القمة الروحية امام امتحان الجدارة

قد يكون من الصعوبة بمكان الحديث عن نجاح «القمة الروحية» التي عقدت في «دار الافتاء» في عائشة بكار، اول من امس، او اخفاقها.. ميزان النجاح او الاخفاق هنا لا يخضع لمعايير.. والبيان الذي صدر وبإجماع الحاضرين، تجنب الموضوعات الخلافية، او العناوين الخلافية التي حالت في مرات سابقة دون انعقاد مثل هذه «القمة» وهو صيغ بأسلوب لبق وبالغ الذكاء. وراح الى «الجوهر» في تعزيز اللحمة الوطنية – الاجتماعية وبث الطمأنينة في صفوف القلقين. والرغبة في انجاح القمة لم تحل دون المصارحة والمكاشفة التي حضرت، وكانت في احد اسباب الدعوة الطارئة لهذا اللقاء… والغرض المعلن، وغير المعلن، من عقد القمة، على النحو الطارئ، لا يسيء بما يمكن ان يدرج في خانة «النجاح» او «الاخفاق» الكلي او الجزئي… وان كانت المواقف السياسية ستعتمد «التقية» في التعاطي مع هذا «الحدث»؟!
اختيار المكان كان موفقاً للغاية وخصوصاً في مثل هذه المرحلة التي يمر بها لبنان والمحيط الاقليمي، القريب والبعيد على السواء.. والاستجابة السريعة عزز منهاحضور خمسة وثلاثين شخصية يمثلون السبع عشرة طائفة في لبنان، وبعض «العلمانيين» احاطوا بالرموز الدينية الاولى في «السنّة» و«الشيعة» و«المارونية» التي تعيش منذ فترة غير قصيرة حالاً من التشكك والقلق والانقسام العمودي الحاد، على خلفية الاختلاف حول موضوعات وعناوين تمثل بالنسبة الى كل «طائفة» و«مذهب»، نقطة فاصلة بين «الحياة السياسية» او «الموت السياسي..» (؟!)

تحييد «القمة» عن السياسة؟!
هكذا يكون انعقاد «القمة الروحية» نجاحاً في حد ذاته.. والبعض يعزو هذا النجاح الى رغبة اشترك فيها الجميع (تقريباً) بتحييد «القمة» عن التفاصيل السياسية، والملفات الشائكة، التي هي من اختصاص الدولة والافرقاء السياسيين دون غيرهم.. وهكذا كان».
سوى ان «المهم الجامع» بقي حاضراً، وهو اصرار الجميع على تأكيد «الثوابت» في: «متانة العيش الوطني… والتأكيد على ان وجود المسيحيين في هذا الشرق هو وجود تاريخي واصيل، وان دورهم اساسي وضروري في اوطانهم..»… فلا اقتتال ولا ضرر.. ولا خوف على احد من احد (…) فنحن اليوم جميعاً على هذا العهد التاريخي بيننا» كما قال المفتي قباني.. تماماً كما كان اصرار الجميع على رفض توطين الفلسطينيين في لبنان وتمسكهم بحق العودة، بإعتبار ان هذا البند، شكل، وعلى مدى سنوات طويلة هدفاً خارجياً، كانت وراء العديد من الاشكالات والاحداث التي حصلت في لبنان، وما تزال ورقة ضاغطة بيد «لعبة الأمم»؟!
صحيح ان القمة كانت «روحية» بإمتياز… وهي وان لم تكن الاولى، فقد شكلت سابقة حميدة في اعادة رجال المؤسسات الدينية الى دورهم الاصيل، في عدم الخلط بين الدين والسياسة وفي زج الدين و«الطائفة» و«المذهب» في الصراعات السياسية، التي دأبت في لبنان على التلطي بالشعارات الدينية والطائفية، وحديثاً المذهبية، واحدثت شروخات عميقة في المتحد اللبناني، بالغة الخطورة، وزرعت عدم الثقة والتشكك بين سائر مكونات هذا المتحد، من اجل تحقيق مكاسب واغراض هي ابعد ما يكون عن الدين وغرضه..
 
الطالب والمستجيب جرأة ومغامرة؟!
كما المكان فلقد كان التوقيت بالغ الاهمية، وهو اعطى القمة ميزة اضافية… طلب اللقاء القمة كان شجاعة، والاستجابة لم تكن اقل جرأة وشجاعة، بل «مغامرة»… وخصوصاً ان القطبين البارزين، الطالب والمستجيب (البطريرك الراعي والمفتي قباني) في وضع دقيق، كل داخل طائفته، اثار ويثير العديد من المواقف التي تتوزع بين السلبية وبين الايجابية.. فالبطريرك، كما المفتي سلكا دروباً جديدة، البعض يعتبرها انقلاباً، لم تكن مألوفة لسنوات خلت… واسسا بتوقيت متقاطع لعقد جديد، برغم الحذر الذي يسود في «السنّة السياسية البارزة» و«المارونية السياسية» المنقسمة على نفسها وتتوزع ولاءاتها بين «السنّة السياسية» و«الشيعية السياسية»…

اللقاء – القمة، كان اكثر كثيراً من غسيل للقلوب، واقرب كثيراً لتأسيس نمط جديد من التعاطي بين «المؤسسات الدينية» والقضايا السياسية… على ان هذا لا يعني انها لن تكون في صلب محاولات الافادة منها لتعزيز مواقف سياسية وخيارات لدى هذا الجانب او ذاك… فالموقع الروحي، للذين اجتمعوا، لا يكفي للإمساك بقدرات الشارع وهم لا يملكون من هذا الا الشيء القليل… اقله ان هذه «القمة» سحبت «الغطاء الروحي» عن الساعين للعب على الاوتار الطائفية او المذهبية، وان كانت آثارها لم تظهر بعد…
غابت المواضيع الخلافية، صحيح، وحضرت المبدئيات، وهذا صحيح ايضاً، لكن العبرة في متابعة فاعلية ما صدر حتى النهاية، فهناك يكون امتحان الجدارة.. 

السابق
الدولة الفلسطينية:على الطرفين العودة إلى المفاوضات
التالي
احتفال في صور لمناسبة الذكرى ال 41 لرحيل عبد الناصر