آل ميقاتي: الشقيقة تبلَع طُعمَ الشقيقين!

يُدرك الرئيس السوري بشار الأسد، وهو المتخرّج من أهم جامعات الطب في لندن، أن استقرار حالة المريض، ولو كان في مرحلة الخطر، يُعَد أمرا إيجابيا يمكن اعتماده كمؤشر أوّلي على إمكانية تعافيه.

ويدرك ايضا، وهو العاشق لعقد المقارنات، ان ما يصحّ في العلوم يَصح في السياسة، وما ينطبق على البشر ينطبق على أنظمتهم السياسية.

انطلاقا من ذلك، باتَ الرجل مقتنعا، ومن منطلق عَقلي لا عاطفي، بأن عجز التظاهرات المعارضة له عن رفع مستوى المشاركة الشعبية فيها منذ أسبوعين تقريبا، وعجزها عن القيام بأيّ تحركات جديّة في دمشق، يؤشران على ان حالة النظام، وبعد التدهور الدراماتيكي الذي عرفته في البداية، دخلت الآن في مرحلة الاستقرار. وبالتالي، فإنّ فرصة الخروج من مرحلة الخطر الى مرحلة التعافي، باتت مواتية اكثر من اي وقت مضى.

وبما ان "الضربة التي لا تقتل تعلّم"، فإن النظام السوري، فيما لو عاش، وهو على الأرجح سيفعل، سيكون حريصا على التعلّم مما حدث، وعلى ألاّ "يعيش ويأكل غيرها"، والـ "ها" مَنسوبة هنا الى مؤامرة رباعية معقدة يعتقد النظام انه تعرّض لها، ولم تكن الولايات المتحدة والسعودية سوى واجهتها الأمامية، بينما مَثّلت قطر وتركيا قوّة دَفعها الخلفية والحقيقية.

ولهذه المؤامرة في قناعة دمشق، وكما هي العادة، شِقّ لبناني أساسي سيكون، بحُكم العادة ايضا، أوّل وأسهل ما سَتعمَل على التعاطي معه، وهو يتمثّل في "ضَرب" التأليف والتكليف "المُبكّل" الذي تعترف دوائر القرار في قصر الشعب بأنها "أكلَته".

ففي الخامس والعشرين من كانون الثاني، وبالتزامُن، غير البريء ربما، مع بدء الأحداث في مصر، وقف الوزير السابق وئام وهّاب ليعلن للجماهير أنّ وصول نجيب ميقاتي الى رئاسة الحكومة هو انتصار ابيض للـ "ثورة اللبنانية" على إقطاع آل الحريري، فما كان مِمّن سَمعوه في واشنطن، إلاّ أن ضحكوا في سِرّهم، بعدما تيقّنوا أن سوريا قد بَلعَت الطعم هذه المرة، وأنها، وهي الغارقة في عَسل شعارات وليد المعلم عن استحالة وصول رياح الثورة الى الشام، لا تعرف ماذا يحضّر لها.

قبلت دمشق، ومعها حزب الله، بنجيب ميقاتي، باعتباره حَلاّ سِحريا للمعضلة الداخلية والخارجية التي يواجهها وصول مرشّحها المفضّل

(الرئيس عمر كرامي) الى السراي. ففي الداخل، كانت الرغبة في كسب قطبَي اللقاء الطرابلسي (الصفدي وميقاتي)، فضلا عن العجز المشكوك فيه لرئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط في تأمين أصوات كتلته سببا رئيسيا لِنَعي ترشيح "عمر أفندي" بطريقة بدأت وكأنها نَعي له، كما عَبّر هو شخصيا، خصوصا ان جنبلاط أبلغ "خليلا" المعارضة أنّ تسمية رئيس الحكومة التي استشهد في عهدها الرئيس الحريري، سيكون أمرا بالغ الصعوبة عليه، ومستحيلا على عدد آخر من نوّاب كتلته، بينما تسمية ميقاتي، وهو حليف تيّار المستقبل في الانتخابات النيابية الماضية، ستريح الجميع. فيما أدّت النصيحة القطرية التركية التي حملها وزيرا خارجية البلدين الى الأسد، الدور الرئيس في إقناع دمشق بالفوائد الخارجية لترشيح ميقاتي، لأنه، وبما له من حضور سنّي أثبتته الانتخابات وعلاقات مقبولة مع السعودية، قادر على أن يكون المرشح الوحيد، ربما، التي ترضى عنه الرياض، ولو على مَضَض، ولا تقلق منه دمشق، خصوصا في ظلّ الصداقة الشخصية التي تربطه بالقيادة السورية.

ظنّت دمشق أن القدر هَداها، بَعد صَبر السنين، الى الزعيم السني البديل الذي طال انتظاره، فاستدعي طه ميقاتي (شقيق الرئيس المكلف) الى قصر الشعب، وأبلغ بأن سوريا وحلفاءها قرروا ترشيح شقيقه الى منصب رئاسة الحكومة، في مقابل تعهّده بأن يتضمن البيان الوزاري لحكومته إلغاءا للبروتوكول الموقّع مع المحكمة الدولية، وسَحبا للقضاة اللبنانيين من لاهاي. فما كان من الرجل إلاّ ان تعهّد، نيابة عن شقيقه، بأن يكون هذا الأمر أوّل بند في البيان الوزاري العتيد.

على هذا الأساس، كلّفت الأكثرية الجديدة ميقاتي، مستعجلة الاستنتاج بأنها وجّهت بهذا التكليف ضربة قاضية لتيّار المستقبل، ليتبين لها سريعا بأنّ ما تَمّ تسريبه، فور إسقاط الحكومة، مِن كلام مَفاده ان إبعاد الحريري عن السلطة كان في الأساس قرارا سعوديا أميركيا استدرجت اليه دمشق ومعها طهران، كما استدرجت لاحقا الى قرار تسمية ميقاتي، قد لا يكون مجرّد تحليلات للمؤمنين بنظرية المؤامرة، وأنّ سياسة القبول والرفض المستفزّة التي مارسها رئيس حكومة تصريف الأعمال بشأن بنود التسوية السياسية، والتي كانت سببا رئيسا للتصعيد ضِدّه، قد لا تكون من بَنات أفكاره.

وقد وصلت الى حارة حريك ودمشق، بعد فوات الأوان، معلومات تؤكد ان خطة خارجية مركّبة وضعت مطلع العام الحالي، وكان هدفها إبعاد الحريري عن دائرة القرار في هذه المرحلة الحرجة، مَنعا لحَرقه سياسيا، (تعتبر دمشق هذا دليلا إضافيا على معرفة خارجية مُسبقة بالتحركات التي شهدتها)، وتحويل الفراغ الحكومي من مطلب لحزب الله الى عِبء عليه، عندما يتفاجأ بأنه لا يملك قرار مَلئِه ساعة يشاء.

وقد كان اكثر تلك المعلومات استفزازا، خصوصا للسوريين، ما هو متعلق بالاجتماع الذي عقد في لندن بين السفير الأميركي الأسبَق في لبنان جيفري فيلتمان وشقيق رئيس الحكومة المكلّف طه ميقاتي، قبَيل عملية التكليف، والذي حَضرَه ممثّل عن الرئيس سعد الحريري وابلغ خلاله ميقاتي بأن واشنطن ستعمل على تسويق ترشيح شقيقه لدى السوريين، من خلال أنقرة والدوحة، في مقابل تعهّده بمسألتين: الأولى، المماطلة بتأليف الحكومة الى حين تَلقّيه الضوء الأخضر منها، والثانية، التعهّد بأنّ بيان التأليف لن يتضمن أي بند يلغي التعاون مع المحكمة الدولية، أو يُشَرعِن عَمل المقاومة. وقد وافق ميقاتي على التعهد بذلك، بنفس السرعة التي وافق فيها على التعهد بعَكسِه أمام الأسد.

خلاصة الكلام ان الشقيقين ميقاتي مارسا مع "الشقيقة" أبغض الألعاب على قلبها، وهي لعبة الحَبلَين. ومِثلهما فعل جنبلاط الذي باتت دمشق مقتنعة بأنه تعمّدَ استدراجها للخيار الخاطىء، وأنّ ما ذكره من أن الملك السعودي أبلغه بأنّ اتصالاته الهاتفية لم يعد مرحّبا بها، ليس سوى كلام استعراضي يمكن وَضعه في خانة "كادَ المُريب ان يقول خذوني".

واذا كانت سوريا لا زالت تنظر الى رئيس اللقاء الديمقراطي على انه شَرّ لا بُدّ منه، وبالتالي ستكتفي حاليّا بتثبيت وضعيته في خانة "المشتبه فيه"، فإن تعاطيها مع الأخوين ميقاتي سيكون مختلفا. وعلى الأرجح، فإن سياسة نَبش الملفّات – القديم منها والجديد – (وتحديدا في مجال الأعمال)، والتي سيتولاّها متخصصون في الحرب الكلامية من وزن وئام وهّاب وناصر قنديل، لن تكون سوى دفعة أولى على الحساب السوري العَسير مع طه ونجيب.

السابق
نزهة على أسفلت أخضر في ساسين اليوم
التالي
خلـي سيارتـك بالبيـت ولحقنـا بالبيسكليـت