اللواء: بري يصعّد بوجه الحريري

حملت الوقائع التي ضجت بها ساحة النجمة، امس، الكثير من المؤشرات والرسائل السياسية والنيابية، للشكل الذي قد تؤول اليه الصورة داخل مجلس النواب وخارجه، على خلفية السجالات السياسية المستمرة، والجدل النيابي، سواء في ما يتعلق بمصير الجلسة التشريعية التي دعا اليها رئيس المجلس نبيه بري في الثامن من حزيران الجاري، في ظل الانقسام الواضح بين فريقي 8 و14 آذار على مشروعية عقدها في ظل حكومة تصريف الاعمال، والعقد الاستثنائي بدءا من اول حزيران، وتجاوز الصلاحيات الدستورية، او الملفات الخلافية، سواء على صعيد تشكيل الحكومة الجديدة، او ما حصل في موضوع <الاتصالات> والذهاب بعيداً في التصادم بين الفريقين الى حد المطالبة بمحاكمات متبادلة، رغم ان القضاء لم يتحرك حتى الساعة، في ظل رغبة رئاسية في طي هذا الملف لتجنيب البلد اقل خسائر ممكنة.

غير ان المواقف التي أطلقها الامين العام <لحزب الله> السيد حسن نصر الله، مساء امس، من موضوع الحكومة، اشاعت نوعاً من التفاؤل في امكانية العثور على مقاربة جديدة لتأليف الحكومة، يمكن ان تظهر في غضون الاسبوع او الايام العشرة المقبلة، في حين اعتبرت اوساط الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ان التوصيف الذي اعطاه نصر الله عن انعكاسات التأخير في التأليف تلتقي عليه كل القيادات التي يفترض ان تترجم مواقفها بخطوات عملية تسهل التأليف.

ورغم انه لم يسجل اي تحرك على هذا الصعيد، فإن الاوساط المواكبة للاتصالات الحكومية اشارت الى معطيات داخلية وخارجية طرأت اخيراً من شأنها تحريك الجمود المستحكم بالملف منذ اكثر من اسبوعين، رغم الحراك الذي قاده الخليلان في اليومين الماضيين والذي عكس توجهاً من قبل قيادة <حزب الله> والرئيس بري لمساعدة الرئيس المكلف، وهو ما كرره السيد نصر الله في كلمته في احتفال السفارة الايرانية بذكرى رحيل الإمام الخميني، حيث اكد ان تشكيل الحكومة مصلحة وطنية وليس حزبية ونقدمها على اي اعتبار، مشيراً الى ان المساعي قائمة ومستمرة واستؤنفت بفعالية جيدة، ولن تهدأ حتى الوصول الى نتيجة، آملاً ان تدفع التطورات الاخيرة الجميع الى التعاون والتكامل لحسم هذا الامر الذي ينتظره اللبنانيون>.

نصر الله وقال انه ينبغي على القيادات السياسية في لبنان ان تدرك جيداً انها تتحمل مسؤولية تاريخية، ومن الخطأ التعامل مع الاوضاع في لبنان بمعزل عن اوضاع المنطقة، مع العلم ان ما يجري حولنا خطير جداً، لذلك عندما نقارب الملفات لا يجوز ان يغيب عن عيوننا ما يجري في المنطقة، مشدداً على انه من اوجب الواجبات الحفاظ على مؤسسات الدولة وبنيها بمعزل عن واقعها المتعثر هنا او المرتبك هناك، وكل مؤسسة من مؤسسات الدولة يجب ان تعمل على الحفاظ على تماسكها وخصوصاً المؤسسة الامنية، بالاخص الجيش لان هذا يحافظ على وحدة البلد وامنه.

ولاحظت مصادر مطلعة ان نصر الله تجنب الاشارة الى الضغوطات الخارجية التي كان قد حملها في خطابه في عيد التحرير مسؤولية عرقلة تأليف الحكومة، لئلا يغضب الرئيس ميقاتي، او تكرار ما قاله ايضاً من انه لا يضغط على حلفائه، في اشارة الى النائب ميشال عون، لكنه غمز (بمحبة) إلى النائب وليد جنبلاط من دون أن يسميه، والذي كان حمّل الأكثرية الجديدة مسؤولية <عدم إكمال المشوار> في تأليف الحكومة، فقال: <نحن كجزء من الأكثرية الجديدة نعرف الصعوبات ونتفهم مخاوف وقلق بعض الحلفاء والأصدقاء، ولسنا في وارد توزيع المسؤوليات، وأولويتنا مواصلة العمل والتعامل مع الجميع ومساعدة ميقاتي بتشكيل الحكومة، مشيراً إلى أن <أي انفعال منا أو سلوك يؤذي هذه المساعي لن نقدم عليه>.

جنبلاط وكانت مصادر المعلومات قد التقت عند خلاصة تفيد أن النائب جنبلاط يمهد لمغادرة موقعه الجديد في قوى 8 آذار، ولبناء تحالف مع رئيس الجمهورية والرئيس ميقاتي، مشيرة إلى أن بعض مكونات الأكثرية الجديدة بدأت تبني حساباتها على أن جنبلاط لم يعد في عداد هذه الأكثرية.

واعتبرت أوساط مطلعة أن زيارة جنبلاط الى كل من الرئيس سليم الحص والنائب تمام سلام في شكلها وتوقيتها تأتي في إطار توسيع قاعدة دعم الرئيس ميقاتي في مهمته بين قيادات الطائفة السنية من جهة، وفي إطار إعادة تواصل رئيس جبهة النظال الوطني مع هذه القيادات.

وألمحت إلى أن خطوة جنبلاط الأولى على هذا الصعيد قد تكون من خلال امتناعه عن حضور الجلسة التشريعية في الأسبوع المقبل، تضامناً مع موقف الرئيس ميقاتي، الذي كشفت أوساطه بأنه يميل أيضاً الىعدم الحضور حتى لا يساهم في تهشيم موقع رئاسة الحكومة، خصوصاً وأنه ما يزال يتمسك بصلاحياته من مسألة تأليف الحكومة، ووضعها في أولويات عمله.

نصاب الجلسة واستبعدت المصادر، في ظل هذه الترجيحات، إمكانية نجاح الرئيس بري في تأمين نصاب الجلسة الذي وزّع جدول أعمالها المتضمن 49 بنداً، بالرغم من رفض هيئة مكتب المجلس وضع مثل هذا الجدول لجلسة غير شرعية، بأغلبية خمسة أصوات من أصل سبعة، وأبرز بنوده اقتراح معجل مكرر للتمديد لحاكم مصرف لبنان ونوابه بعد انتهاء ولايتهم إلى حين تعيين حاكم ونواب جدد، وآخر معجل مكرر للعفو عن بعض الجرائم ا لمرتكبة قبل 31/12/2010، واقتراح بتخفيض السنة السجنية، واقتراح معجل مقدم من النائب عون لإقرار قانون برامج لأشغال كهربائية لإنتاج 700 ميغاوات يكلف الخزينة ملايين الدولارات، بالإضافة الى مشاريع إجازات حكومية.

وأكدت مصادر نيابية في 14 آذار بأن هناك استحالة لعقد الجلسة في هذه الظروف وأن دخول بري في تحدي حولها سيؤدي إلى المزيد من ازدياد الشرخ السياسي.

وكشفت أن قيادات 14 آذار اتخذت قراراً الليلة الماضية بعدم حضور الجلسة، خاصة بعدما حصل في اجتماع هيئة مكتب المجلس، والذي وصفته المصادر بأنه كان <مهزلة> وبدعة غير مسبوقة من رئيس المجلس، وتجاوزاً لصلاحية هيئة المكتب الذي ينص النظام الداخلي على صلاحياتها بوضع جدول الأعمال، علماً أن الدعوة التي كان الرئيس بري قد وجهها قبل أيام لعقد الجلسة كانت قد لحظت ان جدول اعمالها يضعها هيئة المكتب.

تحدي ولاحظت المصادر ان الرئيس بري كان مصمما كما يبدو على تحدي الرئيس سعد الحريري، الذي تحدثت بعض المعلومات عن امكان عودته الى بيروت اليوم، بدليل انه استبق اجتماع هيئة المكتب بالتأكيد على اصراره على الدعوة التي وجهها وانه في حال عدم تأمين النصاب سيدعو الى جلسة ثانية وثالثة ورابعة.

وقالت هذه المصادر ان الموضوع لم يعد نصاب او غير نصاب الجلسة، بل الخوف من تدمير مؤسسة دستورية واخذ البلد الى المزيد من الإنقسام الحاد.

ولفتت الى ان المجلس منعقد حكماً وفقا للمادة 69 من الدستور في دورة استثنائية بسبب استقالة الحكومة، وبهدف مناقشة البيان الوزاري ومنح الثقة للحكومة، وبالتالي فإنه لا يجوز للمجلس في ظل هذه الدورة التشريعية، الا اذا فتحت دورة استثنائية بموجب مرسوم يوقعه رئيسا الجمهورية والحكومة اللذان يضعا جدول اعمالها، وهذا الامر غير متيسر بسبب استقالة الحكومة، وفي كلتا الحالتين، فإن هناك اعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المتمثل بوضع جدول اعمال الدورة الاستثنائية.

كونيللي وبري اما على جبهة الرئيس بري، فقد كان اللافت استقباله امس السفيرة الاميركية مورا كونيللي، رغم انه كان قد رفض استقبال مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط جيفري فيلتمان اثناء زيارته الاخيرة للبنان.

وقالت مصادر نيابية، ان كونيللي التي قال بيان للسفارة الاميركية انها اعادت معه التأكيد على موقف الولايات المتحدة بأن الولايات المتحدة سوف تقيم علاقتها مع اي حكومة جديدة في لبنان على اساس تركيبة مجلس الوزراء المقبل والبيان الوزاري والاجراءات التي ستتخذها الحكومة الجديدة في ما يتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان، اثارت مع الرئيس بري موضوع الجلسة النيابية، وكذلك موضوع التظاهرة الفلسطينية يوم الاحد المقبل في اتجاه الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، مشيرة، في ما يشبه التحذير، الى ضرورة التزام لبنان بالقرار 1701، لجهة منع وصول التظاهرات الى الشريط الشائك في الجنوب، وبالتالي حصول صدامات على غرار ما حصل في ذكرى النكبة في 15 ايار الماضي.

وكشفت مصادر مطلعة ان الجهات المعنية بتأليف الحكومة تبلغت بأن الاميركيين وضعوا <فيتو> على 4 حقائب هي الداخلية والدفاع والعدلية والاتصالات، لا يجب ان تسند الى شخصيات من الاكثرية الجديدة او الذين يدورون في فلكها.

المراسيم الجوالة الى ذلك، اوضحت المصادر ان رئيس الجمهورية ميشال سليمان يؤيد إعداد مرسوم جوال واحد، اذا أسودت الأمور فيما يتعلق بقضية التجديد لحاكم مصرف لبنان، مشيرة إلى ان هذا الموضوع سبق تداوله مع الرئيس سليمان في سياق الحلول المطروحة لهذا الموضوع، لكنه اشترط أن يكون هناك مرسوم واحد يمكن اللجوء إليه قبل انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي في 30 تموز المقبل، وفي حال لم تتمكن الاتصالات من تشكيل الحكومة حتى هذا التاريخ، لافتاً نظر المتصلين به إن موضوع المراسيم الجوالة كان لجأ إليه الرئيس السابق أمين الجميل، بسبب الظروف الأمنية والاستثنائية، إلا انه في ذلك الوقت كانت هناك حكومة قائمة، وكان هناك خلاف بين الرئيس الجميل والرئيس الشهيد رشيد كرامي، لكنه لا يجوز في ظل الأحوال الراهنة اللجوء إلى مثل هذه المراسيم، لأن ذلك يعني ان ثمة خلافاً بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وهذا وضع غير صحيح، كما ان ذلك من شأنه أن يعطي صورة ليست مريحة في لبنان والخارج.

وأبلغ متصليه يومذاك انه اذا ساءت الأحوال وفي أسوأ الظروف يمكن أن نلجأ إلى اعداد مرسوم واحد يكون لتمديد ولاية حاكم مصرف لبنان، ولكن شريطة توقيعه من قبل 20 وزيراً على الأقل.

السابق
سببان للكلام عن الطائف
التالي
صراع المشاريع الأجنبية على الأرض العربي