سوريا اجتازت الخطر ويبقى ريف دمشق

تتراكم الازمات فوق رأس الرئيس الاميركي باراك اوباما لتجعل مهمته بالبقاء في البيت الابيض لولاية ثانية صعبة ومرهقة.
ولا شك ان التحديات الداخلية التي يواجهها تبدو اكبر واقوى من تلك التي واجهت الرؤساء الذين سبقوه لعدة اعتبارات ابرزها ان المجموعة السياسية التقليدية والتي تعتبر نفسها انها انشأت هذا النظام ورعته، تناصب العداء لاوباما وبشراسة. وهذه المجموعة المعروفة بولائها للحزب الجمهوري في الاساس، لم تستطع ان تهضم وصول اول رئيس اسود الى البيت الابيض، وذات اصول اسلامية او على الاقل بعيدة عن البروتسانت؟

ولذلك بدأت المعارك الداخلية العنيفة باكرا، ما ادى مثلا الى حصول مواجهات مع اللوبي اليهودي عبر منظمة ايباك، وبالتالي الى تسجيل خسارة مبكرة للادارة الديموقراطية كما ان صفة الرئيس المتردد او الرئيس الضعيف لازمت اوباما منذ لحظة وصوله الى البيت الابيض، وما عززها التأخر في انجاز التعيينات الاساسية للادارة الديموقراطية والاسوأ من كل ذلك، التراجع الذي اصاب الاقتصاد الاميركي والذي وصل الى حدود التدهور خلال الاسابيع الماضية، ما دفع الى خفض التصنيف العالمي للولايات المتحدة الاميركية.

ولا شك ان هذه المسألة ستعقد على الرئيس الاميركي بشكل كبير مهمته في البقاء في البيت الابيض، رغم ان الحزب الديمقراطي بدا متفائلا بامكانية نجاح طموح الرئيس اوباما بالفوز بولاية ثانية، وهو ما دفعه الى الاعلان عن افتتاح حملته الانتخابية باكرا.

وسط كل ذلك سيكون للعامل الخارجي تأثيره السلبي ايضا على اوباما في معركته الانتخابية فنجاح الزعيم الليبي معمر القذافي بالبقاء في طرابلس الغرب يعتبر فشلا سياسيا للائتلاف الدولي، وعرقلة للمشاريع التي كان قد جرى التخطيط لها خصوصا بالنسبة لتصدير النفط الليبي ومن ثم الانتقال لمعالجة وضع الجزائر الموضوعة على لائحة الدول التي سيشملها الحراك الحاصل.
وهذه النقطة ستكون مادة دسمة بين الاعلام الذي يسيطر عليه اللوبي اليهودي لتأليب الرأي العام الاميركي ضد اوباما.
وفي سوريا فشل اضافي بالنسبة لهؤلاء في السعي لازاحة الرئيس بشار الاسد بالتأكيد فان المشاريع المطروحة شيء وانارة الرأي العام عبر الاعلام شيء آخر، لكن المحصلة في سوريا انتجت فشلا بالنسبة للمشاريع، وايضا توفير مادة اضافية في وسائل الاعلام.

والكواليس الديبلوماسية تعبق بالاجواء المتناقضة حيال كيفية التعاطي مع سوريا. لكن الثابتة التي يتفق حولها كل الاراء بان التدخل العسكري مستحيل اولا بسبب الازمات الاقتصادية في الولايات المتحدة واوروبا وثانيا لوجود قوات اميركية في العراق وافغانستان تعيش مرحلة صعبة، وثالثا لان الدرس الليبي ما يزال قائما رغم القدرة المتواضعة للقذافي مقارنة مع الاسد.

ومع اسقاط المروحية الاميركية في افغانستان وسقوط 31 قتيلا من القوات الاميركية الخاصة مرة واحدة، فهمت واشنطن ان الخيوط غير المنظورة التي تربط بين ايران وافغانستان والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وحتى تركيا والخليج، قد تشد على خناقها.

وبالتالي فان «مصيدة افغانستان» قد تشكل نزفاً يوميا مميتا لاوباما مع استهداف يومي للجيش الاميركي وهو ما بدا يلوح في الافق.
وفي العراق، تبدو المصالح الاميركية مهددة وتحت رحمة حكومة المالكي الموالية لطهران.
وقد يكون كل ذلك سمح للنظام السوري بالبدء بتنفيذ ضربته من خلال خطة الحسم العسكري.

طبعا فان الاوساط الديبلوماسية تؤكد ان تركيا حاضرة للعب دور ضاغط على دمشق لمنعها من حسم الموقف. لكن سوريا بدأت تشعر بانها اجتازت المنعطف الخطير، اضف الى ذلك بانها تعلم بان فاتورة تركيا تبقى اقل كلفة من فاتورة التمرد الداخلي لا سيما وان تركيا نفسها تعيش ازماتها السياسية بين الحكومة والجيش والامنية من خلال الاضطرابات المتنقلة في المناطق الكردية والذين يتمتعون بعلاقة جيدة مع ايران.
وتبدو دمشق وكأنها تتصرف على اساس ان الخطر اصبح وراءها. فالتقديرات كانت تشير الى منطقتين كمصدر خطر داهم على النظام: حماه وريف دمشق.
وحسب الاوساط المتابعة فان قوة التيارات السلفية وتنظيماتهم وقدرتهم على التحرك موجودة في هاتين المنطقتين.

ولذلك، ورغم طرد هذه التنظيمات لمؤسسات الدولة من حماه، تجاهل النظام السوري هذا التمرد لاكثر من اربعين يوما بانتظار التوقيت الملائم، لينفذ بعدها ضربته في المدينة، وحيث فوجئ الجيش السوري بان هذه التنظيمات كانت تمتلك مدفعية هاون، وقذائف صاروخية ومدافع رشاشة.
ويبقى تحدي ريف دمشق امام النظام، والذي يبدو ان هذه المنطقة لن يطول وضعها قبل ان توضع على طاولة العمليات العسكرية.

ورغم اقرار الاوساط الديبلماسية الغربية بعجزها عن وقف او تجميد الحملة العسكرية السورية من خلال الضغوط الديبلوماسية، الا انها تبدو واثقة رغم كل شيء ان عدم الاستقرار الامني والسياسي لسوريا سيستمرلفترة طويلة، ان القلاقل ستظهر فجأة في هذه المنطقة او تلك. المهم ان العواصم الغربية تبدو على قناعة ان سوريا لن تعود كما كانت في السابق على مستوى الدور الاقليمي الذي كانت تلعبه. وانها ستنصرف لمعالجة ازماتها الداخلية وترتيب الواقع الذي سينشأ بسبب ما يحصل، وستنكفئ الى حد بعيد عن قضايا المنطقة، لا سيما الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي واستتباعا علاقتها بحزب الله.

وحسبب هذه الاوساط فان الساحة اللبنانية ستبقى في واقع هادئ وسط معادلة ايكال الاستقرار الامني لحزب الله من خلال الحكومة الموالية له، في مقابل توجيه ضربات سياسية له من خلال المحكمة الدولية.
لكن هذه الاوساط تدرك انه في نهاية المطاف ستفتح ابواب التفاوض والتحاور بين واشنطن وحزب الله حول الملف الفلسطيني والواقع اللبناني والدور الايراني في المنطقة
وتكفي الاشارة الى «كلمة السر» التي جرى تزويدها للطائر الديبلوماسي الجديد في السفارة الاميركية في عوكر: «افتحوا ابواب الحوار مع الطائفة الشيعية».

السابق
سوريا.. الملك يقف مع الشعب
التالي
محضر سري.. المعلم للحريري: نحن والأجهزة هنا أوصلناك إلى الزاوية