سوريا:المؤامرة اختارت “الشعب الخطأ والبلد الخطأ”

مهما قيل، لا يمكن وصف الواقع السوري على ما هو عليه في هذه الظروف، حتى لو عايشناه أياما. فالتفاعل مع السوريين عن قرب وسماع آرائهم المتباينة يأسرانك ويضعانك في متن الاحداث، واحدا منهم لا مراقبا عن بعد، تارة تقنعك حجّة هذا، وطورا تتعاطف مع ذاك.

غريبة هي دولة العروبة والقومية في ظل الأحداث التي تشهدها، وهي تعي أن ما أصاب بنيانها، شكّل صفعة لنظامها كما لشعبها اللذين يحاولان فهم أسبابه ووضع آليات سياسية للتعامل معه، بعد مرحلة الثقة الزائدة التي عاشتها سوريا وامتدت على عشرات السنين.

والمفارقة أنه، بعد كل هذه الاحداث، تجد هذا الفصل داخل وجدان المواطن السوري، بين رئيسه وبين الطبقة الحاكمة، إذ إنّ غالبية مَن تحادثهم عن «أبي حافظ» تستشعر التأثر في عيونهم، بعكس ما تلمسه من ملامح لا تفسّر أحيانا عندما تتحدث عن النظام. والمشترك أن عددا من السوريين الذين ينتقدون النظام الأمني خصوصا، يرفضون المساس به وطعنه في كيانه، لما لهذا الأمر من تأثير في استقرار الوطن.

صحيح أن الحياة طبيعية نسبيا في دمشق، لكنّ السوريين يعيشون في الواقع والإحساس حالة حرب، ويدركون تماما أنّ ما حصل لن ينتهي بقرار إصلاح من هنا، أو حسم أمني من هناك. المسألة بحاجة إلى وقت، وإلى معالجات متنوّعة ومفصلية للخروج «التدريجي» من هذه الأحداث التي عصفت بالبلاد، كما أنّ المخاض الذي مرّت به سوريا في الشهرين الماضيين، لا بد من أنه سينعكس على سياستها الإقليمية كما الدولية، بعدما تبيّن بوضوح مَن وقف معها ومَن سارع إلى التكشير عن أنيابه للمساعدة على افتراسها، وخصوصا أولئك الذين عدّوا في ما مضى «أصدقاء».

أمّا في درعا، وما أدراك ما هي درعا، تدخلها كأنّك تبحث في كل زاوية من زواياها عمّا كنت تسمعه في الإعلام الموالي والمناوئ. وسرعان ما تتبادر إلى ذهنك صور مشابهة لأماكن نائية في لبنان تعيش الظروف نفسها، لكنّ الفرق أنّ درعا تضم مروحة كبيرة من المسؤولين في الدولة يتبوأون مناصب عالية. وهي نسبيا لا تعيش حرمانا مشابها لعكّار أو للمناطق الحدودية اللبنانية النائية. فالمحافظة تحصل على حقوقها من خدمات ومتطلبات كما المدينة.

درعا اليوم خرجت من العناية الفائقة، وانتقلت إلى مرحلة المعالجة في أولى خطوات الشفاء ممّا أصابها من جروح وتشوّهات. القوّات المسلّحة تمسك بكل مفاصلها، وتؤكد مصادر أمنية أن التعامل مع الاهالي يتم بدقة ورويّة، لأنّ الدماء لم تبرد بعد، والسلطات المعنية تتفهم مدى غضب الأهالي.

ليست كلّ التحركات مدسوسة

وفي سرد بانورامي ومعلوماتي للتطورات وخلفية الأحداث، يقول مصدر أمني رفيع لـ»الجمهورية»: إنّ القيادة تدرك أن تحركات الشارع السوري لم تكن كلها مدسوسة، فهناك بالفعل مَن نزل إلى الشارع احتجاجا على ممارسات النظام وطلبا لخطوات إصلاحية، لكنّه ضُلِّل من خلال مجموعات استغلّت وتر الثورات وتحرّكت على أساس أنها الشعب، لعبت بعواطف الناس وخصوصا الجبل السوري الذي ينشد الإصلاح وجرّتهم معها بمواكبة إعلامية مضلّلة.

ويضيف المصدر: خلال الأسبوعين الأولين من الأحداث، نزل الأمن السوري إلى الشارع من دون سلاح، والكلّ يشهد على هذا الأمر. حتى الفضائيات المتواطئة نقلت هذا الواقع، لكن عندما بدأ إطلاق النار على رجال الأمن والناس انكشفت الصورة، ولا سيما في درعا، حيث ساعد تطور الأحداث الدراماتيكية إلى كشف الكثير من الحقائق، بدأت عندما قامت السلطات بتعطيل أجهزة الهاتف الخلوي كإجراء احترازي أوّل تتخذه كل الدول في ظروف كهذه، لكنّها اكتشفت أنّ المجموعات التي تحركت كانت تملك هاتف «الثريا». ومن المعروف أنّ هذا النظام من الاتصالات مكلف جدا، إذ يبلغ ثمن الدقيقة الواحدة فيه عشرين ألف ليرة سوريّة، أي ما يعادل 40 دولارا. فهل يملك مَن ينادي بالإصلاح، هذه القدرات المالية؟ يسأل المصدر، مضيفا أن بعضهم أيضا استعمل الهواتف الخلوية الأردنية التي لا تدخل ضمن سيطرة أجهزة المراقبة السورية.

ويشرح المصدر أن هذه المجموعات عملت على فبركة الأفلام والصوَر، وقد تم توزيع المهمات عليها كخلايا صغيرة لا تعمل وفق مبدأ التنظيم الواحد، فلا أحد يعلم شيئا عن الآخر، وهي تتغذى ماديا ومعنويا من خارج الحدود، معظمها ذات عقائد سلفية أنشأت إمارات بهيكليات تنظيمية دقيقة، فكان لها، على سبيل المثال، وزراء للدفاع والمال وغيرها، ومنها مَن هو صاحب سوابق في جرائم السرقة وتعاطي المخدرات. قيل لهم: سنسقط ملاحقتكم وستكفّ السلطة الجديدة عن تعقبكم إذا ساعدتم على تغيير النظام في سوريا.

ويتابع المصدر: لقد حاولوا إثارة النعرات الطائفية وخصوصا بين السنّة والعلويين، وهناك أشرطة تثبت أن حواجز أقيمت في أماكن مختلفة مثل درعا وبانياس بغرض التصفية على الهوية، مؤكدا أن ما كشفته التحقيقات كبير وخطر جدا، وما شاهده الناس من اعترافات تعود لعناصر، لكنّ الرؤوس المدبّرة سنخرجها في الوقت المناسب مع تسجيلات «خُطَب» تعود لرجال دين وقفوا في المساجد في بداية الأحداث وحرّضوا، ولا سيّما أحمد الصياصنة إمام مسجد العمري في درعا الذي قال: «الأمن والجيش صهاينة، اقتلوهم، فإنّ قتلهم جهاد». وعزز ذلك ما تم كشفه داخل حرم الجامع من مشفى ميداني مجهز وخزائن أسلحة أميركية حديثة. وهنا يكشف المصدر أن القنّاصات التي ضبطت في حوزة هذه المجموعات تعمل بدقة عالية وتصيب الهدف مئة بالمئة عبر نقطة Laser ومنظار متطوّر يصل مداه الى 2000م، ويبلغ سعر الواحدة منها 800 ألف ليرة سوريّة، أي ما يوازي 16000 دولار.

كما كشف المصدر أن المعلومات تقاطعت إلى حد التأكيد أنّ لهذه المجموعات غرفة عمليات في لبنان، والأجهزة اللبنانية على علم بهذا الأمر، وهي تتابع تحرّكها بكل تعاون وتنسيق.

ويختم المصدر أنّ السوريين شعب واعٍ، ومَن كان يحتج منهم بصدق، انسحب بعد انكشاف حقيقة الأمر، مؤكّدا تجاوز المرحلة الأخطر بثقة، ولم يبقَ سوى التنظيف، فما حدث تسبب بجرح كبير يحتاج حتما إلى تطهير وتعقيم حتى يطيب، مستشهدا بما قاله الرئيس الأسد خلال خطابه في مجلس الشعب: أذكياء لكنّهم اختاروا الشعب الخطأ والبلد الخطأ.

السابق
الاخبار: التضامن مع الشعب السوري يبحث عن فندق
التالي
فضيحة العصر