اميركا «تستثمر» في غزة.. «تدجين» إسرائيل و«محاباة» إيران و«إستيعاب» تركيا والسعودية!

علي الامين
تتجاوز حرب غزة، العناوين التي نشبت من أجلها، من تصفية حسابات عسكرية وأمنية، بين الإسرائيليين عبر حكومة بنيامين نتنياهو، وبين الفلسطينيين عبر "حماس"، والتي أظهرت الى حد بعيد في محطات عدة "توازن رعب" بينهما، انسحبت على المعركة الدائرة في معرضها في الجنوب بين إسرائيل و"حزب الله"، لتصل الى إعادة ترتيب أميركا أوضاعها مع إسرائيل وإيران والسعودية وتركيا و"إستثمارها" في المنطقة.

“الهدنة ووقف اطلاق النار”، عنوانان يفرضان نفسهما، بعدما استنفدت اسرائيل كل ما لديها من قوة، من دون ان تنجح في تحقيق ما اعلنته من اهداف، فهي لم تستطع القضاء على حركة “حماس”، ولا حققت اقتلاع البنية العسكرية لكتائب “القسام”، ولم تنجح في تقويض القيادة العسكرية او السياسية لـ”حماس”، وان نجحت في قتل بعض القادة الميدانيين، لكن من دون ان ينعكس ذلك سلبا على أداء الحركة العسكري في الميدان.

وسط كل هذا المشهد المستمر منذ عملية “طوفان الأقصى”، حققت اسرائيل مستوى غير مسبوق، في ارتكاب الجريمة الانسانية ضد غزة واهلها، والشعب الفلسطيني عموما، وأيضاً في الفشل عسكريا، وفي الدفع بالرأي العام الغربي الى تبني العنوان السياسي للقضية الفلسطينية، وليس الانساني فحسب.
لقد حاولت حكومة الحرب بقيادة بنيامين نتنياهو، التعويض عن العجز في تحقيق الاهداف بغزة، بدفع المواجهة مع “حزب الله” الى حرب تتبناها واشنطن، وغيرها من حلفائها في اوروبا والغرب عموما، لكن الحسابات الاميركية بدت اكثر صلابة حيال منع توسّع الحرب، الى ما يسمى حربا اقليمية، وتزامن ذلك مع بدء تراخي الالتفاف الدولي حول اسرائيل في حربها على غزة، وهو ما زاد من طمأنينة “حزب الله” وحليفته ايران التي استمرت في توجيه اعتراضاتها المدروسة في ساحات حلف “الممانعة”، من دون ان تتجاوز الحدود التي قد تفجر غضب واشنطن.

في البعد اللبناني، مارس “حزب الله” ايضا، فعل المواجهة تحت سقف عدم توسعة الحرب، وشكلت هذه المواجهة فرصة اختبار متبادل بينه وبين اسرائيل لم تكتمل بعد، وتبقى عرضة لمفاجآت لدى الطرفين.

غير أن ذلك لم يمنع من استخلاص بعض النتائج والعبر، إذ يدور داخل اروقة “حزب الله” ان الاسرائيليين حذرين من اي استهداف للمدنيين في لبنان، وان بعض ما طال المدنيين من قتل تلاه توضيحات اسرائيلية ارسلت بالواسطة للحزب، تدعي انها غير مقصودة ونتيجة خطأ. وما يعزز من هذه الفرضية هو أعداد الشهداء الذين سقطوا من مقاتلي “حزب الله”، الذي يفوق ال ٩٠ في المئة من حجم الخسائر البشرية في الجانب اللبناني.

وما يشير اليه بعض الخبراء من المؤيدين لـ”حزب الله” هو التفوق الاسرائيلي التكنلوجي على مستوى الاتصالات والقدرة على رصد تحركات مقاتلي الحزب في الجنوب، لا بل رصد حتى السيارات والآليات المملوكة للحزب، فضلا عن مراقبة دقيقة لاجهزة الخلوي بشكل عام، فضلا عن الهواتف الشخصية واجهزة التصالات العسكرية لعناصره ومسؤوليه الميدانيين.

ويروي المتابعين لهذا الشأن، ان استهداف المجموعة العسكرية التي كان من ضمنها نجل النائب محمد رعد في بيت ياحون، تم من خلال رصدهم عن بعد بالطائرات المسيّرة وكذلك عبر اختراق وسائل اتصالاتهم بأجهزة تجسس حديثة فائقة التطور، حددت مقرهم وعددهم الذي بلغ حوالي عشرة أشخاص، فقامت طائرة مسيرة بقصفه وتدميره.

ما يمكن قراءته في ما جرى خلال الخمسين يوما الماضية، ان اسرائيل اظهرت من الناحية القتالية قدرات امنية واستخبارية عالية، فيما نجح “حزب الله” بالمقابل في رصد وقتل العديد من الجنود والضباط الاسرائيليين، وتدمير العديد من المواقع العسكرية.

اظهرت اسرائيل تفوقا لجهة استهداف المراكز العسكرية والامنية، واستهداف مقاتلي “حزب الله” في الميدان، وهذا ما يفسر الفارق في اعداد الذين سقطو في المواجهات

ولأن قواعد الاشتباك بين الطرفين تفرض استهداف العسكريين وتجنب استهداف المدنيين، فقد اظهرت اسرائيل دقّة لجهة استهداف المراكز العسكرية والامنية، واستهداف المقاتلين في الميدان، وهذا ما يفسر الفارق في اعداد الذين سقطو في المواجهات. فبحسب بيانات الطرفين، هناك نحو 80 شهيدا للحزب، وحوالي 20 قتيلا من الجنود الاسرائيليين.

تنامى الحديث في الاسبوعين الماضيين عن عمليات اغتيال، ستنفذ على الاراضي اللبنانية تطال مسؤولين في “حماس” او غيرها

التفوق الامني والاستخباري الذي برز من ناحية جيش الاحتلال الاسرائيلي، لا يعني ان “حزب الله” ليس لديه ما يخفيه، في حال تطورت المواجهات الى حرب مع اسرائيل، لكن ما جرى حتى الآن يكشف عن مؤشرات، منها ان الحرب العسكرية ذات الطابع الامني، ستكون هذه المرة هي الابرز، لذا تنامى الحديث في الاسبوعين الماضيين عن احتمال قيام العدو بعمليات اغتيال في المستقبل، تنفذ على الاراضي اللبنانية تطال مسؤولين في “حماس” او غيرها من ما يندرج تحت تسمية فصائل المقاومة، ويمكن ادراج عملية اغتيال نائب مسؤول “كتائب القسام” في جنوب صور قبل اسبوع في هذا السياق، علما ان شخصيتين تركيتين وعنصرين من طرابلس استشهدا في العملية، في وقت غلب التعتيم على هوية الاتراك، وهذا نموذج للعمليات الامنية التي يمكن ان تتزايد، في حال حصل تصعيد مجددا على الحدود الجنوبية.

على ان ابرز ما تتناقله اوساط غربية، هو ما تشير اليه تسريبات عن سبب سقوط طائرة التدريب الاميركية قبل اسبوعين في شرق البحر المتوسط، وهو انها سقطت بسلاح روسي على الساحل السوري، وتضيف هذه الاوساط الى ان عملية امنية اميركية بالتنسيق مع مجموعات على الارض، كانت تستعد لتنفيذ عمل امني يستهدف شخصية سورية على اعلى المستويات.

واشنطن اليوم تستثمر معركة غزة في ما يسميه خبراء اميركيون، باعادة تأهيل اسرائيل

وسط كل هذه الحروب المعلنة والخفية، ثمة مواجهة شرسة بين نتنياهو وادارة جو بايدن، معركة هي اكبر من عملية اسقاط حكومة نتنياهو، وتعتبرها واشنطن بحسب بعض المتابعين عن قرب تستهدف انهاء النزعة الاستقلالية لاسرائيل عن واشنطن، والتي يعتقد عتاة الحزب الديمقراطي في واشنطن، ان نتنياهو خلال خمسة عشر عاما، كان يواكب ما سمي خروج اميركا من الشرق الاوسط، ببناء سياسة مستقلة عن واشنطن، عن طريق نسج تفاهمات واتفاقيات مع دول عربية واسلامية بمعزل عن واشنطن، وهذه سياسة اقلقت واشنطن، ولعل هذا ما يفسر اختلال علاقة اميركا مع حلفائها في المنطقة في السنوات الماضية، ليست اسرائيل فحسب، انما ايضا تركيا والسعودية، لذا واشنطن اليوم تستثمر معركة غزة في ما يسميه خبراء اميركيون، باعادة تأهيل اسرائيل عبر ابعاد اليمين المتطرف وملاحقته، واستيعاب تركيا والسعودية، بعدما قطعت اشواطا مهمة في ترتيب العلاقة مع الخصم الايراني، التي أصبحت العلاقة معه ثابتة في مسار ايجابي، وقد كان نتنياهو احد مصادر الخطر على تلك العلاقة، بسبب استعداده المستمر لخوض حرب مع طهران، لن تستطيع واشنطن ان تكون خارجها.

السابق
«مقاضاة» البيطار لن تمنعه عن قراره.. عبود لأهالي ضحايا المرفأ: «الشغل ماشي»!
التالي
حرب إبادة.. «حماس» تنعى الناطق الرسمي باسمها