الاستونيون، جزء من مؤامرة على سوريا؟

مرّ شهران على الاحداث السورية ولم تنقشع الصورة بعد، فالدولة التي شكلت رأس المعادلة السياسية في المنطقة على مدى نصف قرن تقريبا، اهتزّ أمنها وخرقت اجهزتها وتهشّم وجهها بأحداث شكّلت المادة الاولى لدى العديد من القنوات السياسية الاعلامية، وإن اختلفت وجهات النظر في مقاربتها.

رهانات كثيرة علقت على التحولات التي أصابت الداخل السوري، فالبعض رأى فيها رافعة لمشروعه السياسي في مواجهة نظام يحكم سوريا منذ اربعين عاما، وامتدّ الى دول مجاورة، والبعض الآخر ظلّ متيقنا من أن النواة لا تزال صلبة وأقسى من أن تصدعها اهتراءات أصابت القشور.

وأكثر ما اثار التساؤل، هو كيف يمكن للأمن الذي كان "مضرب مثل" بقوته وتماسكه وامتداده الى مختلف مفاصل الحياة، أن يخفف في توقع الأحداث لدرجة ان الرئيس السوري بشار الاسد، اعلن في مقابلة صحفية مع صحيفة "Wall Street Journal" قبل اقل من شهر من بدء الاحداث، ان سوريا في وضع مستقر، لأن القيادة ملتصقة بالشعب، جازما أن لا إمكانية لأن تشهد سوريا الاضطرابات التي شهدتها كل من تونس ومصر، ويزيد التساؤل كيف ان هذا النظام الامني بامتياز، اغفل مجموعات كانت تتدرب وتتسلح وتخطط وتكبر، لا بل انها، وفق ما رشح من معلومات سورية، استمدت سلاحها من جسور برية وبحرية عملت لهذا الغرض منذ اكثر من عام.

يقول خبراء أمنيون ان ثغرات قد تكون شابت أداء اجهزة المخابرات السورية، نظرا الى تشعّب مهامها وغياب الجهاز المركزي الحاضن او المنظم لهذه الاجهزة، كما ان ترامي الحدود السورية آلاف الكيلومترات مع تركيا ولبنان والاردن والعراق شكّل بدوره عاملا سلبيا، إذ من المستحيل ان تتمكن أجهزة الجمارك على الحدود من ان تضبط هذه المساحات الشاسعة، في غياب الترتيبات الإلكترونية الحديثة التي تعتمدها دول متقدمة عند حدودها كأبراج المراقبة الإلكترونية والسياج الإلكتروني.

وهذا ما جعل غير منطقة حدودية سورية عرضة لإيواء جماعات مسلحة ومخازن أسلحة ومراكز تدريب، وشكّلت كلها خلايا نائمة تتحيّن الفرصة للإطباق على اهدافها، مثل ما حصل في درعا وبانياس والمعضمية وريف حمص…

لكن هذه المجموعات، وبعد بدء مرحلة الحسم السوري، عجزت عن التواصل والتماسك فيما بينها، واصبحت مفككة وفقدت التواصل مع القيادة المركزية، ما جعلها هدفا سهلا للاجهزة العسكرية الامنية السورية في حملة تطهير ما تسميه دمشق "جيوبا امنية مسلحة".

مصادر امنية سورية

تم تطهير العديد من الجيوب التي تنتشر فيها هذه المجموعات، وقد تقدمت العملية العسكرية بشكل كبير وسيطرت على نحو 80 في المئة من هذه المراكز التي استخدمتها الخلايا كمحطات انطلاق نحو اهدافها، كما تشير مصادر امنية سورية في هذا الاطار. وفي اشارة الى نجاح العملية، تضيف المصادر ان من اسباب ذلك، انها ترافقت مع تأييد شعبي كبير وخطة مزدوجة اتبعتها القيادة، أمنية وسياسية وإصلاحية لاحتواء الاضطرابات، وهي تقوم بعمليات جراحية موضعية لعزل هذه الجماعات وتقطيع اوصالها، علما ان القيادة لم تتردد في استعمال القوة لمواجهة جماعات تبيّن انها تمرسّت العمل العسكري الدموي.

ولفتت المصادر الى انه تمّ تقريبا تطويق معظم العصابات بعد الخيوط التي جمعتها من عدد كبير من الموقوفين الذين تمّ التحقيق معهم وأدلوا باعترافات مثيرة، مشيرة الى ان ما بُثّ في هذا السياق هو غيض من فيض، فهناك العديد من الحقائق الخطيرة التي تتجنب القيادة الامنية كشفها في الوقت الحالي، وهو اسلوب ليس بجديد على النظام في سوريا الذي لا يكشف أوراقه دفعة واحدة.

وألمحت المصادر الى ان بعض هذه الحقائق، ذو علاقة بقضية امنية أثيرت اخيرا، طارحة اسئلة عدة، ابرزها:

– لماذا اقتصرت الاحداث الامنية على مناطق متاخمة لبلدات مترابطة فيما بينها، على الحدود اللبنانية والاردنية والعراقية، وهي ذات انتماء ديموغرافي ومذهبي معيّن؟

– ما علاقة دول وأنظمة او جهات عربية نافذة بحماية هذه المناطق؟

وذهبت المصادر الى حد ربط حادثة خطف الأستونيين السبعة بهذا الملف، كاشفة انه يتمّ التحقق من معلومات تحدثت عن مشاهدة بعض منهم، في وقت سابق، في مناطق مختلفة اندلعت فيها عمليات الشغب، ما يثير شكوكا حول حقيقة كونهم سياح، ولماذا دخلوا غير مرة الى سوريا قبل ان تتم عملية الخطف؟

ولماذا ناشدوا شخصيات محددة في الشريط المصوّر الذي تسرّب الى وسيلة اعلامية مقرّبة من قوى 14 آذار؟

كما ربطت المصادر هذا الامر بموقف استونيا التي تعمدت تحييد نفسها في عملية تصويت الاتحاد الاوروبي على العقوبات ضد سوريا، وسعيها الى ألاّ تشمل هذه العقوبات الرئيس بشار الاسد.

السابق
الاخبار: حزب الله يُسلّم ميقاتي 3 أسماء للداخليّة
التالي
الجمهورية: ضوء أخضر سوريّ وموقف جنبلاط حرّكا جمود التأليف الحكوميّ