اللواء: سليمان لإحالة الملف إلى النيابة العامة

الدولة. وهو الى جانب كل هذه المعاني، اثار موجة ذعر لدى المواطنين الذين شعروا كأن البلاد عادت الى مرحلة خطوط التماس والمتاريس المتواجهة على خطي المواجهة السياسية.
ويتساءل المواطنون عن الابعاد الحقيقية للمواجهة غير المسبوقة التي حصلت امس في مقر مؤسسة رسمية بين وزير ومديرها العام وقوى الامن الداخلي يفترض ان يكونوا جميعاً معنيين بالحفاظ على سلامة المؤسسة، وعلى صون الخدمات التي تقدمها للمواطنين، بعيداً عن الانقسامات السياسية، او المبارزات الشخصية.

ويتساءل المواطنون ايضاً عمن يحاول فرط عقد الدولة، ونسف التعايش الوطني في هذه المرحلة التي تعيش فيها البلاد فراغاً سياسياً ودستورياً ووطنياً، في ظل العجز المستمر عن تشكيل حكومة جديدة، وانقطاع سبل الحوار والتواصل، ليس بين الاكثرية والاقلية فحسب، بل حتى بين اطراف الاكثرية نفسها.

وساد شعور لدى الناس، بالامس، ان ثمة من يحاول ان يلعب دور بطولات وهمية بمواقف من شأنها صب الزيت على النار، بدل العمل على لملمة الوضع والحؤول دون وصوله الى نقطة الانفجار الذي ستصيب شظاياه كل الاطراف، خصوصاً وان المسؤولين الكبار كانوا في غنى عن الدخول في متاهات اعلان تنحيهم عن المسؤولية في هذه الظروف الدقيقة، طالما ان الحكومة مستقيلة وتصرف الاعمال، او التلويح بإحالة الازمة الى القضاء الذي لا يستطيع حتماً ان يكون طرفاً في صراع هو في حقيقته سياسي بإمتياز.

وبانتظار ما ستسفر عنه تداعيات هذه الازمة، برزت من جديد ضرورة عودة رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري من الخارج، حتى تستطيع الحكومة المستقيلة ان تقوم بمهام تصريف الاعمال ولو بالحد الادنى، حتى لو اقتضى الامر عقد اجتماع طارئ لبت عدد من القضايا والملفات الهامة، والتي ينعكس تأخيرها على الاوضاع العامة ويزيدها تفاقماً، بدءاً من تفاعلات الحادث الذي وقع امس في مؤسسة اوجيرو، وصولاً الى بت مسألة التجديد لحاكم مصرف لبنان، علماً ان هذا الحادث رفع من منسوب القلق من إمكان أن يفتح نافذة على خلافات طائفية ومذهبية كانت تطرح في الكواليس ولا تظهر علناً الا من قبيل تبادل الاتهامات، خصوصاً بعد السجالات الأخيرة بين دار الفتوى ورئيس تكتل <الاصلاح والتغيير> العماد ميشال عون، على خلفية ما اوردته وثائق <ويكيليكس> من كلام طائفي منسوب إلى عون عن الطائفة السنية اثار ردود فعل مرشحة للاتساع سياسياً وشعبياً.

وبمعزل عن تفاصيل ما حدث وحيثياته ووقائعه، فقد بدا واضحاً أن الأمور تتجه نحو <خندقة> سياسية، بين تيّار <المستقبل> من جهة، وتكتل عون الذي سيعقد اجتماعاً طارئاً قبل ظهر اليوم لاعلان موقف تضامني مع الوزير شربل نحاس، فيما كان للرئيس الحريري موقف مؤيد لوجهة نظر المدير العام لهيئة <اوجيرو> المهندس عبد المنعم يوسف الذي اتهمه بمحاولة وضع يده على الشبكة الثالثة للاتصالات واخراجها من عهدة الشرعية من دون اي مسوغ قانوني.

وأفاد المكتب الإعلامي للرئيس الحريري انه أجرى طوال أمس اتصالات مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان ووزير الداخلية زياد بارود والجهات الأمنية والقضائية والعسكرية المختصة لمتابعة القضية. وأكّد الرئيس الحريري أن لا مانع من قيام القضاء المختص بوضع يده على هذه القضية، على قاعدة تحديد أسباب تجاوز وزير الاتصالات لقرارات مجلس الوزراء، وتحديد الجهة التي يريد الوزير نحاس تسليمها شبكة الاتصالات الثالثة خارج اطار سيطرة الدولة اللبنانية ومعرفتها.

اما الرئيس سليمان، فقد أفاد مكتبه الإعلامي انه أجرى اتصالاً بوزير العدل إبراهيم نجار وتشاور معه في إمكان وضع النيابة العامة التمييزية يدها على القضية التي حصلت أمس، والمتعلقة بعدم تنفيذ قوى الأمن الداخلي بقرار وزير الداخلية القاضي بسحب عناصر قوى الأمن الموجودة في مبنى وزارة الاتصالات.

وقالت مصادر رسمية أن الرئيس سليمان طلب من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي، الذي ارتفعت صوره في طرابلس تأييداً لموقفه، أن يمتثل لطلب الوزير بارود بعدما درس القانون الذي ينص على أن المدير العام يجب أن يمتثل لقرارات الوزير خصوصاً في ظل حكومة تصريف الأعمال.

رواية ريفي ولم يشأ اللواء ريفي الرد على الموقف الذي اتخذه وزير الداخلية بإعلان تنحيه عن مهام تصريف الأعمال في الوزارة <لأنه لا يرغب في أن يكون شاهد زور امام انعدام لغة المنطق> مكتفياً بالقول انه يكن للوزير بارود كل محبة واحترام، لكننا في لحظات نجد انفسنا مضطرين الى ان نأخذ قرارات ثقيلة كوننا مسؤولين عن حماية الناس والمؤسسات>.

وروى ريفي لـ <اللواء> تفاصيل ما جرى، لافتاً النظر إلى مسألتين منفصلتين لكن تداعياتهما والظروف حتّمت أن تكون واحدة:

الأولى: مسألة الشبكة الثالثة، وكانت توافرت معلومات للمدير العام لأوجيرو عبد المنعم يوسف أن الوزير نحاس يريد تفكيك الهبة الصينية التي كان لبنان تسلمها في العام 2007، لمصلحة شركة بقصد عدم تشغيل أو إنشاء هذه الشبكة، واتخذ مجلس الوزراء في ذلك الحين قراراً كلّف بموجبه هيئة أوجيرو، وهي مؤسسة عامة مستقلة، حماية مؤقتة لمنشآت هذه الهبة.

وقال: أنا بموجب قانون قوى الأمن ملزم بتأمين المؤازرة لكل طلب سلطة وصاحب صلاحية، وأصبحت بالتالي مسؤولاً عن حماية منشآت هذه الهبة، طالما وافقت على الطلب الذي رفعه لي المدير يوسف، وأصبحت حماية مبنى <أوجيرو> ضمن واجباتي، ولهذا أرسلت نقطة حراسة، لكن وزير الاتصالات اعترض عبر كتاب أرسله عبر وزير الداخلية، وقد أجبته في حينه، وعبر كتاب رسمي أن لدي طلباً رسمياً موقعاً من يوسف، بكونه صاحب الصلاحية، بموجب قرار مجلس الوزراء وليس الوزير، وعلى هذا فأنا ما زلت مؤتمناً على حماية مؤسسة أوجيرو، الى أن يأتيني طلباً مخالفاً سواء من مجلس الوزراء أو من يوسف نفسه.

أما المسألة الثانية، فهي تتعلق بموضوع <داتا> الاتصالات التي أوقفها الوزير نحاس من تاريخ 26 الشهر الماضي، من دون أي تبرير أو أعذار، فحرمنا بذلك من التقدم في ملف حسّاس وجدّي وخطير يتعلق بخطف الأستونيين السبعة.

وقال اللواء ريفي إن الوزير نحاس بخطوته هذه حاول إغماض العين الثالثة في متابعة هذا الملف خصوصاً وأن الخاطفين قاموا في هذه الفترة بعمليات سلب وتنفيذ عملية اغتيال طالت الرقيب راشد صبري.

وأضاف: اشتكيت لكل السلطات من رئيس الجمهورية إلى الوزيربارود، لكن كل هذه الجهود لم تصل إلى نتيجة، وظهر بوضوح أن الأمن الوطني آخر همّه، وفي الحقيقة أنا لم أقتنع بوجهة نظره، وشعرت بأن ثمة جهة ما لا تريد لنا أن نتابع في ملف الأستونيين، رغم أننا وصلنا إلى مرحلة متقدمة جداً، ويجب أن توفّر لنا الدولة كل الامكانيات لنحمي البلد، خصوصاً وأن سمعة البلد على المحك، وهناك سبعة أجانب خُطفوا الأمر الذي ينعكس على البلد جميعاً.

وتابع: لقد سقط منا شهداء..وحماية الناس من مسؤوليتي، ومن الممكن أن يسقط شهداء، وأنا أحمّله (الوزير نحاس) المسؤولية إذا سقط لنا شهداء، خصوصاً ونحن في مرحلة كرّ وفرّ مع الخاطفين.

وقال: عندما يكون وزير قريب من جهة حزبية، وعندما يمنع جهازاً أمنياً من الوصول إلى <الداتا>، فيجب أن نقول من هو هذا الذي أوقف الداتا، وأنا أعرف لحساب من، وفي أي توقيت جاء، والذي ترافق مع إنجاز معيّن حصل في ملف الأستونيين.

الاتصالات في المقابل شرحت مصادر وزارة الاتصالات لـ <اللواء> بعض خلفيات وملابسات ما حصل امس، فأشارت الى ان ما اطلق شرارة الخلاف اقدام اللواء ريفي على طلب الى فرع المعلومات التمركز في مبنى وزارة الاتصالات في العدلية يوم الجمعة الفائت من دون اي مسوغ قانوني، في حين ان كتاب المدير العام لاوجيرو عبد المنعم يوسف الذي استند اليه ريفي لخطوته هذه، رفعه الى قوى الامن يوم السبت، اي بعد 24 ساعة من قرار ريفي تمركز عناصر المعلومات. وسألت: بأي صفة يخاطب مدير عام مديرا عاما آخر، متخطيا التسلسل الاداري والوظيفي، ويطلب اليه تحريك قوة ضاربة يتخطى افرادها الـ 400 مدججة بأسلحة حديثة، في حين ان مسؤولية حماية الابنية الحكومية تعود حصرا الى جهاز امن السفارات والذي يتحرك فقط بناء على طلب من الوزير؟

ولفتت الى ان مفارقة اخرى تمثلت بضبط بث شبكة خليوية مجهولة الهوية والمشغّل والمصدر تحت اسم OM اي اوجيرو موبايل، تدور شكوك حولها بانها تعمل منذ نحو عامين بطريقة ملتبسة، بلا اي مسوغ قانوني ومن دون علم وزارة الاتصالات، مما اثار الشك والريبة واوجب السؤال عنه تكرارا وصولا الى قرار وزير الاتصالات تفقد ما يحصل في مبنى تابع له اداريا وتملكه الوزارة لا اوجيرو او اي جهة اخرى، علما انه تبين ان متظومة الاتصالات الخلوية غير الشرعية تغطي حتى الساحل السوري، وان مستخدميها مجهولون تماما.

وكشفت المصادر ان ثمة شبهات عن امكان وجود جهاز اعتراض مخابرات هاتفية متطور (تنصت) جرى وضعه في الخدمة حديثا بطريقة غير شرعية، وهو ما املى هذا التصرف الشرس لفرع المعلومات بحيث وصل الامر الى تلقيم السلاح بوجه الوزير والوفد المرافق، مما اضطره اللجوء الى المصعد الى حين تدخل احد الضباط وطلب من عناصر المعلومات <سحب الرصاص من بيت النار تفاديا لقتلنا جميعا>.

وسألت المصادر لماذا تلكأت وزارة الداخلية اكثر من عامين عن تسلم مركز اعتراض المخابرات الهاتفية الذي انشئ بقرار من مجلس الوزراء وبكلفة ناهزت الـ 20 مليون دولار؟ ولماذا لم تضع الوزارة المركز قيد الخدمة على رغم انها تسلمته قبل نحو 6 اشهر؟ وهل لهذا الامر علاقة برغبة جهاز معين التفلت من القيود الموضوعة في القانون رقم 140 التي تحدد حالات اعتراض المخابرات الهاتفية اداريا وقضائيا- وتمنع حصول اي جهاز على كل الداتا عن جميع اللبنانيين وفي كل الاوقات؟

وقالت المصادر ان اثارة الرماد والغبار حول موضوع الهبة الصينية المقدمة الى الدولة اللبنانية يرمي الى التغطية على فداحة ما حصل امس، اذ ان وزير الاتصالات بعدما وجد ان جزءا من معدات الهبة الصينية لا يزال متروكا في العلب، في حين ان الجزء الآخر جرى تشغيله تجريبيا واستنفد الغرض من ذلك، ارتأى ان يتم تحويل هذه المعدات الى شبكتي الخليوي MIC1 وMIC2 اللتين تملكهما الدولة ممثلة وزارة الاتصالات بغية تحسين ادائهما في ظل الانتقال الوشيك الى نظام الجيل الثالث 3G، وهذا عمل سيادي يعود امر بته الى الوزير الذي هو رأس الادارة وفق ما نص عليه اتفاق الطائف، وتاليا ليس من صلاحية موظف مهما بلغت رتبته مصادرة هذا الحق الدستوري للوزير وتجييره الى طرف آخر، علما ان الجهة الوحيدة الصالحة والمخولة محاسبة الوزير هي مجلس النواب.

الوضع الحكومي اللافت ان هذا الحادث أرخى بثقله على الوضع السياسي الفارغ اساساً، على الرغم من المواقف التي سجلت امس، وكان يمكن ان تأخذ اهتماما، خصوصا تلك المواقف المتقدمة التي اعلنها الرئيس فؤاد السنيورة، في اعقاب مواقف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في عيد التحرير، حيث اعلان ان الحزب ليس في وارد الضغط على احد من حلفائه، لتذليل عقبات التأليف التي عزاها الى وجود <شروط وضغوط اميركية وغربية على رئيس الجمهورية والرئيس المكلف نجيب ميقاتي معلناً في المقابل مواصلة بذل الجهود لتأليف الحكومة <عبر الخليلين والاخلاء>.

اما الرئيس السنيورة فقد لاحظ ان المقاومة عنوان وطني يمكن ان يجتمع اللبنانيين من حوله، لكن السلاح موضوع خلاف ما دام خارج سلطة الدولة، ولفت الى ان اسقاط حكومة الوحدة الوطنية جاء عبر قرار متسرع ومحاولة انقلاب بأساليب غير مستحبة، معتبرا ان الفريق الآخر لا يملك تصوراً كاملاً او خطة احتياط مما ادخل البلاد في مأزق.

وقال في كلمة له اثناء افتتاح منتدى الاقتصاد والاعمال، ان الفريق المسؤول عن شؤون البلد حالياً ما زال يتلكأ رغم ان الواقعية تستدعي العودة معا الى الدولة، طريق الخلاص، داعياً اللبنانيين الى وضع الخلافات على الطاولة لا على رؤوس الناس وتحميلهم ما لا طاقة لهم به>.

السابق
المستقبل: ‘بلطجة’ في وزارة الاتصالات.. و’البارود’ ينفجر
التالي
الاخبار: الحريري يطلب محاكمة نحّاس