هدنة علنية في غزة و«تحت الطاولة» في لبنان!

ظهّرت حرب غزة، منذ اليوم الاول، التباين الإسرائيلي الأميركي، حول الشهية الإسرائيلية المفتوحة على الدماء والقتل، التي أربكت الإدارة الاميركية، وجعلتها تضغط باتجاه "هدنة" في غزة، تنسحب على لبنان ومعركته مع "حزب الله" لكن "تحت الطاولة"، بحسب الصيغة التي إشترطتها إسرائيل للقبول بها.

يبدو ان الضغوط الاميركية على رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، افرجت عن اتفاق التهدئة وتبادل الأسرى بين اسرائيل وحركة “حماس”. فالجهود القطرية والمصرية على هذا الصعيد، ما كانت لتصل الى موافقة اسرائيل على اعلان الهدنة، لو أن ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن، لم تستشعر مخاطر عدم لجم اندفاعة وجنون، ماكينة القتل والتدمير الاسرائيلية، على الدور الاميركي نفسه، وعلى مستقبل الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الاميركية.
الدور الاميركي المنهمك بانجاز صفقة الاسرى، باخراج مواطنين اميركيين من الأسر لدى “حماس”، كان بالتوازي غارقا، في عملية فرض كوابح، تمنع انفجار المواجهة بين اسرائيل و”حزب الله”، وهي جهود لم تتوقف منذ اندلاع معركة “طوفان الاقصى” في ٧ اكتوبر.

ويأتي الاستنفار الاميركي الاخير، بعدما ابلغ نتنياهو الاميركيين ان الهدنة في غزة لن تنسحب على الجبهة الشمالية مع لبنان، معتبرا ان “المشكلة مع حزب الله ليست ناشئة عن تدخله في مساندة غزة فحسب، بل هي مشكلة ترتبط باصل دور “حزب الله” وموقعه، بوصفه منظمة ارهابية اولا واخيرا”.

المعلومات التي رشحت عن الاتصالات الاميركية، تفيد ان تعديلا جوهريا قامت به الادارة الاميركية، بنقل ملف حرب غزة والاتصال مع حكومة نتنياهو، من يد وزير الخارجية انطوني بلينكن، الى عهدة مستشار الرئيس الاميركي لشؤون الطاقة اموس هوكستين، بعدما عجز بلينكن عن تلبية مطالب بايدن واقناع نتنياهو بوقف اطلاق النار في غزة وعدم توسيع الحرب في الجبهة الشمالية مع لبنان.

انتقال الملف الى يد هوكستين، كانت اولى معالمه، زيارة الاخير الى بيروت قبل اسبوعين، ثم زيارته اسرائيل مطلع هذا الاسبوع، في سياق ترسيخ معادلة عدم الانجرار الى حرب مفتوحة.

“الجزيرة” نقلت عن مصدر قيادي في “حزب الله” مساء امس (الاربعاء)، استعداد “حزب الله” الالتزام بالهدنة، اذا ما التزمت اسرائيل بمقتضيات الاتفاق مع “حماس”

ولما نجحت المساعي في التوصل الى الهدنة المؤقتة مع “حماس”، فقد بقي نتنياهو مصرا على عدم التزام اسرائيل بهدنة مع حزب الله، وكانت محطة “الجزيرة” نقلت عن مصدر قيادي في “حزب الله” مساء امس (الاربعاء)، استعداد “حزب الله” الالتزام بالهدنة، اذا ما التزمت اسرائيل بمقتضيات الاتفاق مع “حماس”، لكن هذا لم يغير شيئا في الموقف الاسرائيلي، مما اقتضى ضغوطا اميركية متزايدة على نتنياهو، من اجل اعلان الالتزام بهدنة غير معلنة مع “حزب الله”.

وتشير المعلومات عينها، الى ان الاميركيين اخذوا تعهدا من نتنياهو، بضمان من قيادة الجيش الاسرائيلي الالتزام بالهدنة عمليا على الجبهة الشمالية مع لبنان، مشترطا نتنياهو عدم نشر هذا الاتفاق علنا. واذ لا تخفي الاوساط الاميركية تأكيدها على تحالف واشنطن مع تل أبيب في حربها ضدّ حركة “حماس”، الا ان معركة حقيقية بالخفاء وغير معلنة جارية بين نتنياهو وادارة بايدن، عنوانها استعادة اميركا لإسرائيل، أو للولاية الاميركية ال ٥٢ كما كان يلقبها الاعلام العالمي.

اسرائيل في العقد الأخير، ومع سيطرة اليمين المتطرف على السلطة، والدولة العميقة في اسرائيل، بدأت ترسم سياساتها في المنطقة بمعزل عن واشنطن

وبحسب هذه الاوساط، فان اسرائيل في العقد الأخير، ومع سيطرة اليمين المتطرف على السلطة والدولة العميقة في تل أبيب، بدأت ترسم سياساتها في المنطقة بمعزل عن واشنطن، وبدأت تظهر مستوى من الاستقلالية غير المسبوقة عن السياسة الاميركية، من خلال اعتقاد اليمين الحاكم وعلى رأسه نتنياهو، بأنه قادر على سبيل المثال على عقد اتفاقيات سلام مع الدول العربية بمعزل عن السياسة الاميركية ومن وراء ظهرها احيانا.

هذا التفلت الاسرائيلي او العزف السياسي المنفرد، اقلق واشنطن الى الحد، الذي جعل ادارة بايدن تخطط لاسقاط اليمين المتطرف في اسرائيل بزعامة نتنياهو، واعادة الاعتبار لتيار الوسط فيها المتحالف معها تاريخيا، وبحسب تلك المصادر فان هذا المطلب، اي استعادة اسرائيل بات ضرورة استراتيجية لأميركا..اولا وأخيرا!

السابق
دعماً لفلسطين.. حزب الله يتبنّى عمليات جديدة
التالي
معرض بيروت العربي للكتاب ينطلق في بيروت متحدياً الظروف!