ما قصة التسجيلات في ملف كرم ولماذا إتلافها؟

النقطة الأكثر سخونة في الحكم على العميد المتقاعد فايز كرم هي إتلاف التسجيلات. ولم تتمكن المحكمة العسكرية من تلبية طلب مزدوج لوكلاء الدفاع: الإستماع الى تسجيلات لوقائع من جلسات التحقيق مع العميد كرم لمقارنتها بالإتهامات المنسوبة اليه، والإستماع الى تسجيلات صوتية لمكالمات هاتفية إتُّهِم كرم بإجرائها مع إسرائيليين. وهذان العنصران ارتكز عليهما حكم المحكمة العسكرية.

الجواب جاء من فرع المعلومات: لا تسجيلات لدينا لاتصالات كرم الخارجية، وأما تسجيلات جلسات التحقيق فجرى إتلافها بعد 17 يوماً من تسجيلها.

"التيار" غير مقتنع بأنها أُتلِفت!

قصة" التسجيلات، كما يرويها أحد نواب "التيار الوطني الحر" الناشطين في الملف، "بدأت قبل نحو شهرين. فقد طلبنا من المحكمة أن نطّلع على مضمون هذه التسجيلات، وجاءنا الجواب أنها موجودة من خلال ضابطين في فرع المعلومات كانوا حاضرين في الجلسة،لكن إطلاع المحكمة يحتاج الى إذن من المرجعية المعنية. وفي وقت لاحق، تمّ إبلاغ المحكمة رسمياً أن من غير الجائز في مفهوم أجهزة المخابرات إخراج تسجيلات من هذا النوع الى المحكمة أو أي طرف آخر. وفي جلسة السبت الفائت، تبدّل الجواب. فالتسجيلات لم تعد موجودة وقد جرى إتلافها بعد 17 يوماً من التسجيل".

وفي تقدير هذا النائب أن "التسجيلات موجودة فعلاً، ولم يجرِ إتلافها. ولو كانت الوثائق البالغة الأهمية من هذا النوع تُتلف عادةً، لما كنا اليوم نكتشف الخبايا في وثائق "ويكيليكس". علماً ان إتلاف وثائق قبل صدور الحكم في ملفٍ قضائي يمكن أن يشكّل إخفاء للأدلة يحاسب عليه القانون".

ويعتقد النائب "أن هذه التسجيلات فارغة لجهة تقديم إثبات يدين العميد كرم. ولذلك يفضّل أصحابها إخفاءها. كما أن التسجيلات يمكن أن تقدّم إثباتاً على بطلان التحقيق لأنه جرى تحت الضغط المادي والمعنوي، وتظهر أن هذا التحقيق لم يأخذ في الإعتبار الوضع الصحي والنفسي للعميد كرم".

فالوثائق موجودة، في رأي النائب، "ولو جرى إخراجها الى الضوء لسقط الحكم، ولكانت تأثرت الآلة السياسية والأمنية التي تقف وراءه. وهذا ليس مسموحاً به اليوم، لأن لا رغبة لدى البعض، ولا مصلحة، في ضرب الـ"ستاتيكو" القائم. فالطعن بفرع المعلومات يمكن ان تصل تردداته الى المحكمة الدولية".

المصادر الأمنية: نحاذر نموذج توفيق هندي

في المقابل، ماذا تقول المصادر الأمنية الرفيعة المعنية بالملف؟

"ليس هناك أي إستهداف سياسي في تعاطينا مع قضية العميد كرم. وعلى العكس من ذلك، أرجأنا الوصول بها الى النهاية ثلاث مرّات سعياً الى إعطاء الفرصة للطرف المعني لإستيعاب الأمر والتثبّت من شفافية عملنا ومهنيته، وعدم إرتباطه بأي خلفية سياسية".

وتقول المصادر: نعم، لقد أتلفنا التسجيلات. لكن في هذه التسجيلات ما يكفي لتقديم الدلائل. وليس في هذا الإتلاف ما يدعو الى الإستغراب او التشكيك. فهذا العمل روتيني لدى أجهزة الإستخبارات في العالم. ونحن نقوم بالتسجيل فوق المادة المخزّنة سابقاً، بعد مرور 17 يوماً من التسجيل. وهذه المدة كافية لإجراء أي مراجعة داخل الجهاز حوله. ولا داعي للإحتفاظ به في الأرشيف. وهذا الإجراء ليس متعلقاً بملف العميد كرم وحده، كما اننا لا ننفرد به بين الأجهزة الأمنية في العالم.

وفي أي حال، يضيف، "ثمة أجهزة عالمية كبرى تحتفظ بتسجيلات. لكنها في أي ظرف لا تضعها في تصرّف المحاكم أو أي أطراف أخرى. فالإستخبارات المركزية الأميركية وسائر الأجهزة العالمية القوية تقوم مثلاً بمسح بري وبحري وجوي على مدار الساعة لأنحاء العالم كافة، وهي تلتقط تسجيلات مصوّرة لأبرز المجريات، كعمليات الإغتيال وسواها. لكنها لا تضع تسجيلاتها في تصرّف المحاكم، ولو كانت تحتفظ بها".

وإذ تُقِرّ المصادر الأمنية الرفيعة بوجود إيجابيات معينة في تزويد المحكمة بالتسجيلات لأنها تدعم القرائن، تشير الى أن سلبياتها أكبر من الإيجابيات. فالتجربة المريرة التي تعرّضت لها الأجهزة في المرحلة السابقة، وهي تلك المتعلقة بعرض تسجيلات التحقيق مع الدكتور توفيق هندي، لا نرغب في تكرارها.

واما لجهة القول بأن عرض التسجيلات كفيل بتقديم إثبات لوجود ضغط معنوي ومادي على الموقوف، فهذا ليس دقيقاً لأنه، ولو تبين أن لا ضغوط أظهرها الشريط، فسيقال إن هذه الضغوط ربما حصلت خارج دائرة الساعة أو الإثنتين اللتين إستغرقهما التحقيق"!

وفي اقتناع بعض المصادر المعارضة "أن أكبر إثبات لمهنية عمل فرع المعلومات في قضية العميد كرم، هو أن المحكمة العسكرية غير محسوبة سياسياً على خصوم العماد ميشال عون".

وهذه المحكمة صامتة إزاء حملة "التيار". وعادة يتّسم السلوك العسكري بتحفّظ في دخول السجالات مع سياسيين. لكن اللافت هو أن "التيار" يوحي بأن المحكمة نسّقت خطواتها مع فرع المعلومات، لإستهدافه سياسياً، أو أنها على الأقل "استسلمت" للمعطيات التي وضعها الفرع بين أيديها، وأهملت ما ورد في مرافعات وكلاء الدفاع. لكن المحكمة العسكرية ليست في موضع إتهام بقربها من 14 آذار. ومن الممكن لـ"التيار" أن يدرس جيداً الخلفيات السياسية لهذا الحكم. فالأقنية التي مرّت بها قضية كرم لم تكن محسوبة على خصوم سياسيين لـ"التيار"، وصولاً الى القاضي نزار خليل.

السابق
فلسطينيات يدعَيـْن إلى تحركات نسائية لانتزاع الاعتراف بالدولة
التالي
سلامات يا علي!