بين السلاح والبلايين

 لا يستطيع أي لبناني إلا أن يُكبِر لدى الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله رفضه سرقة الإسرائيلي الثروات النفطية للبنان. وإن لم تفهم حكومة بنيامين نتانياهو من خطاب الأمين العام في ذكرى «الانتصار في حرب تموز» (يوليو) سوى رسالة عنوانها «نتحداكم بدء الحرب»، فإن النقاش مازال محتدماً بين النُّخب السياسية والعسكرية الإسرائيلية حول «حرب لبنان الثالثة» باعتبارها آتية لا ريب فيها، فيما قسم من اللبنانيين على الأقل سيتطيّرون تشاؤماً مهما وعدهم الأمين العام بالنصر.

ومرة أخرى، لن يجدي التذكير بعمق الانقسامات بين اللبنانيين، ولا باختلافهم على توصيف النصر، وعلى جنس الملائكة. فمن لا يرون في سقوط ألف شهيد انتصاراً ثمنه قدسية لسلاح «حزب الله»، وانكفاء الحزب الى الصراعات السياسية مهما ترفّع عن السلطة ومكاسبها، ما زالوا لا يرون في ذاك النصر سوى ثمن باهظ دفعه اللبنانيون من دمائهم وممتلكاتهم، وآخر يدفعونه بتحوّل السلاح في الداخل قوة ضاغطة على الحياة السياسية، معها لا يستقيم أي حوار. حتى نشر قوات «يونيفيل» براً وبحراً، لم يمنح حصانة المنطق لمقولة النصر، طالما يُبعِد المقاومة عن الحدود، ويحصّن إسرائيل من هجمات الصواريخ.

تلك على الأقل، رؤية الفريق المعارض لتوجهات «حزب الله» وحلفائه الذين اتُّهِموا جميعاً باستثمار الانتصار مكاسب سياسية، منذ أطاحوا حكومة الرئيس سعد الحريري، ومعها اتفاق الدوحة.

وإن كان مصادفة غريبة الاعتداء على دورية لقوات «يونيفيل» قبل ساعات قليلة من خطاب السيد حسن نصرالله، فالغريب كذلك ان يتجاهل الخطاب الحادث فيحجّم دلالاته، في حين ينحو بعضهم منحى التشكيك في هوية «الرسالة» التي أريد للاعتداء ان يوجهها، وهوية المعني بها.

فإذا أُضيفت بمفهوم ضرب مفاعيل القرار 1701، أو على الأقل التلويح بالتنصل منه، بعدما ضرب «حزب الله» قرار إنشاء المحكمة الدولية (1757) بحائط «المؤامرة على المقاومة»، لكانت المحصلة مزيداً من الحجج لمن يخشون احتمال تصنيف لبنان دولة خارجة على الشرعية الدولية… وما على الجميع إلا أن يفهم مغزى الإلحاح الأميركي – الأوروبي على «التزامات» لبنان التي لا تتأثر بأي ظروف إقليمية.

وإذا كان القلق في واشنطن وعواصم أوروبية من احتمال هروب النظام في سورية الى أمام، و «تنفيس» انتفاضة الداخل بحرب في الجولان أو جنوب لبنان، يلقى صداه في قلق مماثل لدى شريحة واسعة من اللبنانيين – بمن فيهم فريق 14 آذار – فـ «جبهة النفط» باتت كأنها الحرب المقبلة التي لا يريدها «حزب الله»، ولكن… ولا يعلم أحد بعد، هل تسبق المراسيم التي حضّ السيد حسن نصرالله حكومة نجيب ميقاتي على إصدارها لاستثمار الثروة النفطية، فيما السرقات الإسرائيلية سبّاقة حتماً، كل تدبير لبناني أو عربي.

بيت القصيد، بيتان في خطاب الأمين العام: رفع معنويات حزبه ورجاله، ومنهم أربعة طلبت المحكمة الدولية توقيفهم للاشتباه في تورطهم باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهم «متهمون قديسون» لدى حزبهم، كما قال الرئيس السابق أمين الجميل… أي رفع المعنويات بالتحضير لـ «جبهة النفط»، وما دام لكل جبهة سلاحها، تصبح المعادلة أو يجب ان تكون لدى اللبنانيين: ثراء بعد الفقر، متطلباته نفط يحميه سلاح الحزب.

الحزب بات على الجبهة، الفريق الآخر ما زال في وادي المحكمة «المؤامرة». أليس في ذلك ما يراد قوله للبنانيين؟ كتلة «المستقبل» النيابية تخاطبهم بأن السلاح ذاته الذي يعِد بحماية ثروة النفط «فَقَدَ شرعيته بعدما تحوّل الى صدورهم، واحتضن المتهمين» باغتيال رفيق الحريري.

ومثلما كانت المعادلة «الافتراضية» يوماً الحكومة مقابل المحكمة، وتحولت «المحكمة مقابل الاستقرار»، لن يكون مؤلماً ربما لكثيرين ان تُنجِب يوماً «إما الثروة وإما العدالة»! اللبنانيون أدمنوا الألم المجاني والافتراضي.

وبالعودة الى النقطة صفر، الحوار ووظيفة السلاح وشرعيته، هل يمكن افتراض قدرة لبنان على المطالبة بحقوقه في ثرواته النفطية قبل ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل؟ فات خطاب الأمين العام ان حكومة نجيب ميقاتي لا يمكنها أن تفاوض افتراضياً بل إسرائيل ولو برعاية الأمم المتحدة. قبل الترسيم لا شرعة دولية لوقف النهب أياً يكن مقداره وبراعة اللص و «خبرته».

وإن لم تفاوض العدو، هل يجدي الحكومة اللبنانية حوار مع حكومة اسماعيل هنية، لاستغلال ثروة بالبلايين؟ 

السابق
“الفرنكوفونية” العسكرية
التالي
أوتويا تقول: لا دين للتطرّف