تحذير لودريان من تبدّل النّظام السّياسي.. هل يتجه لبنان نحو الفدرالية؟!

لودريان

قرأت التّعليقات بشأن تحذير الموفد الفرنسي جان إيف لودريان مؤخرا، بالنّسبة إلى نهاية النّظام السّياسي في لبنان، وبقاء النّظام الجغرافي.
أرى أنّه من الضّروري التّوقّف عند هذا التّصريح الذي يكشف بعض المستور، لا سيّما مع وجود أحاديث بشأن اعتماد الفدرلة في العراق، وسوريّا.

من الضّروري التّوقّف عند هذا التّصريح الذي يكشف بعض المستور

فماذا يعني هذا التّصريح؟

هذا التّصريح يعني، أنّ لبنان، قد لا يعود دولة مركزيّة، وقد يصبح كونفدراليّة على النّمط السّويسري، أو فدرالي وفقا لما يرسم للعراق، وسوريّا، وربّما للبنان.
تذكّرت فورا الجهود التي بذلتها وجوه مرموقة قريبة من الكنيسة، لإقناعنا بالفدراليّة كنظام سياسيّ للبنان.
ولا شكّ أنّ الدّافع لمطالبة مثل هذه الوجوه الوطنيّة المعروفة، بالفدراليّة، كان له عدّة أسباب. فمن جهة، تمّ وقف إستكمال تنفيذ إتّفاق الطّائف، وأحكام الدّستور ألذي لا يٌخفى دور الكنيسة، و”القوّات اللّبنانيّة”، في تغطيته مسيحيّا.

تذكّرت فورا الجهود التي بذلتها وجوه مرموقة قريبة من الكنيسة لإقناعنا بالفدراليّة كنظام سياسيّ للبنان


ومن جهة أخرى، إختلف الواقع العدديّ للطّوائف في لبنان، ورفعت الطّوائف الأخرى مطالبها في السّلطة إستنادا إلى العدديّة (مشروع الثّلاثيّة في الحكم)، لاسيّما، أنّ العدديّة، كانت الأساس الذي أصرّت عليه الكنيسة في بدايات العشرينيّات من القرن الماضي، لترسيخ دور الموارنة في السّلطة، والذي أنشأ ما سمّي مجازا، بالمارونيّة السّياسيّة.
هذا إضافة إلى أنّ السّلطة الآن، تخضع إلى مشيئة طرف مسلّح مرتبط صراحة وعلنا، بالخارج، ويرهن الدّولة بكامل مقوّماتها لمصلحة سياسته، ومفاهيمه.

أمّا لماذا أطلق لودريان تحذيراته؟

فرنسا مصابة بخيبة كبيرة نتيجة فشل جهودها، في وضع حدّ للنّزاع عبر الحدود الجنوبيّة، وفشلها في تحقيق توافق على إسم الرّئيس العتيد، خلافا لما حصل عام 2016. إكتشفت باريس أخيرا، أنّ دورها كحاضنة للبنان، لم يعد مطلقا. لقد أمكنها عام 2016، الجمع بين المسيحيّين (الموارنة)، وحزب إيران. وهو الأمر غير الممكن حاليّا.
أمكن لفرنسا في حينه، تحقيق تلك النّتيجة، بعد أن قايضت دعمها لترشيح ميشال عون، الذي كان يحظى بدعم حزب إيران في لبنان، مقابل اتّفاق تمّ عقده عام 2015، لتزويدها بالنّفط في الوقت الذي كانت هي، ودول أوروبّا، يعانون من مقاطعة نفط، وغاز الإتّحاد الرّوسي، بسبب احتلاله جزيرة القرم. لم يعترض الرّئيس الأميركيّ باراك أوباما، على تلك الصفقة، بلّ دعمها بدوره، نتيجة موقفه الضّمنيّ المحبّذ لإيران، وخلافه المعروف مع بنيامين نتنياهو، وإسرائيل، بشأن الإتّفاق النّووي ألإيراني.
سمح التّوافق الفرنسي والأميركي في حينه، بإنجاز تلك الصّفقة التي أوصلت ميشال عون إلى السّلطة بتغطية مسيحيّة، وإسلاميّة شبه شاملة. أمّا الان فقد اختلفت الأمور. ربما أنّ فرنسا، ما زالت تحظى بولاء الكنيسة، وبعض أحزاب الطّائفة المارونيّة، لكنّها، ورغم صداقاتها لزعامات الطّوائف الأخرى، إلّا أنّها، لا تملك التّأثير الحاسم على قراراتهم. فالمملكة العربيّة السّعوديّة، عادت قوّة مؤثّرة في صناعة قرارات العديد من الزّعماء اللّبنانيّين. وأميركا التي تمسك بالقرار النّهائي في لبنان، لن تتجاهل السّعودية، بلّ لا تستطيع تجاهلها، وهي لم تعد إيرانيّة الهوى، كما كانت في عهد أوباما.


تعلم فرنسا بوضوح، أنّ الوقت الضّائع على السّاحة اللّبنانيّة، قد انتهى. أوشكت سياسة الفوضى الخلّاقة الأميركية، أن تصل إلى خواتيمها. حانت ساعة الحقيقة بعد حرب غزّة. فلبنان ما بعدها، ليس كما قبلها. هنا ستبدأ الحلول النّهائية لكلّ دول المنطقة. وسيولد شرق أوسط جديد. وهكذا، بدأت فرنسا تعود إلى دورها الحقيقيّ كجزء من السّياسة الغربيّة العامّة في المنطقة. الشّرق الأوسط الجديد لم يعد يدار بالقطعة، بلّ كوحدة واحدة، ووفقا لشروط العولمة التي تديرها أميركا، وخلفها كلّ الغرب، بما في ذلك فرنسا.

فرنسا مصابة بخيبة كبيرة نتيجة فشل جهودها في وضع حدّ للنّزاع عبر الحدود الجنوبيّة وفشلها في تحقيق توافق على إسم الرّئيس

هل يوحي تصريح لودريان بالحلّ الذي يتمّ تحضيره للبنان؟

قد يعكس تصريح لودريان ما تعدّه فرنسا لمستقبل لبنان، لكنّه، لا يعكس بالضّرورة، موقف القوى الفاعلة الأخرى، ولاسيّما الولايات المتّحدة. فالولايات المتّحدة، هي التي صاغت مع السّعوديّة، إتّفاق الطّائف ألذي تحوّل دستورا للبنان.
قد تجد فرنسا جبران باسيل مرّة أخرى، حصانها لهذا الغرض، خاصّة، وهو يرفض باستمرار، إتّفاق الطّائف. لكنّ الشّعب اللّبنانيّ بشكل عام، يرفض فكرة الفدرلة، والكانتونات. مثل هذه الأفكار، تعني تقسيم لبنان عاجلا أم آجلا، وهذا أمر غير مقبول إطلاقا، بعد أن دفع اللّبنانيّون الدّماء الغزيرة لمواجهة هذا التّوجّه. لا نرى أيّ حلّ أفضل من إستكمال تطبيق إتّفاق الطّائف.

السابق
ايران تفاوض اميركا «سراً» وترفع السلاح «علناً»..ولهيب جبهة الجنوب يلفح المنطقة!
التالي
بالفيديو: إسرائيل تصعّد صوب البقاع وتقصف سيارة بين لبايا ويحمر