عندما تُعد السلطة شعباً «يَطرب» على «أوبرا» التخلف!

17 تشرين

تعجز كلّ سلطة عن قيادة شعبها، ما لم تقُم مسبقاً بعملية “إعداد” له، بحيث تخلق لديه قابلية للتماهي معها، عبر تعمّدها طرح ذاتها، في نموذج يتناغم معه من الناحية الايديولوجية، لتدفعه بعد ذلك إلى القبول بكل ما تطرحه من سياسات واجراءات، والمصادقة عليها من دون مساءلة أو محاسبة.

من هذا المنطلق، يمكن القول أن “إعداد” الشعب لضمان إخضاعه، ما هو إلاّ ضمانة لتماسك السلطة ولاستمراريتها. بمعنى آخر، كلما استطاعت ضبط الشعب وإدارته، كلما “عاشت” أكثر.

إعداد” الشعب لضمان إخضاعه ما هو إلاّ ضمانة لتماسك السلطة ولاستمراريتها بمعنى آخر

و إذا ما قاربنا بعمق الواقع اللبناني، الذي يفتك به التقسيم الطائفي ويشرذمه، ويؤثّر أيضاً، و بالتحديد، في طبيعة نظامه السياسي ليحوّل هذا الواقع، إلى مجموعة من “البؤر” الطائفية، لوجدنا أن السلطة هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن هذه الحال، لأنها تعمّدت إقصاء التنشئة الوطنية، وأتت بأخرى طائفية. ولا يخفى ما للتنشئة من دورٍ رئيسيّ في “تشكيل” الأفراد.

ولسنا هنا في صدد الدخول في مقاربةٍ للتنشئة، لكن لا بدّ من الإشارة إلى مسألة بسيطة، قد تفي ما نريد طرحه بإيجاز. وتتمثّل في أن السلطة، تعمّدت تهميش مادة التربية الوطنية في مناهجها التربوية، على مدى سنوات طويلة.

استوطنت الطائفية الشعب اللبناني بأطيافه كافة، وامعنت في توسيع استيطانها، فشكّلت جزءاً من شخصيته. و بناءً عليه، لا يمكن الحديث عن تغيير، دون أن يكون هناك تحولاً داخلياً و انقلاباً على الذات. وإن لم يحصل ذلك، ستبقى أي ثورة صورية، وستكتفي بالاستعراض في الشارع. بتعبير آخر، لا وجود لثورة فعلية في حال لم تكن هناك ثورة داخلية.

لقد اثبتت انتفاضة ١٧ تشرين، أنها خير مثال، على أن التغيير الحقيقي لم ولن يحصل، طالما أن قسماً كبيراً من الشعب اللبناني، بقي قابعاً في ركنه الطائفي وزاويته الفئوية، مستمدّاً منهما إثبات الذات.

اثبتت انتفاضة ١٧ تشرين على أن التغيير الحقيقي لم ولن يحصل طالما أن قسماً كبيراً من الشعب اللبناني بقي قابعاً في ركنه الطائفي

ولذلك، لا مفرّ من القول، أن الشعب أعِدّ مسبقاً للخنوع، أي لكي يكون مطيعاً. وبات جلّياً أنه أصبح، مع الوقت، عاجزاً عن مقاومة عملية الابتزاز، التي يتعرض لها من قبل السلطة عبر أركانها.
وهنا تتبدّى المقاربة السيكولوجية، لامتناع الشعب اللبناني عن التغيير الداخلي ضرورةً، بحيث تسهم في فهم أعمق، لعامل قد يبدو رئيسياً لهذا الامتناع و مسؤولاً عنه.

إقرأ أيضاً: إنخفاض قسري موقت للدولار بـ«العصا الامنية»..هبوط يقارب الـ6 الاف ليرة!

أمعنت السلطة على مدى أكثر من ثلاثة عقود، في إضعاف تقدير الذات لدى شعبها، عبر دفعه إلى الاقتناع بأنه فاقد الأهلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إن جاز التعبير، من دونها(اي السلطة). وكأنه يحتاج إلى أن تتبناه، كما يحتاج طفل يتيم إلى من يرعاه. لذلك حوّلت هذه السلطة الوطن إلى دور أيتام موزّعة على الطوائف.
وما جرى و لايزال يجري حتى اليوم، هو أن نظاماً طائفياً شرعن وجود سلطة، لم تتقاسم فقط الثروات، وإنما تقاسمت الشعب و الأرض والهواء والمياه وما تحت الأرض.

أيقنت السلطة، أن قوة الشعب هي من قوة الديمقراطية، فتقصّدت ضرب ركائزها، و نجحت في استغلال الناس، عبر اللعب على الوتر الطائفي و عزفت، إن جاز التعبير، “أوبرا” التخلف و الفساد.

كما برعت السلطة، في توظيف نقاط الضعف عند اللبنانيين، بعد أن غرستها في نفوسهم. وبالطبع، لا يمكن وصف كل هذا، إلا بالعنف المعنوي باعتباره عملية ابتزاز.

وبالعودة إلى الشعب، صحيح أنه طالب بتحسين الأحوال الاقتصادية الكدرة عبر انتفاضة، وصحيح أنه انتفض و قطع الطرقات، و صحيح أنه تمّ اتهام غير المشاركين بالخنوع والخضوع.

ما جرى ملاحظته هو أن قسماً كبيراً من اللبنانيين لم يحاولوا تغيير الذات و من ثم الواقع بل “تشاطروا” في عملية التكيّف!..

…لكن غاب عن البال، أن من يحتفظ بالموروث الرجعي والطائفي، لا يستطيع أن يكون ثائراً أو منتفضاً، دون أن ينتفض على ذاته أولاً!..

و ما جرى ملاحظته، أيضاً، هو أن قسماً كبيراً من اللبنانيين، لم يحاولوا تغيير الذات و من ثم الواقع ، بل “تشاطروا” في عملية التكيّف!..

يبدو أن عملية الخنوع ليست سوى حراكاً جماعياً، يعكس ضعفاً في الوعي، ويترجم عملية استلاب، عبر توظيف الدينيّ قبل السياسيّ، ولكنها في نفس الوقت حماية لذات أوهنها الابتزاز، فضعفت.

السابق
تسليم جائزة هاني فحص لعمر موسى الجمعة في 17 شباط الجاري
التالي
رغم استمرار توقيف الصرافين..الدولار يرتفع 3500 ليرة!