الغاز: وعد صادق؟

 نام لبنانيون كثيرون ليلة الثلاثاء على وعد الثروة، وحلموا باليوم الذي يغرقون فيه بالدولارات، ولعل بعضهم قصد المصرف في اليوم التالي للاستدانة على حساب حصته الموعودة من الغاز الموجود في قاع البحر الابيض المتوسط، التي يبدو أن توزيعها على المواطنين لن يتأخر عن ست او سبع سنوات على ابعد تقدير، اذا لم يحصل اي طارئ يبدد الوعد ويحرق الثروة ويحبط الوطن، الذي لم يتشابه مع الدول المنتجة للنفط والغاز الا في طقسها الحار والرطب.
وعد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كان صادقاً جداً لكنه لم يكن دقيقاً أبداً. الرقم الذي اطلقه للثروة الغازية المرتقبة وقدّره بمئات مليارات الدولارات هو رقم خيالي بل وهمي، ولا يمكن ان تحلم به حتى اكبر الدول المنتجة للغاز في العالم، وهي على التوالي روسيا وقطر وايران، والتي ستنضم اليها اسرائيل بعدما كافأتها الطبيعة على اغتصابها فلسطين وتشريد شعبها باحتياطي من الغاز يمكن ان يجعل منها رابع دولة منتجة في العالم، او ربما ثالث دولة قبل ايران، كما يُقال.
عشرات المليارات من الدولارت كافية لكي يشعر كل لبناني بغنى النفس والجسد، ولكي يسد الدين ويوقف العجز في ميزانيتيه العامة والخاصة ويعيد المغتربين جميعاً. اما اذا ارتفع هذا الرقم الافتراضي لدخل لبنان من تصدير الغاز الى ما فوق المئة مليار دولار، في مدى زمني قصير طبعاً لا يزيد على الخمس سنوات على سبيل المثال، فإن لبنان يمكن ان يصبح دولة توزع الهبات والقروض حتى على الدول الخليجية الشقيقة التي طالما تلقى منها المساعدات المالية، كما يمكن ان يشتري سندات الخزينة الاميركية التي تسدد ديون الاميركيين وتمنع افلاس دولتهم.. اذا كانت مثل هذه الخطوة جائزة شرعاً.
المهم الآن، وقبل ان يحتدم الخلاف على الاحتياطي اللبناني من الغاز القابع في قعر المتوسط، ان تبدأ الخطوات العملية للتنقيب والاستخراج والتسويق، ولا يظل الأمر مجرد نكتة يتداولها اللبنانيون عن سكان بعض المدن الساحلية الذين يضعون من الآن قوارير الغاز المنزلية على الشاطئ وينتظرون ظهور الأنابيب من البحر لتعبئتها بالمجان. ومثل هذه الخطوات يفترض ان تتخذ بسرعة فائقة، لانها سهلة جداً، ولا تقتضي سوى التعاقد مع عدد من الشركات الدولية الكبرى، لتعويض التأخير في اللحاق باسرائيل المتقدمة في ذلك السباق نحو سبع سنوات.. فضلاً عن بناء بعض المنشآت على الساحل لتسييل الغاز وتخزينه تمهيداً لاستخدامه في الداخل وتصديره الى الخارج.
وهي ليست قضية سياسية، الا في كونها اشبه بعرض دولي، واغواء اميركي واسرائيلي تحديداً، بالمشاركة في التنقيب والتصدير والاستخراج من الآبار المشتركة، على امل ان يستقر لبنان ويهدأ شعبه قليلا، لعله يفكر في المحظور الاكبر اي التفاوض والتفاهم على تقسيم العائدات، بعد ترسيم الحدود البحرية، وتالياً البرية بما يقفل آخر جبهات الصراع العربي الاسرائيلي!
الحذر واجب، وإلا يصبح وعد الثروة مثل الوعد بالجنة، لا يطلقه سوى الأنبياء ولا يدركه سوى الاتقياء.. وهم قلة في لبنان، لا يبتغون سوى غنى الروح.
 

السابق
البلد: استهداف ” اليونيفيل ” في مرمى الحكومة …
التالي
إرباكات للحكومة من داخلها في فترة قياسية