حارة العسكر

أعطتنا الإدارة الأميركية والحكومة الباكستانية رواية من هنا ورواية من هناك لما حدث في منزل أسامة بن لادن، وتركت لكل منا أن يقوم بدور شرلوك هولمز. رسمتا مربعات وتركتا للعالم أن يملأ المربعات، أفقيا وعموديا. وكلما اعتقدنا أننا حزرنا كلمة أفقية تبين أنها غير معقولة عموديا، وأن هناك من يضحك علينا، بالطول وبالعرض.

مفتاح الرسم أن أميركا تملك أضخم وأحدث قوة استخباراتية في العالم، وأن باكستان تملك أشد قوة استخباراتية في آسيا. وأفقيا هناك تعاون قائم بين الفريقين منذ نصف قرن على أقل تقدير. وعندما أراد هنري كيسنجر أن يخفي في السبعينات رحلاته السرية إلى الصين، اختار المرور في صمت من مطار كراتشي.

وعموديا، إذا أقيم قرب منزلك مبنى له أسوار وفوقها أسلاك شائكة فإن الأمر سوف يلفت انتباه حفيدك وهو يلعب الاستغماية في الحديقة. وسوف يسألك لماذا الأسلاك عند جيراننا وليست حول الكلية الحربية القريبة، أو حول مخفر الشرطة. وأفقيا كيف يمكن ألا يطرق باب هذا البيت جابي الكهرباء أو موظف البلدية أو مصلحة الإطفاء. حسنا. الجواب هو أن صاحب البيت اتخذ كافة الاحتياطات.

أيهما أكثر فعالية، الأقمار الصناعية الأميركية أم عسس إسلام آباد؟ عندما تأتي المسألة إلى شعاب باكستان، أعتقد أن الأخ حيات حبيب خان أقوى بكثير من طاقات مايك أندرسون. الأخ حيات يعرف الناس من صمتها، ويعرف ما هو مخزون بائع الأسلاك، وفارق اللهجات بين السند والبنغال، ومعدل زيارات الأطباء، وحركة بيع الأدوية في الصيدليات. وهو لا يعرف كل هذا بالمهنة بل بالفضول.

كم هو معدل الدخل في باكستان؟ لا أدري. لكن ما نعرفه أن هناك جائزة قدرها 25 مليون دولار لمن يقود إلى المطلوب رقم واحد، والمطلوب رقم واحد يشرب الشاي في حارة الضباط والعسكر.
كل ذلك فرضيات، أفقيا وعموديا. فقد تكون الوكالة الأميركية أقل مما نعتقد، والوكالة الباكستانية أضعف مما نظن. و«الوثائق» الرسمية لن تظهر قبل ثلاثين عاما، فيعرف من يقرأها حينذاك إذا كان الذي قاد إلى المنزل هو ساع مؤتمن جرت مراقبته أربع سنوات، كما في روايات دان براون، أو ضابط باكستاني من المؤتمنين على مراقبة بن لادن والتأكد من حمايته.

وتبقى الحزورة الأهم في هذه الشبكة: شبكة الكلمات المتقاطعة وشبكة إسلام آباد – واشنطن، وهي كيف ننظر إلى الاعتقال: هل هو عمل بوليسي خارق، أم أن أميركا تأخرت عشر سنوات كاملة في العثور على رجل كنا نظنه في جبال أفغانستان فإذا هو في جوار

السابق
نجـوم قـنوات الفتــنة
التالي
“حزب الله” يخسر في سورية