إطلاق الحملة الوطنيّة للنقل المستدام

12 جمعية غير حكوميّة لبنانية توحّد جهودها اليوم من أجل إطلاق «الحملة الوطنيّة للنقل المستدام»، تحت شعار «خلّي سيارتك بالبيت» الذي يتوقع أن يجمع ألف مشارك من هواة الدراجات الهوائية، التزلّج على الألواح والسير على الأقدام
إذا مررت في قرية الدوير الجنوبيّة فانظر في مراياك جيداً وانتبه وأنت تقود سيارتك إلى حسين رمّال أو «الشاب اللي بسوق البسكلة» كما بات يُعرف في القرية. أما في بيروت، فقد استفاد عزّت جارودي وطارق أبو الذهب من الخوف الذي زرعه سائقو الدراجات الناريّة في قلوب سائقي السيارات، ما جعلهم ينتبهون إلى وجودهم قبل فتح أبواب سياراتهم. الثلاثة، حسين وعزّت وطارق يجمعهم شغف واحد: الدراجة الهوائيّة. لكنهم اختاروا أن لا يبقى هذا الشغف سراً أو حاجة في النفس، ولو أنّ تحقيقه خطر في مدينة كبيروت. اختار الثلاثة الدراجة الهوائيّة، وسيلة أولى لتنقلّهم. لا يعرف جارودي أن كثيرين في بيروت قرّروا أن يفعلوا مثله. لكن أخيراً، التفت عدد من الجمعيات غير الحكوميّة إلى أهميّة موضوع النقل المستدام، فنظّمت جمعية «الخط الأخضر»، في مناطق لبنانية مختلفة، نشاطات عدّة تهدف إلى تشجيع اللبنانيين على استعمال وسائل نقل أخرى، غير سياراتهم الخاصّة. وتجتمع اليوم 12 جمعيّة غير حكوميّة لبنانية، لأول مرّة، لتطلق «الحملة الوطنية للنقل المستدام»، تحت شعار «خلّي سيارتك بالبيت». تطلب كلّ من «آي سرف»، «كريتكال ماس بيروت»، «ناست دورورد»، «غرين بيس»، «الخط الأخضر»، «غرين هاند»، «اندي آكت»، «المينا باي بايك»، «جمعية نحن»، «نادي روتراكت بيروت»، «ترين ترين» و «تور إن صور»، الرابعة من مساء اليوم، أن تستغنوا عن سياراتكم والتجمّع أمام الـ«بيال» للتحرّك على الدراجات الهوائيّة وألواح التزلج وسيراً على الأقدام «للمطالبة بحقنا في نقل مستدام أفضل صحياً وبيئياً ومادياً» كما من أجل شوارع أقلّ تلوّثاً وزحمة وطرق أكثر أماناً للدراجات الهوائيّة وأرصفة أكثر للمشاة. يقول فضل فقيه الناشط في جمعية «الخط الأخضر» إنّه يجب أن يحضر أكثر من مليون لبناني ليشاركوا في هذه التظاهرة، إذ إنّ كل شخص لا يشارك هو بالتالي راضٍ عن مشكلة النقل في لبنان، لكننا ننتظر فعلياً مشاركة ألف شخص على الأرض. اجتماع الاثنتي عشرة جمعية يعني بالنسبة إلى فقيه انطلاق حملة ضغط على السياسيين لوضع خطّة شاملة للنقل في لبنان تعطي الأولوية للمشاة، ثم الدراجات الهوائيّة وأخيراً السيارات، وهي تعني أنه لا مجال للإحباط بعد اليوم حتى تحقيق المطالب. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الحملة هي جزء من حملة عالمية بعنوان «on the move»، تحمل الأهداف نفسها وتنظّم في اليوم ذاته حول العالم. 
الحملة الجديدة تثلج قلوب هواة الدراجات الهوائيّة في لبنان، رغم أنّ الخطوة لا تزال بعيدة للوصول إلى استحداث طرقات خاصة بسائقي الدراجات. يتمنى جارودي أن تستحدث مثل هذه الطرقات كي يتشجّع اللبنانيون أكثر على استعمال الدراجات الهوائيّة. لكنه شخصياً لن ينتظر ذلك الوقت، فهو منذ عشر سنوات بدأ بركوب دراجة أخته إلى جامعته، ثم اقتنى دراجته ليقودها يومياً إلى عمله في طرقات بيروت المكتظّة بالسيارات. نادراً جداً ما يتنقّل جارودي في سيارته، معترفاً بأنّ همّه الأول من الموضوع ليس بيئياً، بل هو رياضي مرتبط بشغف شخصي. لا ينكر جارودي أنّ التنقّل على الدراجة الهوائيّة في بيروت ليس سهلاً، فيقول: «لكي تتنقّل على الدراجة في بيروت، يجب أن تكون صاحب قلب قوي، ومتمرّساً في ركوبها كي تسير بين السيارات وتحفظ مكانك بينهم ولا يخيفوك بأبواقهم». الانتفاخ في يدي طارق أبو الذهب بين المعصم والكوع، كما انتفاخ إبهاميه، يشيران إلى أكثر من التمرّس، بل إلى الاحتراف. بطل لبنان في سباقات الدراجات الهوائيّة في خمسينيات القرن الماضي، لا يزال يتمتّع بصحة جيدة تجعله يقود رحلات مع أصدقائه على دراجاتهم الهوائيّة من بيروت إلى عمشيت، أو ينظّم أخرى في فاريا، فيتحرّكون على الأوتوستراد كسرب أو بمرافقة سيارتين، فهو لا يستعمل سيارته في بيروت أكثر من مرتين أو ثلاث خلال السنة حسبما يقول، فالدراجة أعطته أفضل هدية: الصحّة الجيدة. ويضيف «في هذه السن لا أشكو من أي عارض صحّي». يقضي أبو الذهب حياته بين الدراجات. إذ هو يمتلك محلاً لبيع الدراجات وتصليحها، يحتفظ فيه بمجلات مختصّة بالدراجات يطلبها من فرنسا ليتابع فيها آخر الأخبار. الوضع أفضل حالاً مع حسين رمّال، فركوب الدراجة في القرية يبقى أسهل من المدينة. لكن عيون القرويّين لم تعتد أن ترى أستاذاً جامعياً يذهب إلى عمله ويتنقّل في أيام الصحو على دراجته، بل هي ليركبها الصغار فقط في عطلتهم الصيفيّة. لكن رمّال لا يزعجه أن يكون وحده على الدراجة بين أطفال القرية، فهي إلى كونها تشكل شغفاً لديه، تهمّه من الناحيتين الرياضيّة والبيئيّة. «عندما أقود الدراجة في قريتي أشعر بأنني جزء من الطبيعة أو أننا كتلة واحدة. من على دراجتي، لديّ فرصة بأن أرى ما حولي وأن ألقي السلام على الناس، كما أضحك معهم عندما أرنّ جرسها». يحاول رمّال أن يشجّع من حوله على استعمال الدراجة الهوائيّة بدل السيارة، لكنه لم ينجح في مهمته بعد. ورغم رفض الباقين الانضمام إليه، إلا أنّهم يهنئونه على خياره، تماماً كما يفعلون مع جارودي. بالنسبة إلى الأخير، الدراجة الهوائيّة «أعظم اختراع»، وهو يخاف أن يتخلّى عن أيّ من دراجاته الأربع، كما يعتذر منها عندما يسقط سهواً في حفرة أو يرتطم بمطبّ. كذلك فإن رمّال يقود دراجته «بالهدا وعرواق»، ويعترف بأنّه ركبها مرة في مكان موحل.

«أوفر عالجيبة»

غير الإفادة الرياضيّة والبيئيّة التي تمتاز بها الدراجة الهوائيّة عن السيارة، هي أيضاً أوفر من الناحية المادية من الأخيرة بكثير. يقول حسين رمّال إنه يمكن بسعر ثلاث «تنكات» بنزين شراء درّاجة، وهي لا تحتاج إلى الكثير من الصيانة. ويضيف «اشتريت دراجتي بـ 400 ألف ليرة منذ سنة، وحتى الآن لم أصرف عليها فرنك، حتى إنها لم تحتج إلى نفخ دواليبها». كذلك عزّت جارودي يقول إنه اشترى دراجته الأخيرة منذ أربع سنوات بـ 700 دولار، وبإمكانها أن تحمله بعد عشر سنوات أخرى، كما أنّ صيانتها تحتاج إلى 15 ألف ليرة أو عشرين ألفاً كحد أقصى. 

السابق
بعد بكير !!
التالي
العلاقة الجنسية قبل الزواج بين ضد ومع ولكن!