«طاسة الرعبة» تطرد الكوابيس وتبطل الحسد وتداوي العليل

طاسة الخضة “احدى الموروثات الشعبية في التراث المصري يرى البعض أنها موجودة منذ الفراعنة بينما شكلها وتصميمها يجعلها أقرب للعصر المملوكي فهي عبارة عن آنية مستديرة من النحاس الأصفر القديم تنقش عليها آيات القرآن الكريم وبعض الأدعية ليوضع فيها مقدار محدد من الماء أو اللبن أو منقوع التمر ويقرأ عليها المعالج الروحاني القرآن بعض الأدعية بعدما تترك في العراء لليلة كاملة ليتناول المريض منها بعد ذلك جرعات تشفيه من “الخضة” والفزع والكوابيس والحسد, كما أنها تذهب الغم والهم.. “السياسة” حاولت كشف حقيقة هذه الطاسة ومدى اقتناع الناس بها وقدرة تلك المعتقدات على التعامل مع حالات الخوف والفزع فكان هذا التحقيق:
يقول هاني عفيفي – بائع تحف بمنطقة الحسين :طاسة الخضة تشهد اقبالا كبيرًا من المقيمين بالمناطق الشعبية, خاصة من قبل السيدات لعلاج الأطفال, وتباع الطاسات غالبًا في محلات التحف القديمة التي تعرض الأدوات والأواني النحاسية, وهناك أحجام مختلفة منها. وقد يقوم صانعو هذه الطاسات بتصنيعها خصيصا وفقا لطلب الزبون.

ويقول محمد وصفي – البائع أيضا بمنطقة الحسين: طاسة الخضة تمثل تراثًا مصريًا قديمًا, حيث يشتريها الفقراء للعلاج في حين يقبل عليها الأغنياء للاحتفاظ بها كتحفة تاريخية.. وبالنسبة للخامة التي تصنع منها هي النحاس الأصفر القديم والكتابة عليها تختلف حسب الحجم حيث يكتب على الصغير منها الآيات القرآنية, أما الكبيرة الحجم فتنقش عليها الأدعية, كما أن لطاسة الخضة زبائنها من المصريين والعرب وحتى بعض الأجانب وان كان المصريون هم الأكثر اقبالا عليها لاستعمالها كعلاج لآثار الخضة ” وفقًا للمعتقد الشعبي”, وتتراوح أسعارها بين 50 الى 90 جنيهاً وفقا للحجم.

وفيما يتعلق باستعمال طاسة الخضة يقول الشيخ عزت ابراهيم – أحد المعالجين الروحانيين- طاسة الخضة تساعد في زوال الخضة عن المصابين بنوبات الصرع أو من تعرضوا لمواقف مخيفة, أو الذين تراودهم الكوابيس كثيرًا أثناء نومهم, حيث يوضع الماء بالطاسة وتترك في الهواء الطلق طوال الليل بمكان مكشوف ثم يشرب منها المريض ثلاث جرعات أو أكثر يوميًا وفقا لحالته المرضية ليبرأ بعدها باذن الله ويزول عنه المرض, وبالنسبة لنوعية الآيات القرآنية المكتوبة على الطاسة فهي تختلف من حالة مرضية لأخرى. ففي حالات الحسد مثلاً تنقش عليها آية الكرسي وسورتيا الاخلاص والناس, ويقرأ عليه المعالج “قيوم قيوم رب العزة والملكوت اللهم اذهب عني الهم والكرب والفزع يا حي يا قيوم يا ملكوت السماوات والأرض”..وأدعية أخرى ثم يشرب منها المريض الجرعات المحددة له.

وعن اختلاف أحجام وأشكال تلك الآنية النحاسية ودور كل منها في علاج الأمراض بصور متفاوتة يشير الشيخ عزت هناك شكل واحد لها وان اختلف حجمها.. فهي مستديرة بها انحناء بمنتصفها كعلامة للحد الذي يجب أن يرتفع اليه الماء أو اللبن المطلوب, ويستعمل الصغير منها في الحالات المرضية الخفيفة والكبير في الحالات المزمنة ويحدد ذلك المعالج الروحاني بعد أن يقوم بالكشف على المريض وتحديد علته.
تقول د.انشاد عز الدين – أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بالمنوفية – إن طاسة الخضة من التراث المصري القديم ويشاع أن الفراعنة أول من استخدموها, الا أن شكلها النحاسي يجعلها أقرب للعصر المملوكي, ويعتقد بعض البسطاء من محدودي الثقافة أنها تساعد في علاج المحسود بالخضة وبعض الأمراض الأخري, وان كنت أرى وفقا لدراسات عدة قام بها علماء الاجتماع لدراسة مثل هذه الثقافات أن اللجوء لمثل تلك السبل والاعتقاد بها ينتشر عندما تغيب الحقائق عن الانسان ويعجز عن تشخيص الأمراض ومعرفه أسبابها الحقيقية ومن ثم يلجأ للمعتقدات حتى وان وصلت أحيانا للدجل, فطاسة الخضة من الموروثات الثقافية الخاصة بالشعب المصري وموجودة في التراث ضمن الموروثات القديمة كفك السحر والأفعال المرتبطة به من وضع الحذاء مقلوبًا أمام باب الشقة أو تعليقه أعلاه, فالناس تعتقد أن تلك الأمور تبطل الحسد الذي يفسرونه على أنه شيطان يخرج من عين الحاسد ليصيب الضحية.

ويفسر د. أحمد فخري – المستشار النفسي للمركز المصري لمكافحة الادمان وعضو الجمعية العالمية للصحة النفسية – تلك المعتقدات بأنها محاولة من الانسان البسيط لتفسير المواقف الغامضة والغيبيات التي لا يستطيع التعامل معها وفقًا للسبل المنطقية خاصة عندما تتعلق بسلوكيات الانسان كالخوف والحسد والصرع فنجده يتجه الى “طاسة الخضة” كأحد السبل للتعامل مع ذلك المجهول لتبعد عنه الهم والغم والحسد, وفي اعتقادي أن توغل تلك الأفكار في الموروث الثقافي لدى الشعب اكسبها قوة ايحائية تصل أحيانًا لنسبة 60 في المئة ليشعر الانسان بعد استخدام تلك الأدوات لفترة تتراوح بين الأسبوع والأسبوعين بالراحة من الأعراض التي أصابته, كما أرى أن العلاج بطاسة الخضة أو غيرها من الموروثات يتوقف على البنيان النفسي للشخص المريض والثقة بالنفس وطريقة تفكيره وتناوله للأمور.

ويؤكد الشيخ مصطفى أمين – امام وخطيب بوزارة الأوقاف- أن طاسة الخضة من العادات والتقاليد الموروثة, ضمن ما يعرف بالعلاج الروحاني لكن هذا لا يمنع من أن للماء مفعولاً شافيًا اذا قرأ عليه آيات من القرآن وشرب منه المريض.. فالانسان كما يعلم الجميع قد يصاب بحالة من الهلع اذا ما رأى شيئًا مفزعًا أو كابوسًا في منامه وهذا يتطلب منه الاستعاذة بالله من الشيطان وقراءة القرآن, وبالنسبة لطاسة الخضة فعندما تملأ باللبن أو التمر ويشرب منها المريض فان المفعول الذي تحدثه يكون نتيجة للمادة نفسها التي تملأ الطاسة, فاللبن والتمر يعالجان الكثير من الأمراض كما أن قراءة القرآن على الماء للاستشفاء سنة نبوية.

السابق
أسئلة جديدة أثارها كابوس فوكوشيما الياباني
التالي
“الجريدة”: إسرائيل: حزب الله أنشأ ألف ملجأ تحت الأرض