتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلاّ بعد موافقة مجلس الوزراء. على أن بعض المعاهدات لا يمكن إبرامها إلاّ بعد موافقة مجلس النواب (المادة 52)".

ـ الثانية، الا يتم اغفال ملف الشهود الزور، مع وجود تساؤلات عن سبب تجنب رئيس الحكومة الاسراع في بت هذه المسألة قانونيا.

ويرى القيادي نفسه ان هاتين القناتين اضحتا ممرا الزاميا لأي بحث في تمويل المحكمة، وإلاّ تكون قوى الثامن من آذار قد ناقضت حججها التي بنت عليها موجبات اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري".

ويلفت، تأسيسا على هذه المعطيات، الى انه "لا بد ان تتضمن أي مفاوضات لتجديد عمل المحكمة في آذار 2012 كل الاضافات الدستورية والقانونية اللازمة التي من شأنها تصحيح ما اعتراها منذ انطلاقتها".

موقف دمشق

على ان الانطباع الغالب عن رفض قوى الثامن من آذار، وتحديد كلا من "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" أي خوض في تمويل المحكمة، تخالفها معلومات أسرّ بها في مجلس خاص احد القريبين من دمشق تبدو للوهلة الاولى غير منطقية.

يقول هذا القريب من دمشق لـ "الجمهورية" ان القيادة السورية تعي تماما ان واشنطن لن تعدم فرصة لتشدد الخناق عليها، من خلال العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها تباعا بالتنسيق الكامل مع المجموعة الاوروبية. ولا يخفى ان الادارة الاميركية تضغط على لبنان من باب مصارفه، بذريعة انها لا تريد ان يكون المتنفس او الرئة المالية لدمشق المحاصرة، مع علمها بالدور الذي يضطلع به القطاع المصرفي اللبناني في سوريا من خلال فروعه المنشأة تحت مسمى "شركات مساهمة سورية".

ويضيف ان "آخر فصول هذا الضغط ، ما تم تسريبه في مجلة "ايوكونوميست" في السابع عشر من ايلول المنصرم، وفيه ان مصرفا لبنانيا كبيرا (تتحفظ "الجمهورية" عن ذكر اسمه)، "سيُستهدف لأن لقريب الرئيس السوري رامي مخلوف حصة كبيرة في فرعه السوري".

ويؤكد المصدر عينه ان دمشق لن تراكم او تقدّم للاميركيين مزيدا من عناصر الضغط والابتزاز، لذا هي لن تساهم في تمدد الحصار المفروض عليها الى لبنان، في وقت بات هو المتنفّس الوحيد لها في اقليم تبادلها غالبية عواصمه العداء المعلن.

هل ذلك يعني ان دمشق ستسهّل من موقع حلفائها في الحكومة تمويل المحكمة، وربما تغض الطرف ايضا عن اعلان سليمان وميقاتي التزام لبنان تعهداته الدولية في المحكمة والعقوبات ضده؟

يجيب القريب من العاصمة السورية: "ان الامور مرهونة بأوقاتها.. وبحنكة تاجر الحميدية!" 

السابق
عن شجاعة علوش وخيانة المالكي
التالي
معلومات جديدة عن «عطارد»