ماذا يخشى حزب الله؟

لم تعد المعركة محصورة بين "حزب الله" وقوى 14 آذار على خلفيّة القرار الاتّهامي الصادر عن المحكمة الدوليّة.

والاجتهاد الإعلامي الذي يقوده الحزب لم يحقّق بعد أي تأثير في المسار القانوني لإجراءات الاتّهام والمحاكمة والمحاسبة.

ولا تنحصر المشكلة في رفض الحزب تسليم المتهمين الأربعة المطلوبين في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أو الانصياع للمحكمة الدولية؛ ولا في البند الوزاري المتعلّق بالمحكمة، ولا في وقف التمويل وسحب القضاة اللبنانيين المنتدبين إليها.

النزاع الأساسي هو في المنطقة، وعلى المنطقة. ولبنان جزء من هذا النزاع المفتوح على الخيارات الصعبة. لذلك، يبدو أفق التسويات التي يتقنها القادة السياسيون في لبنان مسدودا، إذ إنّ مسار الأحداث في الشرق الأوسط هو مسار تصاعدي متأزّم، ولم تبلغ الأمور مرحلة الحسم ولا التفاوض بعد…

و"حزب الله" لا يخشى المواجهة بمقدار ما يخشى أن تعقد صفقة على حسابه إذا ما استدعت التسويات الدولية والإقليمية التضحية به أمام مصالح استراتيجية أكبر.

ولا شك في أنّ الحزب يدرك حجم الاتجاه الدولي وجدّيته في عزله ومحاصرته ومحاسبته والانقضاض على جناحه العسكري وفق سيناريوهات معدّة سلفا، وإن كان قادة الحزب يعكسون انطباعا بأنه مثل الجبل لا تهزه ريح، فيما يحصّنون أوراقهم، لاستخدامها بتعقّل في الوقت المناسب. وقد تمكّن الحزب من انتزاع ورقة الحكومة بموجب خطّة وضعها منذ أكثر من خمس سنوات، ولم ييأس من سلسلة محاولات بذلها سابقا، حتى كان له أخيرا ما أراد.

ويدرك الحزب تماما المخاطر التي تحوطه وأبرزها:

1 – الوضع السوري الحسّاس والضغوط الدولية على دمشق، وما يمكن أن تصل إليه الأوضاع وتداعياتها على الحزب.

2 – عبء الحكومة التي يعطيها أكثر بكثير مما يأخذ منها، وما يمكن أن تتعرّض له من ضغوط وعقوبات دولية، ومن "ضربات" داخلية.

3 – الإختراق الاستخباراتي الأخير لصفوف ذراعه العسكرية، وضبط مَن قد يكون سرَّب كثيرا من المعلومات المصنّفة "سرّي جدّا" عن قيادات الحزب وآلية عمله وأنشطته الخفيّة.

4 – المناورات العسكرية الإسرائيلية وإمكان شنّ هجوم واسع على الحزب في أي وقت، وإن كان هذا الاحتمال ضعيفا في المرحلة المنظورة.

5 – القرار الاتّهامي الذي يشكّل التهديد المباشر الأكثر خطورة على الحزب، مع تقدّم مراحل المحاكمة والقرارات والعقوبات.

وانطلاقا من ذلك، قرّر الحزب في المرحلة الحالية رفع درجة التيقّظ وامتصاص الصدمات إلى أبعد ما يمكن، والامتناع عن أي ردّ فعل ارتجالي على أيّ حادث أو موقف خطير، على الصعيد المحلّي.

هي عاصفة من نوع آخر، لا بل اجتياح من نوع آخر، وليس بالضرورة، العسكري منها، ينتظر "حزب الله" أن يشنّها المجتمع الدولي عليه تدريجا. وليس مستبعدا أن تُشن الحرب أيضا على حلفاء الحزب في مرحلة مقبلة، بحيث تُفرَض عقوبات على كل من له علاقة به، تجارية كانت أو مالية أو سياسية، وبالتالي تتم إعادة خلط الأوراق والتحالفات.

رسالتان من الرسائل التي وجهها الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله، تفيدان أنّ همّه اليوم:

أولا: الرسالة الأولى كانت لجمهور 8 آذار ومفادها: لا تصدّقوا المحكمة وحافظوا على المعنويات العالية في مواجهة الآتي.

ثانيا: الرسالة الثانية كانت لفريق 14 آذار وهي: المعركة ليست معكم، وإنّما مع الخارج، فلا تكونوا رأس حربة في الحرب الآتية على "حزب الله".

الرسالة الأولى حقّقت أهدافها، أمّا الثانية فقد وصلت ولم يؤخَذ بها.

السابق
الجمهورية: جلسة الثقة اليوم: أوّل غيث المواجهة بين الأكثريّة و14 آذار ميقاتي يفتح النار على المعارضة ويتلقى نارها
التالي
البناء: تنشر صور الوثائق الموقّعة لنقل كمبيوترات التحقيق الدولي إلى إسرائيل و جلسات الثقة تنطلق وتصعيد «14 آذار» لن يحول دونها