الحكومة تلتزم خيارها والمعارضة تبرز المحاذير

 فتح الموقف اللبناني في مجلس الامن الوضع على جدل سياسي سجلت فيه ملاحظات عدة. فهل كان متاحا للبنان ان يتخذ موقفا غير ذلك الذي اتخذه من التطورات في سوريا، ام ان الموضوع هو توظيف سياسي من المعارضة كما يرى وزراء في الحكومة باعتبار انه لا يجب توقع امر مختلف من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ولا من رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في ظل توجيهات سابقة يتحدث عنها هؤلاء الوزراء برفض اي ادانة للنظام السوري في مجلس الامن؟
سادت في اليومين الاخيرين انطباعات عن وجود ازمة ناجمة عن تفرد الخارجية اللبنانية في اعطاء بعثة لبنان في الامم المتحدة تعليمات وخصوصاً ان الامر لم يطرح على طاولة مجلس الوزراء، كما حصل بالنسبة الى التصويت على العقوبات على ايران في مجلس الامن في ايام الحكومة السابقة. الا ان هذه الانطباعات بددها ما تردد عن اتصالات اجريت بين الخارجية ورئيس الجمهورية ورئيسي مجلس النواب والوزراء، علما ان حكومة تضم لونا سياسيا واحدا لا تحتاج الى ان تطرح ذلك امام مجلس الوزراء من اجل التوافق على موقف واحد منه كما يقول الوزراء المعنيون. وقد ابرز افرقاء الحكومة سببين اساسيين للموقف اللبناني احدهما رفض التدخل في الشأن السوري والآخر هو الخوف من من رد فعل سوري محتمل على هذا الموقف، فكيف بالاحرى على ما هو التزام للبيان الرئاسي.
لكن المآخذ الكثيرة على الموقف الذي اتخذ في مجلس الامن بناء على تعليمات من الحكومة اللبنانية تستند الى جملة امور لا علاقة لها بمفهوم التدخل في الشأن السوري وفق منتقدي الحكومة. فما اعتمده مجلس الامن هو بيان يعبر عن موقف اخلاقي لا علاقة له بأي خطوات عملية ازاء النظام السوري. اذ ان ما اعلن كان يتطلب ان يكون للبنان فيه رأي هو في صلب دستوره وقيمه، في وقت ان دولاً شاركت فيه هي من اصدقاء النظام السوري ومن أشد المدافعين عنه حتى الآن وسبق ان عبّرت عن تحفظات كثيرة ازاء أي اشارة يمكن ان يشتمّ منها تدخلا دوليا في الشأن السوري. وكانت مشاركتها في البيان على هذا الاساس انه لم يعد مقبولاً ما يجري على الارض منذ التطورات الاخيرة في حماه، وان هذه الدول الكبرى لا تتحمل السكوت عنه امام الرأي العام لديها كما امام الرأي العام الدولي. وان تكون هذه الدول وافقت على البيان بعد ضمانات على عدم التدخل في الشأن السوري، أياً يكن الوضع، إنما ينزع من لبنان تبريره لموقفه المتحفظ بأنه لا يريد التدخل في الشأن السوري وتالياً فإن المشاركة الداعمة للبيان لا تعني التدخل ما دام هناك ضمانات لذلك.
الامر الآخر هو انه حين يشارك لبنان في اعلى هيئة دولية، وقد اتيح له الامر بعد عقود طويلة على انشاء المنظمة الدولية، فإن الامر لا يشكل تتمة عددية انما للمشاركة في ما يسمى الحوكمة العالمية التي تتيحها هيئات الامم المتحدة والمشاركة فيها. ولبنان لا يتدخل في شؤون الاخرين وهذا امر مسلّم به، انما يتعين عليه من موقعه في مجلس الامن اعطاء رأيه في شؤون الآخرين من دون ان يعني ذلك تدخلاً. فاذا كان لبنان معوق أمنيا من خلال عدم قدرته على التحكم بمصير الاستونيين على اراضيه، فانه لا يمكن ان يبتعد عن المشاركة في إعطاء رأيه في ما يجري لدى الآخرين لئلا ينتقص من قدرته كدولة ولو قيل ان هناك تفهما خارجيا لموقعه وظروفه. فهذه الظروف تنتقص فعلا من سيادته على قراره ومن الدولة اللبنانية في اتجاهين على الاقل: الاول ان نأي لبنان بنفسه لم يحصل لاعتراض على مضمون البيان او لانه بيان سيئ مما يجعل من الموضوع اشكالية لبنانية، اي ان الدولة اللبنانية منقوصة الرأي او تخشى اتخاذ موقف مبدئي لا علاقة له بأي شكل من اشكال التدخل، وتاليا فان المشكلة لبنانية داخلية ولو ان الخارج تفهمها، اي انه فهم الموقف الذي يتخذه مندوب لبنان في الامم المتحدة. والآخر ان المنطلق المبدئي لعدم التدخل أطاح امكان ان يكون للبنان رأي في ما يجري. وثمة مثال بسيط هو ان يتعرض رجل لامرأته بالضرب فلا يتدخل الجار من اجل مساعدة اي منهما لكن من دون ان يعني ان لا رأي له في ما يجري. فاذا كانت رسالة لبنان اكبر منه على الصعيد الانساني والديموقراطي في المنطقة وفق ما نص عليه دستوره فانه لا يستطيع التخلي عن رأيه فقط في بيان رئاسي عن مجلس الامن.
إن البيان الرئاسي لا يكتسب عادة فاعلية القرار الذي يصدر عن مجلس الامن وخصوصا متى نص القرار على خطوات واجراءات يطلب اتخاذها. لكن البيان هو في اهمية القرار متى خلا هذا الاخير من اي خطوات وربما اكثر اهمية ايضا كونه يتطلب اجماع اعضاء مجلس الامن، وهو ما لا يتطلبه القرار الذي يمكن اصداره بتسعة اصوات في مقابل خمسة عشر صوتا لأي بيان رئاسي. فاذا كانت وسائل اعلام عالمية تساءلت ما اذا كان الموقف الروسي والصيني المعترض سابقاً على ادانة قمع الانتفاضة السورية ساهم في استمرار ذلك في الشهرين الماضيين، أفلا يسري ذلك على لبنان؟ 

السابق
النهار: واشنطن تقترب من مطالبة الأسد بالتنحي فوراً
التالي
لحظة إسرائيلية