الدّولة تسأل المواطن: حرب أو لا حرب في جنوب لبنان

السفير هشام حمدان

تنظر الدّولة كما كلّ باحث لبنانيّ، وعربيّ، ودوليّ، نحو صاحب القرار في جنوب لبنان، ويسألونه: حرب أو لا حرب؟ يدير صاحب القرار المفترض، وجهه نحو طهران، ويسألها: حرب أو لا حرب؟ تدرس طهران الموقف الدّوليّ نحوها، وتقول له: إنتظر!

تشعر إيران بقلق من تطوّر الأمور. فالبارحة، إتّخذ مجلس الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّرّيّة موقفا يزعج برنامجها النّوويّ. وقبله، بدأت ألمانيا محاكمة عناصر من “حزب الله” في سابقة لها دلالاتها الكثيرة. وتسير الولايات المتّحدة قدما في تنظيم علاقات استراتيجيّة مع المملكة العربيّة السّعوديّة، في إطار رسم مستقبل الشّرق الأوسط، بعد ضمان نزع فكرة الحروب، والعداء لدى المملكة، (ودول الخليج) مع إسرائيل. كما أنّ الوضع في غزّة، يزداد مأساويّا كلّ يوم، والفلسطينيّون لا يرون أملا في سلاح ينقذهم، بلّ بمواقف أخلاقيّة، وإنسانيّة دوليّة، تضغط على الحكومة اليمينيّة المتطرّفة في إسرائيل، والرّأي العامّ فيها، لوقف المذابح.

وبالطّبع، لا ترى طهران إنقساما في لبنان، يمكن، أن يؤثّر على قرارها. فالحكومة، تضمّ جميع القوى المذهبيّة، والسّياسيّة، بما فيها تلك التي تتشدّق كلّ يوم بالسّيادة. كما أنّ المواطن يرفض فكرة اللّجوء إلى العنف في مواجهة حزبها في لبنان، لأنّه يؤمن، بأنّ الحزب، لن يتردّد في تحويل سلاحه نحو أهله دفاعا عن وليّ الفقيه. حزب إيران يعلم تماما، أنّ أيّ حرب مقبلة، تعني تدمير لبنان، وأكثر بكثير من حرب عام 2006. لكنّه، لا يهتمّ بوطنه وأهله. الوليّ الفقيه ألذي يبقى الأمين على رسالة وليّ الزّمان، هو صاحب القرار، ومن الواجب طاعته.

قيام دولة علويّة شيعيّة حلم يستجيب للمشروع الصّهيونيّ والإستعماريّ القديم لتقسيم المنطقة طائفيّا

الوليّ الفقيه، ألذي يشعر بالقلق، لن يبني قراره بشأن الحرب على ما قد يحصل من تدمير للبنان، بل على حساباته الخاصّة لهذه الحرب. تدرك طهران أنّ أيّ هجوم من حزبها في لبنان خارج حدود الإستنزاف، سيدفع القوى الدّوليّة كلّها إلى خوض الحرب ضدّه إلى جانب إسرائيل، وسيدفع لذلك، ثمنا باهظا. تتذكّر طهران بلا شكّ، كيف اندفعت أساطيل العالم نحو إسرائيل بعد غزوة حماس في 7 تشرين الأوّل الماضي. وتعلم، كما يعلم العالم كلّه، أنّها خسرت الجولة الأولى عندما تراجعت عن وعدها بوحدة السّاحات، بعد أن رأت وحدة السّاحات المقابلة لدى الغرب. لذلك، لا يعتقدنّ أحد بأنّ حزبها (حزب الله)، وشريكه في “حركة أمل”، سيبادران إلى هجوم شامل ضدّ إسرائيل. وأنّ شعارات العودة، ورمي إسرائيل في البحر، هي خداع لأهلنا الطّيّبين في الجنوب، وخارج الجنوب الذين ما زالوا يعيشون أوهام ما قبل نهاية الحرب الباردة.

ينظر الوليّ الفقيه ولا شكّ، فيما يمكن، أن يفكّر به اليمين المتطرّف الحاكم في إسرائيل بهذا الصّدد. فاليمين المتطرّف هناك، يرفض حلّ الدّولتين. وهذا يمنح طهران الإستمرار بشعاراتها المتطرّفة المقابلة. وتثق طهران، بأنّ الخلاف بين واشنطن وتلّ أبيب، سيزداد خلال الأيام المقبلة. فبخلاف الإعتقاد السّائد بأنّ الإنتخابات المقبلة، ستردع بايدن عن مواجهة الحكومة الإسرائيليّة، فإنّ بايدن يعلم، أنّ حظوظه الإنتخابيّة، تقوم على وقف حمّام الدّم في غزّة، ممّا يفتح الباب أمام حلول سياسيّة شاملة لكلّ المنطقة. لن تسمح الولايات المتّحدة بتدمير كلّ ما بنته منذ أكثر من ربع قرن، لإقامة الشّرق الأوسط الجديد.

الوليّ الفقيه ألذي يشعر بالقلق لن يبني قراره بشأن الحرب على ما قد يحصل من تدمير للبنان بل على حساباته الخاصّة لهذه الحرب

تثق ايران أنّ سلاح حزبها في لبنان، لن يردع حكومة اليمين المتطرّف في إسرائيل، عن الحرب في لبنان إذا قرّرت خوضها. تذكّر طهران ما حصل في ميناء بيروت. تدمير ميناء بيروت، كان نتيجة هجمة بسلاح نوويّ تكتيكيّ، قام بها طيران الشّبح الإسرائيلي في حينه. أمكن التّورية على تلك الجريمة. فحكومة إسرائيل لن تتردّد باستخدام عشرات القنابل التكتيكيّة المماثلة التي ستدمّر الضّاحية برمّتها، وتقتل عشرات ألوف المدنيّين، وتدمّر معظم الجنوب، وأيّ مكان يمكن أن يستخدمه حزب إيران لإطلاق صواريخه، وطائراته المسيّرة الحربيّة. بنيامين نتنياهو متّهم بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانيّة في غزّة، بلّ وجريمة إبادة جماعيّة، فهل يضيره أن تضاف جريمته المماثلة في لبنان إلى لائحة الإتهامات؟

إقرأ أيضاً: انجاز كبير لـ«الرياضي».. لبنان الى بطولة العالم

كما تتوقع إيران أن يغتنم نتنياهو الفرصة، لضرب البنى النّوويّة في إيران نفسها، مفجّرا حربا إقليميّة، ستكون حتما في غير مصلحتها. هذا ما يسعى الغرب إلى عدم حصوله. الغرب لا يريد حربا إقليميّة تنهي حكما، حكم الوليّ الفقيه في إيران. ما زال حكم الوليّ الفقيه حاجة للغرب في مسعاه لإقامة الشّرق الأوسط الجديد وفقا لمصالحه.

في الواقع، أنّ ما يعيق نتيناهو عن تفجير الحرب ضدّ لبنان، ليس خوفه من إيران وحزبها، بلّ لأنّه، لا يملك وحدة قرار وطنيّ بهذا الصّدد، ولأنّه لا يحظى بالدّعم الدّولي الضّروري لدخول هذه الحرب.

هل يعني ذلك، أنّ لا حرب في جنوب لبنان؟

ما يقلقني عمليّا، هو أن تدفع إيران بزيادة عمليّات الحزب، بغية تحريك تسوية مع الحكومة المتطرفة في إسرائيل ترضي الجانبين. كيف؟

قد يتم الإتفاق على حرب تمثيليّة في لبنان، على غرار حرب عام 2006، تؤدّي عمليّا، إلى تهجير أهلنا الشّيعة من الجنوب نحو البقاع الشّمالي، فتمنح نتنياهو إنتصارا يعوّضه خسارته في غزّة، ويمنح إيران تعويضا، من خلال ضمّ منطقة البقاع الشّماليّ لاحقا، لإقامة دولة علويّة شيعيّة، في إطار الفدرلة ألتي يطرحها البعض لسوريّة، ولبنان، والعراق.

هذا ما فضحه باحث عن واقع اللّاجئين السّوريّين في لبنان، حين ربط هذا الدّفق من اللّجوء السّوريّ إلى بلدنا، مع ما يحصل من طرد لأهل السّنّة السّوريّين من مناطق سيطرة “حزب الله” في سوريّ،ا بهدف إقامة تغيير ديمغرافيّ لمصلحة الشّيعة فيها.

تدرك طهران أنّ أيّ هجوم من حزبها في لبنان خارج حدود الإستنزاف سيدفع القوى الدّوليّة كلّها إلى خوض الحرب ضدّه إلى جانب إسرائيل وسيدفع لذلك ثمنا باهظا

نتائج هكذا حرب، تشكّل جائزة ترضية، تقبل بها إيران، ولا تعارضها إسرائيل، وقد يقبل بها الغرب، رغم ما قد تؤدّي إليه من خسائر. إيران تربح دويلة في المنطقة، وتفسح أمام إقامة الشّرق الأوسط الجديد المنشود. وإسرائيل تضمن سحب سلاح حزب إيران، ووقف تهديده لأمنها، ويفسح أمام تنفيذ القرار 1701 بكامله مع لبنان.

قيام دولة علويّة شيعيّة، حلم يستجيب للمشروع الصّهيونيّ، والإستعماريّ القديم لتقسيم المنطقة طائفيّا. التّقسيم الطّائفي في ظلّ الفدرلة، لا يتعارض مع الشّرق الأوسط الجديد الذي بلغ خواتيمه تقريبا.

السابق
إخماد حرائق في جبيل والبقاع..والدفاع المدني يحذر من المفرقعات النارية!
التالي
التقارب الايراني مع اوروبا واميركا مستمر..إطلاق سراح دبلوماسي ايراني وسويديين اثنين!