أسرار الانهيار المالي في لبنان.. الجريمة المدروسة والمكافآت الخيالية للسارقين

Tawfiq Kasbar

في ندوة مهمة عقدت يوم الخميس الفائت بعنوان: «الإصلاح المالي والنقدي ضرورة للنهوض الاقتصادي»، والتي دعا إليها المجلس الثقافي للبنان الجنوبي في بيروت – برج أبي حيدر وقدمها وادارها عضو الهيئة الادارية في المجلس وسيم غندور، تحدث الخبير الاقتصادي الدكتور توفيق كسبار والباحث والدكتور حارث سليمان، بحضور موقع «جنوبية»، عن واقع الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان، كاشفًا تفاصيل مفصلّة تعكس عمق الكارثة التي تمر بها البلاد.

الانهيار غير المسبوق… غياب الرواية الرسمية

قال الدكتور كسبار إن «هناك أمرًا غريبًا حصل في لبنان، أكبر انهيار مصرفي في التاريخ»، مضيفًا أن «في أي بلد عادي يتم تأليف لجنة نيابية أو وزارية للتحقيق، لكن هنا بعد خمس سنوات ونصف لا توجد سردية رسمية كاملة أو حتى نصف كاملة». ورفض جملة «وضعت الناس أموالها في المصارف، مصرف لبنان أعطاها للدولة»، مؤكّدًا أنها «لا تستند إلى أي حقيقة أو واقع».

وأوضح: «لنعد إلى ميزانية المصارف ومصرف لبنان، ويتبين معنا أن مصرف لبنان لم يعطِ الدولة أكثر من 5 أو 6 مليار دولار، بل أقول مستندًا إلى الأرقام الرسمية، من 2010 حتى 2019، الدولة أي وزارة المالية أعطت الدولار أكثر لمصرف لبنان وأنا من أشرفت على هذه المبادلات، لذلك كل ما يقال حول هذا الأمر كذب».

انهياران منفصلان… أسباب ونتائج مختلفة

وأشار كسبار إلى أن «ما حصل في لبنان انهياران: انهيار نقدي في سعر صرف الليرة، وانهيار المصارف. الإنهياران مختلفان بطبيعتهما، أسبابهما، ونتائجهما، ولا علاقة للانهيار الأول بالثاني، لكن الأهم هو انهيار المصارف».

وشرح أن «انهيار سعر صرف الليرة سببه الأساسي أن الدولة تحملت أكثر من طاقتها لسنوات عدة تمثلت بعجز ودين وراءهما الفساد والمحسوبيات».

ميزان المدفوعات… ظاهرة فريدة

وقال: «عندما نقول إن ميزان المدفوعات إيجابي يعني أن دولارات تدخل أكثر مما تخرج من البلد، وسلبي هو العكس. أما نحن لدينا ظاهرة فريدة في العالم، منذ الاستقلال في 1943 حتى 2011، كل عام كان ميزان المدفوعات إيجابيًا، ولم نسجل سنتين متتاليتين في العجز إلا مرة واحدة طيلة هذه الفترة».

وأضاف: «في عام 2011 انقلبت الصورة بعد حوادث سوريا، وفي كل عام بدأنا نسجل عجزًا في ميزان المدفوعات. هنا قرر مصرف لبنان أنه بحاجة إلى دولارات، لكن الجريمة التي فعلها هي أنه بدأ يستدين من المصارف التي كانت تشغّل أموالها خارجًا بفائدة 1% في أحسن الأحوال، ووعدها بفوائد تصل إلى 5 أو 6% ووصلت حتى إلى 14%. لم يعد الأمر معاملات مالية، بل هدايا مالية».

الهندسات المالية… القرار الإرادي الذي دمر المصارف

عليه، بيّن كسبار كيف أن «أموال المصارف بدأت تدخل من لندن ونيويورك وباريس إلى مصرف لبنان، وما كان سيولة أصبح لا سيولة». وقدم مثالًا: «خلال سنوات الحرب من 1975 حتى 1990 كان معدل سيولة المصارف بالدولار 99%، لا مثيل لهذا الرقم في العالم، وفي أيلول 2019 أصبحت السيولة 7%. هذا قرار إرادي من مصرف لبنان ومن المصارف الشريكة في الجريمة».

وأضاف: «ما تظهّر في المكافآت الخيالية التي كانت تُعطى في المصارف، حتى وصل الأمر بأحد مديري المصارف أن أخذ مكافأة 50 مليون دولار في سنة واحدة».

وأكد أن «ما يسمى الهندسات المالية، بموافقة المصارف، أدى إلى انهيار المصارف، ولم يعترض أحد من المجلس المصرفي أو مصرف لبنان طوال هذه السنوات».

جريمة مدروسة ضد أجيال كاملة

أكد كسبار أن «ما حصل جريمة كبيرة دمروا ادخارات 3 أجيال، أجيال الآباء والأبناء والجيل القادم، هذه ليست جريمة بسيطة. القرار لا يكون لفرد بل للمجلس المركزي، اشترى رياض سلامة كل المجلس المركزي، وهذا مثبت في تقرير ألفاريز أند مارسال».

وتابع: «الجهات الرقابية، مثل لجنة الرقابة على المصارف، ماذا كانت تفعل؟ لم نسمع أي كلمة طوال 10 سنوات. وأين وزير المالية؟ يستطيع أن يطلب الحاكم ويسأله ليشرح لنا ماذا يحصل».

وأضاف: «الأهم من كل هذا هو المجلس النيابي، أين دوره؟ ذهبت مرتين إلى مجلس النواب مع إدمون نعيم (عندما كان حاكمًا لمصرف لبنان) وبقيت 4 و5 ساعات استجواب في كل مرة، أما رياض سلامة فلم يستدعِ ولا مرة واحدة منذ تعيينه، لم يسأله أحد أي مرة».

الجريمة الكبرى بعد الانهيار… غياب الإجراءات

وأشار الدكتور كسبار إلى «الجريمة الثانية، وهي الأكبر، بعدم اتخاذ أي إجراءات بعد الانهيار».

وقال: «في هذه المرحلة، كل أصحاب المصارف والسياسيين وعائلاتهم والمقربين منهم، حولوا أموالهم واشتروا الشقق في باريس ولندن».

وأضاف: «ما حصل خلال 5 سنوات ونصف بعد الأزمة: المصارف لم تدفع شيئًا، المودع خضع لهيركات. هذا الهيركات خفّض الودائع من 123 مليار دولار إلى 80 مليار دولار، ودفع المودع الثمن. هذا قرار ما زال يُطبق بموافقة المصارف ومصرف لبنان والسلطة السياسية».

الدكتور حارث سليمان في كلمته

خلاصات واستنتاجات… والقانون في يد السلطة

هذا وأكد كسبار أن «لدينا قوانين كافية جدًا للمحاسبة»، مضيفًا: «لدى المودع في لبنان وكل المودعين مصلحة في أن يتم تصفية المصارف، والدولة يمكن أن تضع حجزًا احتياطيًا على كل ممتلكات أصحاب المصارف في الداخل والخارج، وهذا يكفله القانون، ولكن السلطة لا تقوم بواجبها».

وتابع: «كل ما يحكى عن إصلاح هو وهم، لأن هناك قوانين يجب أن تُنفذ وما يحكى عن ودائع مقدسة هو إهانة لذكاء الشعب اللبناني».

وختم كسبار مشددا على إن «بداية الإصلاح في لبنان هو قرار سياسي، حيث لا يحكم السلاح، السياسة تكون بداية لعودة لبنان لأن يكون دولة طبيعية، لا دولة في العالم مع ميليشيا مسلحة تكون في صلب القرار».

السابق
40 مليون دولار من العراق لإعمار غزة ولبنان.. والسوداني يطلق مبادرات كبرى من قمة بغداد!
التالي
حادث سير مروّع في البقاع الغربي: قتيل و5 جرحى على طريق جب جنين – كفريا