منتدى «جنوبية» يثير تداعيات «الحرب النفسية» على غزة.. «سلاح فتاك» أعتى من الآلة العسكرية!

تنعكس "صدمة الحرب" على حياة الأشخاص الذين يختبروها، ويكون تأثيرها كارثي على المجتمعات التي ترزح تحت وطأتها، إذ ينتج عنها آثاراً وأضراراً، ليس فقط جسدية، بل أيضاً نفسية طويلة الأمد، وهو ما أضاءت عليه ندوة لـ"منتدى جنوبية" بعنوان" بدع الحرب النفسية : مقاربة نفس – اجتماعي .. واقع غزة نموذجاً"، في تحليل مسهب للتداعيات على مختلف المستويات وانعكاسات الحرب الدائرة على حاضر ومستقبل الطرفين المتقاتلين.

تخلّل الندوة، التي أقيمت في مقر المنتدى وحضرها حشد من الشخصيات، سرد مسهب لتطور الحرب النفسية كـسلاح” فتّاك في حروب العصر الحالي، حيث بات عنصراً رئيسياً بين أطراف النزاع لكسب جولات قد تُمهّد للفوز الكبير، من دون اغفال تأثيرها على الشعوب والسياسات خلا مجريات الحرب الميدانية وما بعدها، وبالتحديد نفسياً واجتماعياً، وهو ما تم عرضه بالتفصيل خلال مداخلتين لكل من الأستاذة في علم الاجتماع ابتسام الديك وأستاذة علم النفس الدكتورة سيلفا بلوط، وقدّم لها الصحافي مجيد مطر.

خلال الندوة

مطر : الحرب النفسية ليست مستجدة وغزة لن تكون الأخيرة

كان لمطر، قبل تقديمه المتحدثتين، توصيفه للحرب النفسية التي شدد على “أنها ليست بالمسألة المستجدة، فهذا النوع من الحروب غارق في القدم، منذ الصين القديمة الى المصريين القدماء، ثم الفرس فالمغول والتتار الذين تفوقوا في بث الرعب في قلوب خصومهم لينهزموا في الحرب قبل ان تبدأ”، لافتاً الى “أنه فضلها صن زو على باقي الحروب بقوله: من المفيد قبل الاغارة على مدن العدو وقلاعه أن نستهدف تفكيره وروحه”.

مطر: الحرب النفسية غايتها استهداف الانسان وتماسك المجتمعات


وقال:”إن الحروب بالمدافع والنيران قد تستهدف البشر او الحجر الممتلكات والارزاق، في حين الحرب النفسية غايتها الوحيدة استهداف الانسان وتماسك المجتمعات. صورها كثيرة منها الدعاية والشائعة وغسل العقول، وهي مستمرة، تبدا قبل الحرب النارية وتستمر بعدها، وهي تطال من تقصدهم في كل زمان ومكان، بينما حرب المدافع تطال من هم في نطاق نيرانها. أذن هي اخطر بكثير من قتل الرصاص”.
أضاف:”للحرب النفسية أيضا بصمات تدل على فاعلها او من يقف خلفها، أهدافها متنوعة، منها قتل سمعة او بث التفرقة او الرعب لدى الشعب لخنق النقاش السياسي حول قضية ما حينها تبدا المكنة الاعلامية او الجيوش الالكترونية بغزل الاخبار الملفقة او نشر روائح التضليل المقيتة، فالذي يتم اغتياله جسديا يعاد اغتياله مرة أخرى عبر بث الشائعات حوله كما عن كيفية قتله، فهذا قد قتله زوج مخدوع، وذاك قتلته عصابة قد تورط معها”، مشدداً على أن ” غزة في مثل هذه الحرب ليست الأولى ولن تكون الأخيرة فنحن في لبنان قد خبرناها حرباً وسلماً”.

الأستاذة في علم الاجتماع ابتسام الديك

الديك: قوة الحرب النفسية تكمن في الكلمة التي تؤثر على السلوكيات والمعتقدات

تعتبر الحرب النفسية من أخطر الحروب في عصرنا الحالي، وفق ما أكدته الديك، وهي أكثر فتكا من الحروب العسكرية، لأن قوتها ليست الاسلحة المميتة والمدمر، وانما الكلمة التي تؤثر سلبا او ايجابا على السلوكيات والمعتقدات والقيم والافكار والقناعات والموافق والمشاعر والعواطف، وغيرها لدى الشعوب والجماعات والافراد مدنيين كانوا ام عسكريين، وتعمل على تغييرها واستبدالها بأخرى تكون في مصلحة الطرف الذي يطلق هذه الحرب.
وقالت:”انها حرب غسل الادمغة والسيطرة على الراي العام من خلال وسائل الاعلام، قوامها التضليل والتهويل وزرع الفتن والدعاية و نشر الشائعات واعطاء انطباعات وتصورات مبالغ فيها ومغايرة للحقائق والوقائع بهدف التشتيت واضعاف المعنويات واثارة الخوف والهلع والرعب والقلق والشك في قلوب ونفوس الناس، ولنيل التأييد والدعم المعنوي والنفسي والاجتماعي والمادي والعسكري في مساعيها لتحقيق الهدف منها”.

الديك: ما قامت به “حماس ” نابع من ايديولوجيات ومعتقدات لاسترداد الأرض


أضافت:”اصبحت الحرب النفسية اكثر اتساعا مع التقدم التكنولوجي وانتشار وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي والاتصال الجماهيري. من خلالها يمكن الوصول الى الملايين من الناس بكافة اجناسهم وخلفياتهم ومستوياتهم. انها احد اهم وسائط التنشئة الاجتماعية في وقتنا الراهن في جذبهم والتأثير عليهم لتغيير سلوكهم ومعتقداتهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم واتجاهاتهم ومواقفهم واتماءاتهم وطرق عيشهم وتفكيرهم”، لافتة ” الى أنه بواسطة العولمة الاعلامية والثقافية والمعلوماتية الفورية التي اصبحت ادواتها في متناول الجميع، يمكن الاطلاع على اهم الاخبار والاحداث والمستجدات في كافة المجالات وعلى جميع المستويات في اي زمان ومكان. باختصار تدفع هذه الوسائل وادواتها الى تغيير ثقافة المجتمع”.
وأوضحت الديك أنه “تعرف الثقافة بانها التراث الفكري والمعرفي الذي يجعل الامم والشعوب متمايزة عن بعضها البعض، وذلك لما يتمتع به كل مجتمع من خصائص اجتماعية وعقائدية، وظروف جغرافية ومناخية وتاريخية”، مشيرة الى “أن ميزة الثقافة انها تحدد هوية المجتمع، وهي تكتسب بما تتضمنه من سمات وخصائص من خلال التنشئة الاجتماعية التي اعتبرها “دوركهايم” عملية تجعل من الانسان كائن اجتماعي، فيتصرف ويسلك ويندمج ويتكيف وفق ضوابط ومعايير اجتماعية متوافق عليها في محيطه بشكل خاص وفي مجتمه بشكل عام”.
وقالت:”يتفاعل الافراد والجماعات بأشكالها وانواعها في المجتمع ضمن نطاق جغرافي معين، وينشؤوا في محيط وبيئة اجتماعية تشكل طباعهم وتغرس فيهم الاخلاقيات والمبادئ والقيم والمثل العليا والمعتقدات والعادات والتقاليد وغيرها، التي تسعى التربية الى تحقيفها بهدف الحفاظ على الارث الثقافي للمجتمع واستمراره ونقله من جيل الى جيل على الرغم من الانفتاح الثقافي والتفاعل الثقافي ما بين المجتمعات سواء كانت متباينة او متجانسة”.
أضافت:”لذلك عندما تكون الغاية من وضع خطط وبرامج وسياسات واستراجيات، سواء في حالات السلم او الحرب للتأثير على الناس لتغيير ما تألفوا واعتادوا عليه ويرون بانه الافضل والاكمل والاكثر انسجاما مع منهج تفكيرهم، عندها يجب ان نفهم دعائم السلوك الاجتماعي للانسان انطلاقا من المجتمع الذي ينتمي اليه، القيم الاجتماعية التي تمثلها ارادة المجتمع، الادوار والمراكز والعلاقات الاجتماعية، وسائل الاعلام واساليبها ومعوقاتها، سبل تعديل وتغيير الاتجاهات النفسية، القيادة واشكالها، الشائعات التي يتقبلها المجتمع، الطبقات الاجتماعية التي يتكون منها البنيان الاجتماعي للمجتمع، اشكال الجماعات في المجتمع، الدوافع الاجتماعية التي تحرك افراد المجتمع، الأوبئة والامراض التي تنتشر في المجتمع وتضعف البناء الاجتماعي فيه”.

رئيس تحرير موقع “جنوبية” الصحافي علي الأمين


واعتبرت الديك أن “ابرز مثال على ما تقدم لفهم اهمية الثقافة و التراكم الثقافي ونقله من خلال التنشئة الاجتماعية ليترجم سلوكا على ارض الواقع، ويعكس خلفيات هذا السلوك وابعاده واهدافه، هو الحرب النفسية – العسكرية الدائرة اليوم بين حركة حماس الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، وميدانها المباشر قطاع غزة وتداعياتها على على المجتمع الفلسطيني عامة واهالي غزة والشعب الفلسطيني بشكل خاص. ولتوضيح وفهم عميق لما نشهده اليوم لا بد من الاشارة الى اهم الخصائص الثقافية لكلا المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي”.
وأشارت الى “أنه تتميز فلسطين بانه يوجد فيها الاماكن المقدسة لدى الديانات السماوية الثلاث، الامر الذي جعلها على قدر كبير من الاهمية، وجعل سكانها من اصول مختلفة ومن ديانات ومذاهب متعددة، ويتبين لنا هذا التنوع في بيت المقدس”، وقالت:” المشهد الثقافي في فلسطين يقوم على التنوع والانفتاح. ولكن الحقيقة الابرز فيما يتعلق بالمجتمع الفلسطيني انتماء غالبيته للعروبة والاسلام وهما ابرز العناصر التي اسهمت في صياغة فكره وثقافته. انه مجتمع تتجلى فيه ثقافة المقاومة والنضال، الجهاد والشهادة في سبيل الله، الدفاع عن الرموز والمقدسات الدينية (جدلية النزاع حول القدس والمسجد الاقصى)، الوعد بالجنة، التي تعززها التنشئة الاجتماعية، اضافة الى انه مجتمع يعيش شعبه حياة القلق والاضطراب والتشتت والظلم والعدوان والاحتلال ومحاولة اثبات الذات، لا سيما في صراعه مع دولة إسرائيل والعدو الصهيوني”.
أضافت:”من جهة اخرى قامت دولة إسرائيل على ارض فلسطين نتيجة هجرات سكانها من مختلف اسقاع الارض من دول اوروبا وامريكا، التي تتمثل في اليهود الغربيين، ومن دول اسيا وافريقيا والتي تتمثل باليهود الشرقيين، الى جانب من ولدوا في إسرائيل سواء كانوا منحدرين من جذور غربية او شرقية، وهناك عرب فلسطين المحتلة (إسرائيل) الذين يشكلون فئة قليلة يعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية قياسا لبقية سكان إسرائيل الذين يعتبرون مواطنين من الدرجة الاولى”.
ورأت الديك أن “المجتمع الإسرائيلي يقوم على مجموعة من التناقضات في تركيبه الاجتماعي، ومن اهم سماته الثقافية والاجتماعية عدم التجانس والتماسك الاجتماعي الكامل بين افراده، متعدد الاصول والثقافات والموروثات والعادات المختلفة، الفوقية والعنصرية والمعتقدات المتمثلة بانه شعب الله المختار، وانه الجنس الاري الذي ميزه الله على سائر الشعوب، وبانه ارقاها حضارة ومدنية وديمقراطية، العقيدة الدينية وايمانهم بارض الميعاد التي تجمعهم بعد الشتات في الارض، العقلية والذهنية العسكرية واليات الدفاع الهمجية التي يعتبرها حصانة لوجوده ونظامه الثقافي والاجتماعي والسياسي”.
وقالت:”نشاهد حاليا عبر وسائل الاعلام مجريات وتطورات هذه الحرب، وتبين للراي العام اسباب اندلاعها وتبرير ظاهرة العنف الجمعي المنظم المرافق لها من كلا الطرفين المتنازعين وان بنسب متفاوتة. طبعا سوف ينعكس ذك على المتلقي الذي يتأثر ويتفاعل مع ما يقدم له”.


أضافت:”و نرى كيف تمارس إسرائيل ابادة جماعية بحق دولة فلسطين واهالي غزة والشعب الفلسطيني وتعمد على استئصال هوية السكان الاصليين. هذا السلوك الاجرامي وسياسة العنف والعقاب الجماعي الذي لا يستثني الاطفال والنساء وكبارالسن والمرضى من المدنيين ليس وليد الساعة بل هو تطرف وعنصرية وكراهية متراكمة عبر السنين ، وجاء قرار العملية العسكرية الذي اتخذته حركة حماس متفردة ليكون الذريعة للعدو الإسرائيلي في القضاء على حركة حماس من جهة ومعها ابادة وتهجير الشعب الفلسطيني من ارضه من جهة اخرى. فالعقلية اليهودية الصهيونية لا تؤمن ولا تسلم مطلقا بان هناك من يتجرأ ويبادر في الهجوم والاعتداء على دولة إسرائيل وجيشها وشعبها، واختراق امنها والحاق الضرر الفادح بجيشها والتصدي لترسانة الاسلحة المتطورة والمدمرة التي تملكها”.
وشددت الديك على “أن ما قامت به حركة حماس من عملية عسكرية، نابع من ايديولوجيات ومعتقدات دينية وثقافية واجتماعية وسياسية، الهدف منها استرداد الارض والوطن والاماكن المقدسة (المسجد الاقصى)، والحق بالحرية والاستقلالية والوجود، وتحقيق الامن والامان الاجتماعي لشعبها وللجماعات التي تنتمي اليها”.
وقالت:”بالتالي لا يمكن الا ان ننوه، على الرغم من هول الحرب وفظاعة الجرائم المرتكبة من قبل إسرائيل، وما تخلفه من دمار شامل لقطاع غزة، وللبنى التحتية، وللمستشفيات والطاقم الطبي، وشح الوقود والامدادات الطبية والمواد الغذائية، والابادة الممنهجة للشعب الفلسطيني من الجانب الإسرائيلي، ان استمرار القتال من طرف حركة حماس وصمود الشعب الفلسطيني لأكثر من شهر، ضعضع الكيان الصهيوني والمجتمع الإسرائيلي واضعفه، وتداعت تحصيناته وجبهته الداخلية، فهو يعاني اليوم نفسيا ومعنويا واجتماعيا، وربما لا بل بالتأكيد يعيش احلك واصعب مراحل حياته، وسقطت الشعارات الرنانة وpropaganda الاعلامية والدعاية التي يروج لها عبر وسائله الاعلامية التي توهم بهيبة إسرائيل وقوة جيشها الذي لا يقهر، وبانها الدولة الاقوى التي لا تخترق ولا يمكن المس بها او حتى يستحيل الحاق الهزيمة بها”.


أضافت:” لعل المفارقة الابرز اليوم ان المقاومة جاءت من قيادات فلسطينية من داخل فلسطين المحتلة، الامر الذي شكل صدمة وذهول كبيرين ليس فقط على المستوى المحلي بل وايضا على المستوى العربي والدولي، وسوف تتغير المعادلة وتجعل الجميع يعيد النظر في حسابته”.


وأوضحت الديك أنه “تحدث الحرب النفسية سلسلة من التغييرات على اصعدة عدة منها الصعيد المجتمعي تنعكس سلبا او ايجابا على المجتمع وفئاته المختلفة. من الانعكاسات السلبية ارتفاع وتيرة التطرف والانحراف، تفاقم البطالة والفقر، ازدياد حركة النزوح والتهجير والهجرة، التفكك الاسري، انتشار الأوبئة والامراض، التفرقة والانشقاق والانقسامات بين الشعب والقادة والحكومات وبين ابناء المجتمع الواحد (مع وضد)، ضعف الولاء للجماعة وللدولة وضعف التضامن بين ابناء المجتمع، زعزعة ايمان الشعب بعقيدته وقيمه ومبادئه القومية والوطنية، اثارة الشك في شرعية القضية التي يدافع عنها الشعب، تضاؤل الامل بالنصر، خلل في الهرم السكاني وديمغرافية المجتمع”.
ولفتت الى أنه “في المقابل تؤدي التغيرات الناتجة عن الحرب النفسية الى بلورة عوامل ايجابية على المجتمع والشعب الفلسطيني، تجعله قادرا على المواجهة والتصدي لهذه الحرب والحروب التي قد تليها تتلخص بالرفض المطلق لثقافة الخضوع والذل والاستسلام والانهزام، تقوية دافع التخلص من اجرام وفظائع العدو الإسرائيلي بحق الانسانية واحتلاله لأراضيه، التطور الفكري والثقافي والتربوي والاجتماعي يتحقق من خلاله الاندماج والتكيف الاجتماعيين للافراد والجماعات في المجتمع دعائمه تفعيل الممارسة الديمقراطية وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية والاصلاح، رفع المعنويات والثقة بالنفس، المثابرة على الصمود والكفاح والنجاح والانتصار، اعتماد العقلنة في التعاطي مع المستجدات والمشاكل الاجتماعية والقضايا التي يواجهها، تنمية الحس الوطني والمواطنة والانتماء والولاء للوطن، التمسك بحق الدفاع عن الارض والاستقلالية والحريات والكرامات مهما كان الثمن، ترسيخ القيم الاخلاقية والدينية والايمان الحقيقي”.
وأكدت الديك أن “تحقيق الاستقرار الاجتماعي واستمرار المجتمعات وضمان قوتها لا يتم الا من خلال تقوية التماسك الاجتماعي والتضامن الاجتماعي والوحدة بين المواطنين. يرى “اوغست كونت” ان القوة الاجتماعية مستمدة في حقيقتها من تضامن الافراد والجماعات واتحادهم ومشاركتهم في العمل وتوزيع الوظائف فيما بينهم، فمبدأ التضامن هو الذي يسيطر على المجتمع ويحكمه. نظم المجتمع وعناصره تعمل متضامنة لتحقيق استقرار الحياة الاجتماعية ودوام بقاءها، ولتحقيق ذلك لا بد ان يوجه المسؤولين عنايتهم الى التربية والتعليم ونظام الاسرة والنظام السياسي في الدولة.”.
وخلصت الى القول:”يبقى السؤال ماهي التحديات اليوم امام المجتمع الفلسطيني التي عليه ان يواجهها ما بعد انتهاء الحرب لا سيما في ظل التحولاث الاجتماعية والثقافية والسياسة التي يشهدها للحفاظ على امنه وسلامته واستقراره النفسي والاجتماعي؟ “.

أستاذة علم النفس الدكتورة سيلفا بلوط

بلوط: الحروب النفسية تزرع التفرقة وتزعزع الثقة ما يؤثر سلباً على التماسك الاجتماعي

من وجهة نظر بلوط، يعدّ استهداف الحياة النفسية غاية رئيسية في كل حرب، ومن هذا المنطلق يمكن القول أن هذا الأمر مسألة تقليدية و هو ليس بجديد. و لقد بدأ يتطور مع التقدم الذي لحق بالتكنولوجيا، و أيضاً على مستوى علم النفس باعتباره علماً يتناول دراسة السلوك البشري و كل ما يمكن أن يؤثر فيه.
وأشارت الى “أنه “تستغلّ كلّ حرب الجانب النفسي من حياة الفرد ، و توظّفه من خلال برامج أو لنقل تكتيكات نفسية خاصة بها. و يكمن الهدف من هذا التوظيف في السعي إلى تهشيم مقاومة الفرد النفسية أو صموده النفسي الذي يمكّنه من تحمّل التجارب المؤلمة التي يكابدها من جرّاء الحرب، ومن ثم تخطّيها من دون الوقوع ضحية أزمات أو صدمات نفسية. بتعبير أدق، تتمّ عملية هدرٍ للفرد على المستوى النفسي، أو انتهاك لمرونته النفسية”.
وقالت:”يظهر الضغط النفسي الممارَس على من تستهدفهم الحروب بالإضافة إلى الترهيب والتعنيف و كل ما يمكن أن يشعر الفرد أو المجتمع بالعجز، ميكانزمات أو أواليات يتم استخدامها من أجل الإطباق على العافية النفسية”، لافتة الى أنه “تأتي الدعاية و معها استغلال المعلومات و تحريف الحقائق و تزييفها ليؤثر كل ذلك على كيفية إدراك المستهدَفين و إضعاف وعيهم لما يحيط بهم من أحداث أو تطورات. ولا يخفى من أن الجنود والمدنيين ،على حدّ سواء، يمكنهم أن يعانوا من الاضطرابات النفسية ، وخصوصاً اضطراب ما بعد الصدمة”.
واعتبرت بلوط “أنه تتجلّى نتائج الحرب، عموماً، في اضطرابات ما بعد الصدمة، بالإضافة إلى اضطرابات القلق، والاكتئاب، وصعوبات في إقامة العلاقة البينفردية، وكل ما من شأنه أن ينهك الحياة النفسية للفرد، وأما على صعيد المجتمع، فيتبدّى عدم الثقة بين الجماعات ، و انقسام أكثر بين الطوائف. مما يؤدي إلى إصابة التماسك الاجتماعي. كما تفضي هذه الحرب أيضاً إلى المزيد من التوترات بين الأجيال و ندوبات نفسية عميقة تصيب حتماً النسيج الاجتماعي”.
وقالت:” يأتي المقدّس أو لنقل إقحام الله في مسائل قتالية (وفي كل شاردة و واردة) (هل يمكن أن يكون لله يد في مهمات القتل؟، ليمدّ الحرب بطابع أكثر وحشية، وذلك لأن في كل مرة يتم القيام بجرائم باسم الدين تشتدّ الوحشية و الدموية و بالتأكيد السادية، وعلى هذا النحو، يعدّ تحويل ما هو وطني إلى ديني هدفاً لمن يريد القضاء على القضية نفسها، وليس كما يتم إيهام الناس به بأن ذلك سيجلب الانتصار الإلهي لهذه القضية أو تلك. وفي هذه، لا يسعنا سوى القول أن المقدّس يعمي العقل، و يطلق العنان للغرائزية”.
أضافت:” يعدّ موضوع ندوتنا متشعّباً و معقّداً ، إلا أنه كان لا بدّ من التعرّض إليه، و سيّما من خلال تناول البعد النفسي لانعكاسات ما يجري في فلسطين ، و خصوصاً في غزّة (المحاصرة) . ويمكن وصف ما يحصل بالإبادة أو حتى المحرقة، وهذا ما سيؤدي حتماً إلى نتائج كارثية و بالطبع منهكة”.

بلوط: اسرائيل ركّزت على الناحية النفسية والشعب الفلسطيني مشحون عموماً

وأشارت بلوط الى أنه “أضحى معروفاً أن اسرائيل ركّزت ومازالت على الناحية النفسية في حروبها و جرائمها و مجازرها، وهي تتعمّد التسبب بانهيار الجهاز النفسي، وتعمل على ذلك من خلال إعداد منهجي أو ممنهج تدخله في صلب تكتيكاتها، ويعدّ الواقع اللبناني شاهداً حياً على ما أشرت إليه”.
ورأت أنه “لعل أبرز هذه التكتيكات اعطاء الكيان الصهيوني لحروبه و جرائمه صفة القداسة، وهذا ما جعل من ذهنية هذا الكيان دموية ، كما أكسبه كراهية شعوب كثيرة. وهذا ما نلاحظه من خلال ما يحصل في دول العالم. لقد بدأ يظهر وعي أكثر و إدراك لإجرام هذا الكيان”.
وأكدت بلوط “أنه بالعودة إلى أبرز الانعكاسات التي تطال الجانب النفسي، فيتجلّى أولاً في الحصار نفسه الذي يعيشه سكان غزّة، إذ يشعر هؤلاء بأنهم محاصرون و مراقَبون و مهدّدون في كل لحظة. وهنا، و بالتأكيد، يمكننا التكلّم عن انهاك حياتهم النفسية الذي يكرّسه أو لنقل يغذيه الشعور بتيهٍ أوضياعٍ يطال الأذهان . و كأنهم ضائعون في متاهة معقدة لا يستطيعون الخروج من قنواتها!”، لافتة الى “أنه ” مما لا شكّ فيه أن الهدف من هذه السياسة يكمن في إضعاف الثقة في النفس و في الآخر بهدف زعزعة التضامن الاجتماعي أولاً الذي يسهم في مواجهة الخطر في الأوقات أو المراحل المصيرية التي تمر بها غزة من جرّاء عملية ابادة مدروسة ومنظمة”.
ووفق بلوط، “يظهر تكتيك آخر لا يقل خطورة، وهو يتمثل في تحطيم الشخص المقاوم للاحتلال . بمعنى آخر، يجري استهدافه بكل الوسائل الممكنة في الحياة العامة والخاصة عبر اللحوء إلى التشهير والابتزاز ،وليس فقط في الحروب، و يشكل ما يجري في الحروب الاعلامية بين الدول وبين الأحزاب السياسية مثالاً على ذلك”.
واعتبرت أنه “ممّا لا شكّ فيه أن كل معركة ذات طابع سياسي يرافقها مناورات نفسية، إن صح التعبير، من أجل تمرير استراتيجيات معينة. باختصار ، قد يعجز المقاوم عن أن يجمع نفسه للمقاومة!”، وقالت:” إذا ما قاربنا أكثر سعي الكيان الاسرائيلي إلى تحطيم المقاوم، والذي يمثل غاية أساسية كما ذكرنا في حروبه. فيبدو أنه يضع في حساباته نمطية الشعب الفلسطيني الذي تزيده عزماً و صلابة في مقاومته”.
أضافت:” إذا ما تناولنا تأثيرات الابادة التي ينفذها الكيان الصهيواسرائيلي، فتبرز الصدمة الجماعية التي تنتقل كعدوى (هناك كوابيس و ضطرابات في النوم ) ، و يظهر الحداد الجماهيري نتيجة الخسارة الكبيرة التي تلحق بأرواح الكثيرين و نتيجة الندمير الثقافي الممنهج . و أيضاً يقوى الشعور بالذنب والخجل لعدم القدرة على ردع الابادة. و تجدر الإشارة إلى أن نتائج هذه الابادة يتم تناقلها عبر الأجيال . إذ يمكن للجيل السابق أن يورث الألم والحزن للاحق”.
ورأت بلوط أنه” تتبدّى أيضاً منهجية منظمة قائمة على تشويه الشعب الفلسطيني ، وتصويره بأنه وحشي ، وإذا ما نظرنا أكثر إلى الكيان ، فنلاحظ أنه قائم على العنف والدمار و القتل . و يقودنا التدقيق في سلوكه إلى ملاحظة مسألة بالغة الخطورة، وهي أنه إذا لم ينتصر، فإنه يدمّر و يقتل. إذ يرى انتصاره في التدمير والقتل، و يظهر كذلك شعور الشعب الفلسطيني بالترك نتيحة الحصار أولاً و الابادة التي يتعرض لها أيضاً. هو يشعر بأنه متروك. و من الطبيعي أن يطلق أو يغذي هذا الشعور بالترك اللاتسامح في شخصيته، و المزيد من البغض . وهذا أمر طبيعي بالنسبة إلى نمطيته”.
وقالت:”يفرض الحديث عن انعكاسات هذه الحرب أو الإبادة تناول واقع الأطفال ومآله في المستقبل. إن أطفال فلسطين، طبعاً و غزة، لن يصبحوا مسالمين. هناك جيل قادم هو أكثر عنفاً و عدوانية، بالإضافة إلى ضعف الثقة في الهوية الوطنية باعتبارها عاجزة عن حمايتهم . وسيقع هذا الجيل القادم فريسة لاضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب و الانكسارات النفسية، و سيحمل صوراً ذات طابع سلبي و سيرافقه الأذى النفسي”.


وشددت بلوط على “أنه أضحى الشعب الفلسطيني ، عموماً، مشحوناً (وهذا أمر طبيعي و أيضاً بديهي) و لذلك قد يكون هناك انفجار عفوي أدى إلى طوفان”، مشيرة الى “أنه تستهدف الحرب بتكتيكاتها نزوة الحياة عند الفرد إما عبر الحصار أو الابتزاز أو القتل. وهذا ما يغلّب نزوة الموت التي تحدث عنها فرويد، و يعتبرها نزوة التدمير و تدمير الذات”.
وأكدت على أنه “لا بدّ في هذه الندوة التي تتناول واقع غزة من منظور نفس- اجتماعي التعرض لحال اللبناني الذي وقع بدوره مصيدة للإبتزاز النفسي”، وقالت:” لقد تمّ إدخال لبنان في لعبة نفسية كشفت عن سياسة ابتزاز نفسي، فبات شعبه مرهوناً لصراع واضح بين نزوة الحياة و نزوة الموت . وما انقسام هذا الشعب إلى مؤيد لدخول لبنان الحرب و معارض له سوى انعكاساً لجمهور نزوة الحياة، إن صح التعبير، و نزوة الموت”.
أضافت:” ولا يمكن اغفال أمر في غاية الأهمية و هو أن ادعاء الانتصار الذي يتبناه الكثيرون قد يعدّ أوالية انكار لوضعية كدرة لا يمكن تحمّلها. ولا يغفل على أحد من أن الدعاء في الحروب ماهو إلا إنكار للشعور بالعجز أو الهزيمة”، لافتة الى “أنه يبقى السؤال إلى متى ستبقى قضية فلسطين رهينة مصالح اقليمية تتقاذفها دول تتصالح تحت الطاولة و تتظاهر بالصراع فوقها”.

خلال الندوة

نقاش وغوص في التفاصيل

وفي تعليق على مداخلات المتحدثين كان غوص في التفاصيل، فلفت الزميل وسام الأمين الى” أن اليمينيين في اسرائيل هم الأكثر تعصباً، ونتنياهو استخدم عاملاً نفسياً للتأثير عليهم بأنه مجبر على لانتصار في الحرب لأن هزيمته ستؤدي الى خروجه من اسرائيل”.
واعتبر رئيس تحرير الموقع علي الأمين أن “الحرب تستهدف تغييراً ما في البعد الإجتماعي، وهي تشكل عنواناً جوهرياً في عملية تغيير سيكون لها انعكاساً إما سلبي أو ايجابي”، مشيراً الى “أن “العنصر الديني هو عنصر دائم وثابت موجود في المجتمع”.
من جهتها، رأت بلوط” أن مسألة وجود نتنياهو في غزة هي مسألة حياة وخسارته تعني خروجه من اسرائيل”، وأوضحت “أن حركة الشعب الفلسطيني هي جماهيرية ووطنية في الأساس، ولم تكتسب القضية نكهة دينية قبل حماس”، مشيرة الى “أن سلخ الطابع الوطني عنها واعطائها طابعاً دينياً يؤدي الى هزيمتها والى غياب العقلانية والشعوب العربية تُغلّب الطابع الديني على الوطني”.
بدورها، أشارت الديك الى “أن نتنياهو يريد هوية وانتماء ومكان، وهو ما يسعى إليه عبر اللعب على الشقّ النفسي وضياع ذلك يؤدي الى تشتته”، واعتبرت “أن عملية حماس أتت منفردة، لذلك فإن التغيير واعادة الحسابات حكماً حاصل إن على مستوى السلطة أو الناس وحتى الخارج، إن ذهنياً وعملانياً ونفسياً بحسب تقلب الموازين”.

السابق
إطلاق ما لا يقل عن 6 صواريخ من لبنان باتجاه الجليل الأعلى
التالي
الشيخ عريمط: العدوان الاسرائيلي على غزه والجنوب هو عدوان اميركي- صهيوني