الأخبار: مشكلة الكراميّين تهدّد بنسف مشاورات التأليف

 عملياً، تواصلت أمس لقاءات ومشاورات تأليف الحكومة، واستمر ضخ جو التفاؤل المتجدد منذ لقاءات ساحة النجمة يوم الأربعاء الماضي. وبالفعل أدت المساعي إلى فكفكة عقدة الماروني السادس، وبدأت الجهود لحسم اسم السني السادس. لكن ذلك لم يمنع ظهور أعراض تشاؤم على… المتفائلين
من جديد: بعد الهبّة الباردة جاءت الساخنة، وبعد التفاؤل بقرب ولادة الحكومة عاد التشاؤم والحديث عن ساعات حاسمة إذا لم تحلّ فيها عقدة أحد الكراميّين: فيصل أو أحمد، فستعود الأمور إلى نقطة الصفر.
التطورات الدراماتيكية حكومياً، سبقتها أجواء إيجابية، إذ حمل أمس المعاونان السياسيان لرئيس مجلس النواب والأمين العام لحزب الله، النائب علي حسن خليل وحسين الخليل، إلى الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، نتائج مشاوراتهما أول من أمس، مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان والعماد ميشال عون. وأكدت مصادر الأكثرية الجديدة أن قضية الوزير الماروني السادس حسمت نهائياً، كاشفة أن رئيس مجلس إدارة محطة الجديد تحسين خياط، قام بدور بارز في إقناع الجنرالين، سليمان وعون، بالتوصل إلى صيغة حل مضمونة تحفظ حق رئيس الجمهورية بتسمية الوزير الماروني السادس، من دون أي شروط، على أن يطّلع عون على الاسم قبل صدور المرسوم.
وبدت هذه المصادر متفائلة أيضاً، عندما ذكرت أنه لم تبق إلا عقدة الوزير السني السادس، متسلحة بأن ميقاتي كان قد وعد بالتوصل إلى تسوية مع فيصل كرامي، وكادت تصل إلى حد القول إن الحكومة ستعلن بعد ظهر أمس. لكن المفاجأة كانت بأن لقاءي الساعات الثماني والأربعين الماضية بين ميقاتي وكرامي الابن لم يؤديا إلى أي حلحلة، إضافة إلى بروز ما يمكن تسميته قضية النائب أحمد كرامي، الذي علم أن أحداً لم يسع إلى حل المشكلة معه خلال الأسابيع الماضية لأن «ميقاتي لم يكن قد أبدى إشارات توحي بأنه لن يرفض توزيره».
وبذلك وجدت مشكلة جديدة، تتلخص بأن ميقاتي لا يزال يرفض توزير فيصل كرامي، بذريعة أن ذلك يحرجه مع حليفه أحمد كرامي، وأن الحل الوحيد هو في توزير الاثنين: فيصل وأحمد. وفي لقائه مع الخليلين أمس، قال ميقاتي إن الحكومة لن تحتمل أقل من وزيرين سنيين من العاصمة، وبالتالي، فإنه يصعب أن يكون هناك 4 وزراء من طرابلس. فردّ الخليلان بالقول إن قوى الأكثرية الجديدة لن تعارض وجود 4 وزراء سنة من طرابلس. فأعاد ميقاتي طرح مسألة التمثيل السني للعاصمة. وانفضّ الاجتماع على أساس البحث عن حل لهذه المسألة خلال اليومين المقبلين، بعد إشراك مختلف الأطراف المعنية بعملية التأليف.
كذلك أشارت مصادر التيار الوطني الحر إلى أن العماد عون يعطي لحلفائه مهلة قصيرة جداً من أجل حل مشكلة السني السادس، لأنه يرى عدم جواز بقاء الحكومة والبلاد معلقة بسبب خلاف على مقعد وزاري واحد. وشددت هذه المصادر على ضرورة تقديم تنازلات بهذا الصدد، لأن المشكلات الرئيسية جرى حلها، وبالتالي، من غير المسموح انتظار أسابيع إضافية بسبب خلافات على قضايا ليست جوهرية.
وبعدما كان مصدر رفيع في الأكثرية الجديدة قد تحدث لـ«الأخبار» عن مهلة لا تزيد على خمسة أيام لحل هذه القضية، جاءت معطيات جديدة عن عقدة الكراميين وتمثيل بيروت وطرابلس، لتشعر المفاوضين بالقرف والإحباط. وأبدى المصدر تخوفه من تأثير هذه العقدة على كامل التسوية التي جرى التوصل إليها، لأن عدم حل المشكلة خلال ساعات سيفتح الباب أمام كل أنواع التطورات والتدخلات التي سيكون المجال مفتوحاً أمامها لإطاحة ما تم تحقيقه خلال الأشهر الماضية.
وفي ما خص تمثيلاً آخر لا يعتبره المفاوضون مشكلة، أبقى النائب طلال أرسلان، سقف مطلبه وتحفظاته مرتفعاً، مجدداً عبر الحزب الديموقراطي اللبناني، رفضه لوزارة الدولة، ولما سماه التمييز العنصري الذي يصيب طوائف: الدروز والروم الكاثوليك والأرمن الأرثوذكس والكاثوليك والعلويين وسائر الطوائف المشرقية العريقة، عبر «نكران أهليتها لتسلم أي حقيبة وزارية ذات صلة مباشرة بالأمن القومي للدولة». وقال الأمين العام للحزب وليد بركات لـ«الأخبار» إن «المير لن يقبل إلا بحقيبة أساسية وإلا فإنه سيسحب الثقة وينسحب من 8 آذار، لكنه سيحافظ على خياراته الوطنية». وكشف أن ميقاتي أبلغ ممثل الحزب مروان أبو فاضل أنه «يحق للمير بحقيبة أساسية، والحزب رأى أن هذا حق طبيعي». وأكد بركات أنه لا بحث في الموضوع مع النائب وليد جنبلاط «فالمشكلة ليست منه، لأن حصة المير هي من الحصة الدرزية لا من حصة جنبلاط»، وكرر أن أرسلان سيستقيل في حال إعطائه وزارة دولة.
وكانت المواقف المعلنة أمس من موضوع الحكومة قد تباينت على نحو واضح بين التفاؤل والتشاؤم حتى في صفوف الفريق الواحد، إذ بدا النائب فريد الخازن متفائلاً جداً، بقوله «إننا في أقرب نقطة من المسافة التي تفصلنا عن تأليف الحكومة»، مؤكداً أنه لم يعد هناك من مشاكل غير قابلة للحل. وإذ أمل ولادة الحكومة قبل الموعد الجديد للجلسة التشريعية الأربعاء المقبل، ذكر أن الكرة أصبحت الآن في ملعب رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
ووصل جو التفاؤل إلى السفير الإيراني غضنفر ركن أبادي، الذي قال بعد زيارته الوزير طارق متري أمس: «كنا نعلن أن تأليف الحكومة في لبنان شأن لبناني، لكن نحن كجمهورية إسلامية إيرانية دائماً أكدنا وأملنا أن تتألف الحكومة بأسرع زمن، ونحن أيضاً سمعنا بأن الأجواء إيجابية جداً في هذا المجال».
لكن رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب، عكس جواً مخالفاً كلياً، إذ جزم أمس خلال تكريم «مؤسسة بلاد الشام للإعلام» السورية له، في دارته في الجاهلية، بأن الحكومة لن تولد قريباً. وقال إنه لا يزال مصراً على «أن المخرج الوحيد هو حكومة الوحدة الوطنية، وخصوصاً في هذا الظرف. لذلك، أعتقد أن الحكومة لا يمكن أن تولد بدون إحياء ما لموضوع الـ«س ــ س»، وبدون ذلك لا أرى أي مشروع للتأليف وأرى أن كل الجهود التي تبذل الآن ستكون تضييعاً للوقت».
واتفق معه، بطريقة غير مباشرة، الوزير سليم الصايغ، الذي رأى أن التداعيات اللبنانية والإقليمية وخصوصاً السورية، لا تشجع على التفاؤل بالنسبة الى تأليف الحكومة. ووصف ما يحصل بأنه ملهاة «ونحن نضيّع اللبنانيين ونتلهّى كل لحظة بموضوع جديد»، معتبراً أن المطلوب هو العودة إلى ما طرحه الرئيس أمين الجميل بتأليف «حكومة من أقطاب ومرجعيات كي يتحمل كل فريق مسؤولياته».
ومع أن الزخم الجديد لتأليف الحكومة بدأ يوم الأربعاء الماضي، والنائب جنبلاط زار دمشق أول من أمس، أي الخميس، فإن النائب خالد زهرمان عزا هذا الزخم إلى «موقف مستجد من القيادة السورية في موضوع تأليف الحكومة تضمّنته رسالة وصلت الى النائب وليد جنبلاط الذي أوصلها إلى قوى الأكثرية الجديدة فجاء هذا الحراك الحكومي في الوقت المحدد له»، أما زميله في الكتلة النائب خالد الضاهر، وبمعزل عن قرب تأليف الحكومة أو بعده، فقد اختار مسبقاً تسميته للحكومة المنتظرة وهي «حكومة الكارثة الوطنية».

المفتي يريد التغيير

في مجال آخر، برزت أمس دعوة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، اللبنانيين، إلى الخروج للمطالبة بالتغيير، لكن من دون أن يقرن ذلك بالمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد، أسوة بما تطالب به الثورات العربية. وفي حضور الرئيس فؤاد السنيورة ونواب من كتلة المستقبل وشخصيات، قال قباني: «الشعب اللبناني يئن كل يوم من الحاجة والفقر والبطالة والكساد، بل وحتى الإفلاس، وقد آن الأوان كي يخرج الشعب الصابر مطالباً بالتغيير، وعلى عقلاء اللبنانيين لا سياسيّيهم فقط، أن يفكروا ملياً ماذا يصنعون قبل فوات الأوان، مع تجديد الالتزام بالطائف لا الخروج عليه، فهو الأساس»، مضيفاً إن «المشكلة في لبنان لا تكمن في المعارضة ولا في الموالاة، ولا بمزايدة الأفرقاء أنفسهم بعضهم على بعض في حب الوطن، ولا المشكلة تكمن في النصوص، إنما المشكلة الحقيقية في لبنان تكمن في السلوك السياسي، ولا سيما حين يصبح العقد الاجتماعي في الوطن موضع خلاف، فطبيعة النظام اللبناني الذي لا خلاف عليه، يجب أن تعكس قواعد العيش المشترك بين مختلف أبناء الوطن، وتقوقنها في دساتير وقوانين أساسية، ترعى ديمومة وسلامة الواقعين السياسي والاجتماعي، وخاصة في مثل الظروف التي تواجه الدولة في لبنان اليوم، وهي لا تستطيع في حدها الأدنى اليوم أن تقوم، ولذلك فالمطلوب اليوم هو إجماع لبناني على عدم النزاع في مؤسسات الدولة تحت أي عنوان كان، الأمر الذي يخل بسلامة الواقع السياسي والاجتماعي للشعب في البلاد، ولذلك فإن المطلوب من المواطن اللبناني أن يرفض التفريط بحق من حقوقه الأساسية المضيّعة اليوم، والضرورية للعيش بكرامة وكفاية وأمان، بسبب نزاعات تنشأ هنا وهناك، أو تحت ذريعة الخلافات السياسية التي يسقط ضحيتها الوطن». ورأى أن المطلوب اليوم «إجماع لبناني على المحافظة على الوطن». 

السابق
السفير: «العقدة»: الماروني أم السني السادس؟
التالي
اللواء: الحكومة: خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء