الحكومة تضيء شمعة أولى مخالفاتها الدستورية… بشبه إجماع!

أنقذ مجلس الوزراء نفسه أمس من خطيئة كان يمكن لو استمر بها أن تقوده سريعاً إلى إضاءة أولى شمعاته في نادي المخالفين للدستور، بتراجعه مبدئياً عن قرار كان قد اتخذه في جلسة الاثنين في السرايا الكبيرة، وينص على «الموافقة على استمرار صرف وعقد ودفع الرواتب وملحقاتها وسائر النفقات الدائمة التي تقضي المصلحة العامة باستمرارها على أساس الاعتمادات الملحوظة في مشروع موازنة عام 2011». 
في ذلك البند ـ الخطيئة، أجازت الحكومة الصرف على أساس مشروع موازنة لم يقر في مجلس النواب ولا في الحكومة، كما لم يناقش، وبمعنى آخر، أجازت الصرف اعتماداً على مشروع غير موجود. وكان لافتاً للانتباه أيضاً أن هذا القرار هو غير القرار الذي نوقش خلال الجلسة وإن بالمضمون نفسه، فالوزراء وافقوا على فتح اعتماد بقيمة 750 مليون ليرة لصالح المديرية العامة لأمن الدولة على أساس مشروع موازنة قانون عام 2011.
لو لم يتراجع مجلس الوزراء عن هذا البند في جلسة أمس لكانت قوى المعارضة السابقة، قد أجازت لنفسها ما حرمته على غيرها من أكثرية سابقة، واعتمدته عنواناً لحملات مستمرة على رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة فرئيس الحكومة السابق سعد الحريري، على خلفية الـ 11 مليار دولار التي صرفت بدون موازنات، والتي وصلت إلى 17 ملياراً قبل مغادرة الحريري للحكم في مطلع هذه السنة.
وبعد صمت مريب في الجلسة الماضية من قبل كل الوزراء، باستثناء اعتراض يتيم جاء من ناحية وزير العمل شربل نحاس، لم يحل دون إمرار «البند الأسود» بدون أي نقاش، انقلب المشهد رأساً على عقب أمس، حيث ترأس الوزيران علي حسن خليل وجبران باسيل جبهة الاعتراض السياسي على هذا البند بمساندة من نحاس ، فاعتبرا ان ذلك القرار لا يخالف الدستور فحسب بل هو تزوير لقرارات مجلس الوزراء، حيث لم يناقش في المجلس كما لم يكن على جدول الأعمال. وفي رسالة ذات دلالات واضحة أكد خليل في مداخلته أن مجلس النواب لا يمكن أن يقبل بهذه المخالفة. كما أكد المعترضون أن لجنة المال والموازنة وضعت يدها على الموضوع، كما سبق وواجهت المعارضة السابقة على هذه المخالفات ولا يمكن أن نقبل بها الآن.
وأمام احتدام النقاش الذي دام معظم الجلسة، في ظل إصرار ميقاتي على موقفه في إمرار هذا البند للجلسة الثانية على التوالي، توصل الجانبان إلى مخرج أولي يقضي بعدم جعل القرار نافذاً عبر عدم نشره في الجريدة الرسمية في مهلة الـ15 يوماً، كما ينص القانون، تمهيداً لإعادة البحث فيه في جلسة لاحقة. 
ما حصل في الجلسة الاثنين يدل، بحسب متابعين لمسار المحاسبة المالية المستمرة في مجلس النواب، أن ميقاتي أراد من خلال ما حصل قطع الطريق أمام كل من تسول له نفسه القول بفتح ملفات الحقبة الماضية، رامياً عن ظهره آخر الملفات التي تحرجه في الشارع السني.
وبهذا يكون القصد من امرار القرار توجيه رسالة واضحة إلى العماد ميشال عون، الذي تعب من سماع المناشدات بإراحة ميقاتي، مفادها أن سلاح الملف المالي المتبقي في يده أصبح فارغاً من ذخيرته، في ظل تورط وزرائه العشرة في فخ الموافقة على المخالفة.
واللافت للانتباه أيضاً أن اعتراض نحاس لم يلق أي تضامن من زملائه في تكتل التغيير والاصلاح، وكاد يغرد منفرداً لولا تسجيل اعتراض متأخر من زميليه جبران باسيل ونقولا صحناوي، لم يكن من الممكن صرفه إلا متأخرا وعلى طاولة تكتل الاصلاح والتغيير في اليوم التالي!. 
فقد اجتمع التكتل برئاسة العماد ميشال عون الذي أسمع وزراءه توبيخاً حاداً على «الفاول» الدستوري ـ المالي ـ السياسي المرتكب، مع استثنائه الوزراء الثلاثة. 
حقيقة ما حصل ما يزال ملتبساً حتى اليوم، فميقاتي كان يمكنه تفادي مخالفة الدستور بسهولة لو أراد، وذلك عبر تقديم مشروع قانون إلى مجلس النواب يطلب فيه الإجازة للحكومة صرف اعتمادات تتجاوز القاعدة الإثني عشرية، وهي خطوة سبق واتفق عليها في لجنة صياغة البيان الوزاري. وبناء عليه، يرى المعترضون على تمرير القرار أن الإصرار على الصرف على أساس الاعتمادات الملحوظة في موازنة 2011، يؤكد أن الهدف يتخطى مبدأ تسهيل عمل الوزارات.
مواقف بعض الوزراء قبيل جلسة أمس لم يساهم إلا في زيادة الالتباس القائم، ففيما أكد الوزير حسين الحاج حسن أن القرار المتخذ كان أحد خيارين طُرحا في الجلسة السابقة ثانيهما اللجوء إلى سلفات الخزينة لتغطية النفقات، رفض الوزير علي حسن خليل التأكيد أن المجلس أقر الصرف اعتماداً على مشروع موازنة 2011، مشيراً إلى أن القرار اتخذ بالموافقة على قيمة المبلغ على أن تحدد آلية الحصول عليه لاحقاً وعبر اقتراح من وزارة المالية. 
أما مصادر تكتل التغيير فتبرر «سهو» وزرائها بحشر جدول الأعمال في اللحظات الأخيرة ببنود لا تسمح للوزير بدارسته كما يجب. أما فيما يتعلق بمسألة المحاسبة والخوف من ضياع الحقائق المالية في زواريب المصالح السياسية، فيجزم رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان أن «لا شيء يمكن ان يقف في طريق استمرار اللجنة في متابعة ما بدأته، في سبيل الوصول إلى تبيان كل حقائق المالية العامة، حتى لو اقتضى الأمر مساءلة الحكومة الحالية، لو أخطأت»، مذكراً أن المخالفات المالية لا تتعلق فقط بموضوع الـ17 ملياراً «بل بكل العجائب في الحسابات».
من يريد البحث عن أسباب تخفيفية لما حصل، لن يجد صعوبة في ذلك، وإضافة إلى «نظرية السهو»، أحيل الأمر إلى اعتبار أن الاعتمادات تهدف حصراً إلى تغطية النفقات الدائمة والإلزامية وأبرزها رواتب الموظفين. من هنا فإن الوزراء الذين وافقوا على القرار، وسبق وناشدوا الدوائر المعنية بإيجاد حل يسمح لهم بالحصول على الأموال لوزاراتهم، كانوا أمام نارين إما الاعتراض على القرار وتحمل تبعات تأخر الأموال بانتظار اجتماع مجلس النواب وإقرار القانون الذي يجيز لهم الصرف، أو التغاضي عن المخالفة في سبيل الحصول على الأموال، فاختاروا الأمر الثاني، قبل أن يأتي أمر العمليات الجديد من عون والرئيس نبيه بري، فيستنفر الوزراء في محاولتهم تصليح ما كسروه بأنفسهم.

 

السابق
حيث القومية صياح والشرف قتل
التالي
مصدر قيادي في 8 اذار: موضوع تمويل المحكمة لن يمرّ في مجلس الوزراء