الحياة: عون يرفض تسليم ميقاتي أسماء وزرائه في الحكومة

تمر المشاورات في شأن تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة، مع معاودتها في مطلع الأسبوع الفائت، في مخاض عسير هو أشبه باختبار نيات للتأكد مما إذا كانت ستدفع باتجاه تسريع ولادتها بعد طول انتظار أو أن بعض القوى في الأكثرية الجديدة أرادت تجميع قواها للرد على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على خلفية اعتباره أنه من غير الجائز بقاء البلد من دون حكومة في ظل التعثر والتباطؤ الاقتصادي وهروب الودائع والرساميل والغلاء المستشري والترهل الإداري وتدني القدرة الشرائية والتعدي على الأملاك العامة.

وفي هذا السياق سألت مصادر سياسية مواكبة لاستئناف المشاورات لتأليف الحكومة ما إذا كان موقف جنبلاط «استفز» رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون باعتباره أحد أبرز معرقلي التأليف ودفع الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير الى قول كلام يفهم منه انه متفهم لكل ما قاله رئيس «التقدمي» وانه جاد في الضغط لإزالة العراقيل التي ما زالت تؤخر ولادتها؟

هل استيعاب جنبلاط هو لتجديد الهجوم على ميقاتي؟

وقالت المصادر نفسها انه تبين، حتى إشعار آخر، أن هناك رغبة لدى نصرالله في استيعاب المخاوف التي عبّر عنها جنبلاط مع انه لم يعرف أين يقف «حزب الله» من اتهام عون شخصياً لرئيس «التقدمي» في معرض تعليقه على اجتماع الأخير مع رئيس حزب الكتائب الرئيس أمين الجميل بأنه يستعد للانعطاف في موقفه (تكويعة)، خصوصاً في ضوء مبادرة رئيس «التيار الوطني الحر» الى القول إن الأكثرية قدمت ما عليها وإن إنجاز الحكومة يتوقف على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي عليه أن يتحرك خارجياً للتأكد من أن لا عوائق تعيق ولادتها.

ولفتت المصادر الى أن قول عون إن الأكثرية قدمت ما عليها ولم تعد مسؤولة عن تأخير ولادة الحكومة ما هو إلا كلام حق يراد به باطل وإلا كيف ينسجم عون مع قوله هذا في وقت لا يزال يمتنع عن إيداع الرئيس ميقاتي لائحة بأسماء مرشحيه لدخول الوزارة؟

وأكدت المصادر عينها أن ما يثير التساؤلات حول موقف عون، هو إصرار عضو «تكتل التغيير والإصلاح» النائب آلان عون، ومن قبله زميله في التكتل زياد أسود، على القول إن التكتل سلم ميقاتي لائحة بأسماء المرشحين للحكومة وهذا ما نفته مصادر مقربة من الأخير إضافة الى أنه يتعارض مع تأكيد المعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» حسين خليل بأن الحزب يتحرك لدى عون لتسليمه لائحة بأسماء وزرائه. وسألت المصادر: ما المصلحة من رمي الكرة الى مرمى ميقاتي وإظهاره بمظهر من يؤخر إنتاج الحكومة لأسباب خارجية. وهل إن من يسعى لتذليل العقبات يصر على ممارسة سياسة مراعاة خاطر عون وإظهاره على خلاف حقيقته وتقديمه على أنه «المطواع» الراغب في توفير كل التسهيلات لتأليف الحكومة»؟

كيف يشكل ميقاتي الحكومة بلا أسماء؟

كما سألت هذه المصادر: «كيف يسارع ميقاتي الى تشكيل الحكومة فيما يمتنع عون عن تسليمه لائحة بأسماء وزرائه على قاعدة الاتفاق الذي أنجز بين الرئيس المكلف ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ويقضي بأن يتقدم كل فريق بأكثر من مرشح للحقيبة الواحدة وهذا ما اتفق عليه في لقاء الاثنين الماضي في حضور حسين خليل إضافة الى المعاون السياسي لرئيس البرلمان النائب في حركة «أمل» علي حسن خليل قبل أن ينفصلا ويقوم كل منهما بالتفاوض على انفراد مع الرئيس المكلف الذي التقى أمس النائب خليل؟».

وتابعت المصادر: «هناك من يتهم ميقاتي بالتلكؤ ويبادر الى تزوير بعض الوقائع من المداولات الجارية في شأن تأليف الحكومة فيما سارع في الماضي الى رفض حكومة تكنوقراط وأخرى حكومة أمر واقع وإنما سياسية ووازنة يتمثل فيها جميع الأطراف في الأكثرية وأخيراً حكومة سياسية من 14 وزيراً على أن يصار في ضوء هذه التجربة الى توسيعها ضمن الأصول الدستورية».

وأضافت: «إن عون يرفض تسليم لائحة بأسماء وزرائه ويريد أن يحتكر التمثيل المسيحي لنفسه ويتعاطى مع بعض المكونات في الأكثرية الجديدة على أنها ملحقة به وهو يعرف قبل غيره أنها كانت وراء التحول الذي طرأ على ميزان القوى في البرلمان».

كما إن عون – بحسب هذه المصادر – يتحدث عن إنه يطمح الى تأليف حكومة متوازنة وهو يصر على أن يحجب التمثيل الوزاري عن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ويستكثر عليه وزارة المهجرين لوزير يسميه الرئيس وبالكاد وافق أخيراً على أن يتمثل بوزيرين ماروني وأرثوذكسي باعتبار أن المفاوضات أعادت تثبيت العميد المتقاعد في قوى الأمن الداخلي مروان شربل في وزارة الداخلية.

تثبيت الحقائب فقط

وكشفت المصادر أن مفاوضات الأسبوع الفائت أدت فقط الى تثبيت الحقائب وتوزيعها على الكتل النيابية من دون أن تكون مقرونة بأسماء من يشغلها، وعزت السبب الى امتناع عون عن تسليم لائحة بأسماء وزرائه ودعوة «حزب الله» بلسان حسين خليل الرئيس المكلف الى الصبر واعداً بأنه يسعى للحصول على اللائحة من «الجنرال» أسوة بوعد آخر قطعته الأكثرية الجديدة على نفسها ويقضي بإقناع رئيس الحزب الديموقراطي طلال ارسلان بأن يتمثل بوزير دولة فيما هو ما زال يهدد بحجب الثقة إذا لم تعط له حقيبة أساسية أو عادية مقرونة بوزير دولة، علماً أن ارسلان هو النائب الوحيد المنتمي الى الحزب الذي يتزعمه.

وتابعت هذه المصادر أن توزيع الحقائب قضى بأن يتمثل تكتل التغيير بـ 8 حقائب ووزيري دولة على أن توزع الحصة كالآتي: 6 وزراء للتيار الوطني واثنان لكل من تيار «المردة» وحزب الطاشناق.

مراوحة جديدة؟

وأكدت المصادر أن عون رفض أن تسند إليه وزارة الثقافة وأصر على استبدال حقيبة الاقتصاد بها، لكنه لم ينجح في تحقيق ما يصبو إليه بسبب دخول حلفائه على خط المشاورات والطلب منه التسليم بتوزيع الحقائب الذي اتفق عليه في إجماع بري – ميقاتي في حضور الخليلين.

واعتبرت أن بعض الأطراف في الأكثرية عاد الى اتباع سياسة المراوحة في مفاوضات التأليف في إشارة الى عون، وقالت إن لبنان يتصدر حالياً «قمة» الأزمات من تردي وضعه الاقتصادي الى تداعيات ما تشهده سورية حالياً من احتجاجات انتهاء بأزمة الشرق الأوسط وشهود الزور.

وسألت: «كيف نواجه كل هذه الأزمات التي يضاف إليها الاستنزاف الدائم للخزينة اللبنانية في مجال الطاقة وتغذية المناطق بالتيار الكهربائي خصوصاً أنها تتكبد خسائر سنوياً بقيمة «بليوني دولار؟».

وقالت: «كيف ينسجم هؤلاء أو بعضهم على الأقل في قولهم باستمرار أنهم يريدون توفير الحلول وتحصين الساحة الداخلية لمواجهة كل التحديات أكانت محلية أم خارجية فيما يمعنون في «ابتداع» الأفكار لإعاقة ولادة الحكومة ويسارعون الى إلقاء المسؤولية على عاتق الرئيس المكلف؟ وبالتالي هل كل هذا يشكل قناعة للبنانيين بأنهم يريدون الانتقال بالبلد تدريجاً الى بر الأمان أما انهم يقحمونه في مسلسل جديد من المراوحة ويواصلون البحث عن «ضحية» لتحميلها مسؤولية ما يقومون به؟».

تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود

وعليه لا بد من أن يتوضح في الساعات المقبلة – كما تقول المصادر المواكبة – المسار الذي ستبلغه المشاورات باعتبار أن «الانتظار في الهواء» يزيد من تفاقم الأزمات ولا يوفر الأجواء لتثبيت الاستقرار وحمايته، خصوصاً أن العوائق أصبحت معروفة في ضوء توصل الاتصالات الى حسم اسم المرشح السني السادس في الحكومة الذي يفترض أن يمثل المعارضة السنية وهو يلقى تأييداً من ميقاتي ورئيس الحكومة السابق عمر كرامي ولم يعد من مجال للانقلاب على التفاهم الذي أنجز في هذا الخصوص.

وتؤكد المصادر أن الخيط الأبيض سيتبين في الساعات المقبلة من الخيط الأسود في شأن المشاورات وبالتالي فإن أي حركة سياسية من دون بركة ستدفع البلد الى حافة «الانتظار القاتل» المفتوح على كل الاحتمالات فيما تنشط الجهود لاستيعاب «سوء التفاهم» الذي برز أخيراً بين بري وميقاتي في الموقف من الجلسة النيابية التشريعية المقررة بعد غد الأربعاء في ظل الاختلاف على جدول أعمالها الذي يضم 49 بنداً أبرزها إدخال تعديل على قانون النقد والتسليف الخاص بمصرف لبنان المركزي يجيز التمديد للحاكم ونوابه الى حين تعيين خلف لهم.

أين يكمن سوء التفاهم؟

الى ذلك تضاربت المواقف في تحديد أو شرح الأسباب الكامنة وراء «سوء التفاهم» الطارئ بين بري وميقاتي حول الجلسة النيابية، مع إن مصادر في الأكثرية الجديدة تسعى للتقليل منه وتراهن على قدرة المعنيين على تجاوزه بأقل الأضرار السياسية.

وأدى «سوء التفاهم» الى تعليق اجتماع كان مقرراً الجمعة الماضي بين بري وميقاتي بذريعة أن الأول اضطر للتوجه الى مصيلح (قضاء النبطية) إضافة الى تخلف النائب خليل عن الاجتماع الذي عقد بين ميقاتي وحسين خليل.

ولفتت المصادر الى أن ميقاتي كان يميل الى حضور الجلسة النيابية على أساس أن تقتصر أعمالها على التمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وان جنبلاط يؤيد انعقادها لكنه عدل عن موقفه بعد أن وزعت دوائر المجلس جدول أعمال من 49 بنداً.

وأضافت: إن ميقاتي كان على تواصل مع بري في هذا الخصوص وإن الرئيس الجميل لم يكن بعيداً عن الموقف المشترك للرئيس المكلف وجنبلاط وهذا ما صرح به في العلن.

وتابعت إن ميقاتي مع انعقاد الجلسة لسبب طارئ واضطراري يتعلق بالتمديد لسلامة وهذا ما باح به لبري في اجتماعهما الأخير متمنياً عليه تأخير موعد انعقاد الجلسة لأيام عدة لأنه بذلك يسمح بإعطاء فرصة أمام إنجاح الجهود لتشكيل الحكومة وبالتالي تنتفي الحاجة للتمديد لأنه في مقدور هذه الحكومة التجديد له فور نيلها ثقة المجلس.

كما أن تأخير موعد انعقاد الجلسة الى الأسبوع المقبل يمكن أن يسمح، حتى في حال تأخر ولادة الحكومة، بتعزيز التوافق على التمديد لسلامة باعتبار أن البلد قائم على التوازنات وهو في غنى في الوقت الحاضر عن إقحامه في شرح جديد.

ورأت المصادر إن موقف ميقاتي لا يشكل اعتراضاً على دعوة بري الى عقد جلسة في ظل حكومة تصريف أعمال. فهذا من حقه ومن غير الجائز أن يفهم موقفه وزميليه الوزير محمد الصفدي والنائب أحمد كرامي وكأنه موجه ضده، مشيرة الى أن الرئيس المكلف يعتبر أن المجلس النيابي سيد نفسه لكنه يتحفظ عن جدول أعمال من 49 بنداً حتى لا يفسر قبوله له بأنه قبول بواقع عدم تشكيل الحكومة والاستعاضة عن ذلك بجلسات تشريعية فيما المطلوب هو دعم تشكيل الحكومة وقيام المؤسسات الدستورية بدورها بدلاً من خلق أعراف وسوابق.

وأوضحت أن ميقاتي، وربما لهذا السبب، قد لا يشارك في جلسة التمديد لسلامة لكنه يشجع زميليه الصفدي وكرامي على حضورها إضافة الى أن الرئيس المكلف، بموقفه هذا، قطع الطريق على انضمام المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في اجتماعه أول من أمس برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية الى الداعين الى مقاطعة الجلسة النيابية وهو استجاب لطلبه وتجنب في بيانه الإشارة الى هذا الموضوع.

كلام «كبير» لبري الأربعاء

وإذ تؤكد المصادر عدم وجود رغبة لدى الرئيس المكلف في الدخول في تحدٍ مع بري الذي يبذل كل جهد لتسريع تأليف الحكومة. فإن جهات نيابية استغربت موقف الأول بذريعة أن بري لا يريد إحراجه وأن من يقترح جدول أعمال من 49 بنداً لا يريد الانجرار الى اشتباك سياسي مع أحد ولكان حصر جدول أعمالها ببند التمديد لسلامة لكنه أراد من موقفه هذا، الضغط على الحلفاء قبل الآخرين لتسهيل ولادة الحكومة إضافة الى الاحتفاظ بحقه في توجيه الدعوة تلو الأخرى لعقد الجلسة مراهناً بذلك على انتفاء الحاجة إليها في حال نجحت المساعي في تأليفها.

وتضيف إن بري لا يريد أن ينقل أزمة التأليف الى داخل الجلسة وهو لذلك اقترح جدول أعمالها لتأخير انعقادها فيما نقل عنه عدد من النواب قوله: «أنا لا أعمل شيئاً لنفسي، والجميع يدرك الوضع المزري الذي وصل إليه الوضع الاقتصادي في البلد وبالتالي لا بد من تدارك الوصول الى ما هو أسوأ ولنبدأ أولاً بتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان».

وينقل النواب عن بري قوله أيضاً: «لو لم أكن حريصاً على البلد وصون اقتصاده وعدم الإقدام على أي موقف يمكن فهمه على حقيقته لوافقت على ما ينص عليه النظام الداخلي لمصرف لبنان لجهة قيام النائب الأول لحاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين – وهو شيعي – بمهماته بالوكالة عنه وهو أهل لذلك».

ويؤكد النواب أن بري مصرّ على موقفه، ومن لا يريد انعقاد الجلسة فهو حر لكنه لن يتراجع قيد أنملة، وجدول الأعمال سيبقى على حاله من 49 بنداً زائداً حبة. ويضيف هؤلاء إن بري اقترح على أعضاء هيئة المكتب جدول الأعمال الذي وزعته الأمانة العامة للمجلس لكن أكثرية الأعضاء رفضوا مناقشته وحتى الإطلاع على ما يتضمنه.

وفي شأن موقف بري من التعليقات حول الجلسة. أكد النواب أنه سيقول الأربعاء (بعد غد) كل شيء وأن الجميع سيسمع منه كلاماً «كبيراً» يتناول فيه كل القضايا المطروحة.

السابق
لدغته الثعابين
التالي
الحياة: حزب الله جهود التشكيل تتقدم رغم الضغوط الأميركية