العرب في قطار النظام العالمي خرائط مهددة ام عولمة متجددة؟..كتاب جديد لمنير الربيع

منير الربيع

صدر عن دار “رياض الريس للنشر” كتاب جديد للصحافي منير الربيع تحت عنوان :”العرب في قطار النظام العالمي خرائط مهددة ام عولمة متجددة”؟

ويتضمن الكتاب ستة أجزاء، وإضافة إلى اللمحة التاريخية، ينظر إلى واقع العالم والنظام العالمي الذي يشهد اهتزازاً في علاقاته على وقع الحرب الروسية الأوكرانية والعلاقات التحالفية من حولها، وما تشهده العلاقات الصينية – الأميركية. ويتوقف عند المشاريع “التوسّعية” لكل من إسرائيل وإيران وتركيا وانعكاسات هذه المشاريع على واقع منطقة الشرق الأوسط، وعلى الواقع العربي في حقبة ما بعد ثورات الربيع. ويخلص إلى طرح سؤال عن إمكانية نشوء مشروع عربي حداثوي. وإذ يتوقّف عند سياسة تصفير المشاكل المعتمدة من دول الخليج، التي تخوض تجربة الثورة من فوق والانتقال إلى الحداثة والتطور الاقتصادي والثقافي، تحضر دائماً تجربة المشرق العربي وأسئلة مستقبله.

مفاتيح الكتاب

العالم إلى أين؟ والشرق الأوسط إلى أين على وقع الصراع العالمي؟ يشكل هذان السؤالان هاجساً كبيراً لدى الساسة والباحثين وفئات اجتماعية واسعة، منها الشباب القلق، في عصر “القرية الكونية” والتطور التقني للاتصالات، وفي زمن الصراعات الدولية المتجدّدة والجديدة.

ففيما يمكن كلَّ إنسان متابعة أحداث “القرية الكونية” والتفاعل معها وإبداء الرأي في شأنها، هناك “حدود” كثيرة، ماديّة وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، تنتصب بين المحاور العالمية والدول، وحتّى ضمن دول كثيرة نفسها. وهذه الحدود في تزايد وتغيّر. فالقرية الكونية الواسعة، ومجتمعها المفتوح والمنفتح بعضه على بعض، ثمة ما يعترضها، في ضوء صراعات كثيرة، ومتكاثرة، سياسية، فكرية، دينية، قومية، مصالحية… ينقسم العالم بموجبها إلى قسمين أو أكثر، ما يطرح تساؤلات عديدة في شأن مصير النظام العالمي، وإذا ما كان يتجه إلى التعددية القطبية أو يستمر أحاديَّ القطبِ، في ضوء ما ينشأ من تكتلات لقوى صاعدة.

هذه الأسئلة عن القرية الكونية والنظام العالمي ومسارات الأحداث، كانت دافعاً أساسياً وراء الشروع في هذا الكتاب، الذي يعمل ما بين طرح الأسئلة واستعراض احتمالات الإجابة عنها. وإذ ينظر، بما توافر للإنسان في هذا العصر، إلى العالم كمدى واسع ومفتوح، يرصد متغيّرات الجغرافيا والسياسة، حيث تضيق الحدود أو يُعاد ترسيمها، في ظل صراعات بين الدول الطامحة إلى التوسع وتوسيع أدوارها ونفوذها على الرقعة العالمية، وما ستنتجه تلك الصراعات على دول العالم عموماً، وعلى تلك التي ستجد نفسها مهددة وعرضة للتفكك وتصغير حدودها خصوصاً.

إقرأ ايضاً: ما بعد الهجوم البري على غزة

في كلتا المعركتين، تُستحضر تخيلات وأثقال تاريخية، بعضها يوقظ الشعور بالتمدد القومي، أو التوسع الثقافي، كما هي الحال بالنسبة إلى الأسباب الذرائعية التي ساقتها روسيا للهجوم على أوكرانيا، إذ استعادت خلفيات تاريخية، أو ما وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتصحيح مسار التاريخ، وربما الجغرافيا، في محاولة لإحياء عصر الإمبراطورية. وبعضها الآخر يستند إلى فكرة توسيع هامش الليبرالية، ما يصوّر العالم وكأنه في صراع بين قطبين، حرّ واستبدادي. ومن شأن إيقاظ الصراع التاريخي المدعّم بالقومية، أو بالعنصر الثقافي أو الديني، أن يستحضر شياطين كثيرة لدى القوى المستهدفة أيضاً، ومنها النزوع نحو الانعزال أو الانغلاق والتوجّهات اليمينية في شتى أصقاع الكون.

وفيما يُدفع العالم إلى نزاعات قوميّة ودينية واستحضارات للتاريخ في صراعات الجغرافيا، ما يطرح الأسئلة في شأن النظام العالمي، تحضر منطقة الشرق الأوسط. فهنا، يوجد أيضاً منجم للصراعات بين المكوّنات الاجتماعية، وتتماهى النزاعات القومية أو الدينية أو التاريخية أو الثقافية مع النزاعات الجغرافية، حيث تسعى كل جماعة للسيطرة على مساحة معينة واقتطاعها لجعلها دولة مستقلة بذاتها. وفيما تُطرح على مستوى الكوكب الأسئلةُ عن النظام العالمي، تُطرح على مستوى الشرق الأوسط الأسئلةُ عن خريطة الدول ومراكز النفوذ العالمي وممرات التجارة ومصادر الطاقة.

تدعيم مشاريع “الدولة القوية”

ثمة مفارقة كبيرة تسكن الشرق الأوسط. فالعالم يتّجه إلى تدعيم مشاريع “الدولة القوية” أو الإمبريالية المتعددة، سواء أكانت أميركية أم صينية أم روسية، أي الاتجاه إلى ما بعد الدولة الوطنية نحو التكتلات الكبرى. ولا بد في هذه اللوحة من النظر إلى صعود دول عدة، في مقدّمها البرازيل والهند وجنوب أفريقيا. ووسط هذا، أو إزاء ذلك، نجد فقدان المناعة الوطنية، والانجذاب إلى ما قبل الدولة الوطنية، سمة تهزّ العديد من كيانات الشرق الأوسط. وفيما يُسأل في هذه اللوحة وتلك المفارقة عن العرب ودولهم الوطنية، تحضر في هذه المنطقة مشاريع كبرى ثلاثة، هي إيران وتركيا وإسرائيل.

تقع منطقة الشرق الأوسط في نزاعات قديمة، قائمة على عصبيات ما قبل الوطنية، وتدخل في صراعات هوياتية من تاريخ غابر. والمأزق هنا يتجلى في فشل مشروعين كبيرين تقدّما في النصف الثاني من القرن العشرين، هما القومية العربية والإسلام السياسي. وقد أسهم هذان التياران المتصارعان في تعطيل السياسة أو الحياة السياسية، وتتفيهها إلى صراع بين العسكر العلماني والدين. فالأولى صنعت سلطات على أنقاض الدول والمجتمعات. والثانية صنعت الخراب والحروب الأبدية. وفيما استحضرت كلٌّ منهما التاريخ والجغرافيا وفق هواها، وأذابتا الحدود بادعاء تجاوزها وبزعم أنّها تقسيمية، كان من نتائجهما صراعات مذهبية وسياسية وعقائدية داخل الدول الوطنية التي رزحت تحت تجربة صراعهما أو تأثّرت به.

وما يدفع أكثر في رحلة البحث، حالة التأزم والانقسام التي أصابت الدول العربية، وأظهرت غياب المشروع العربي فيما تحضر ثلاثة مشاريع، هي: الإسرائيلي، التركي والإيراني. وكانت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، واندفاع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب واحتلال أفغانستان والعراق، محطة رئيسية في هذا الانكشاف العربي. ثم جاء الربيع العربي (أواخر 2010) و”الثورة المضادة”، اللذان عمّقا تلك الحالة. وفي تلك الأثناء، أُسقط نظام صدام حسين (2003) وأُعدم (2006)، وأغتيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات (2004)، ورئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري (2005). وفيما نشطت المشاريع الثلاثة في المنطقة واخترقت “الجسم العربي”، اندلعت حرب الديموغرافيا التي غيرت خريطة المكون الأكثري في المنطقة (خصوصاً في سورية والعراق)، الذي ينتمي إليه القادة الثلاثة أولئك. وهو ليس تفصيلاً عابراً، بل مؤشّر على الصراعات والمتغيرات في “الشرق الأوسط الجديد”، التي يشارك فيها أصحاب هذا المشروع وخصومه على حد سواء.

نحو “الهنا” ونحو “الهناك”

يحاول الكتاب النظر في اتجاهين، نحو “الهنا” ونحو “الهناك”، أي الوضع القائم في المنطقة والوضع في العالم. ويحرّكه السؤال: “هل من طريق مختصرة وآمنة لإنقاذ أنفسنا من ناحية، ولفهم العالم من ناحية ثانية؟”. والأهم، كيف يمكن أن نصير يوماً ما شركاء في صناعة هذا العالم.

وينطلق من استعادة تطورات وتحولات أساسية شهدتها الساحة العالمية في مطلع القرن العشرين، ولا سيما أن الحرب العالمية الأولى أرّخت لسقوط الإمبراطوريات الكبرى وبدء عصر الدول القومية أو الوطنية. وهو ما أعاد إنتاج صراعات قومية بين الدول انفجرت في الحرب العالمية الثانية. وقد كان للحربين تأثيرات في منطقة الشرق الأوسط، وبعض أحداثهما وقعت فيها. ومن نتاجات الحرب الأولى التي صغّرت الكيانات الإمبراطورية إلى دول وطنية أو قومية، اختراع مفهوم الانتداب لتهذيب الطموحات الاستعمارية لدى الدول الكبرى ما بعد عصر الإمبراطوريات. وهو ما أسهم في إنتاج دول صغيرة في منطقة الشرق الأوسط، التي تتصارع للنفوذ فيها الدول الاستعمارية، وذلك على أنقاض السلطنة العثمانية. ولا بد من الإشارة إلى أنه في كلتا الحربين كانت الولايات المتحدة الأميركية تتخذ موقف الحياد والانكفاء، وتختار التوقيت الذي يناسبها لتدخّلها. وعلى رغم الاختلاف بين ذاك الزمن واليوم، لا مفر من السؤال عما ستفعله واشنطن التي يُشاع أن قيادتها العالم في انحسار، وأنها هي في انكفاء؟

وسيحاول الكتاب البحث في صراعات إقليمية كانت انعكاساً لصراعات دولية، كما كانت الحال بالنسبة إلى الصراع الخليجي- الإيراني على مدى السنوات الماضية، الذي كان المشرق العربي أبرز ميادينه، إضافة إلى اليمن. وقد انفجر هذا الصراع بنحو واضح بعد اعتداءات 11 أيلول، ودخول أميركا في “الحرب على الإرهاب”. وهو صراع أدى إلى تصدعات كبرى في البنى المركزية لكل دولة، ما جعلها مهددة في مقوماتها. فهل تمت تغذية هذا الصراع دولياً؟ وما المصالح من ذلك؟ ولا سيما أن الصراعات المذهبية والعرقية التي نتجت منه عززت من نزعات الانقسام أو الانفصال في المجتمعات، بدلاً من الحفاظ على مقومات الدولة المركزية أو الدولة الوطنية؟ وهل كانت هناك مساعٍ للنفخ في الأزمة العربية – الإيرانية، هدفها جعل العرب عرضة للابتزاز اقتصادياً ومالياً وأمنيأً وعسكرياً، أم أن الهدف وراء تخويف العرب من البعبع الإيراني رميهم في الحضن الإسرائيلي؟ وهل أعاد ذلك الاعتبار إلى مفهوم “تحالف الأقليات” بما يخدم مبدأ تصغير الكيانات في المنطقة، كما يخدم إسرائيل في تبرير تهجيرها الفلسطينيين والقضاء على مقومات بناء دولتهم المستقلة، ولتبرير تهويد الدولة وإعلان قوميتها؟

وتذكّر هذه الأسئلة بتلك التي طُرحت مع انهيار الاتحاد السوفياتي، وقد تغذّت بكتاب “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” للباحث الأميركي فرنسيس فوكوياما الذي أعلن انتصار الرأسمالية وتوقف التاريخ عندها، بعدما كانت الإيديولوجيا السوفياتية، الماركسية، تذهب إلى القول بالاشتراكية والشيوعية كمرحلتين تعقبان الرأسمالية. وإذ يخلو العالم اليوم من أطروحات “تاريخية”، تأتي الأسئلة السياسية عارية، ومنها: هل كان خلق عدوٍّ جديد هو “الإرهاب” المرتبط بالإسلام والمسلمين بديلاً من الاتحاد السوفياتي وشبح الشيوعية، بعد الحرب الباردة؟ وماذا عن الربيع العربي الذي انقسم بشأنه العرب، فهل كان عبارة عن مؤامرة أم أنه ثورات حقيقية جرى التدخل فيها للسيطرة عليها وقطف ثمارها، وربما تخريبها؟

وإذا ما غادرنا الماضي قليلاً ونظرنا إلى المستقبل، نسأل: هل من مساعٍ لتأسيس مشروع عربي على الصعيد الإقليمي في ظل بروز ثلاثة مشاريع واضحة تضطلع بها كل من إسرائيل، إيران وتركيا؟ وهل يمكن الدولَ العربية ذات المساحات الشاسعة والثروات الهائلة، والبشرية في طليعتها، أن تبقى على كيانيتها، أم أن وحداتها معرضة للمخاطر والتهديدات؟ وهل يمكن الارتكاز عليها لبناء مشروع متكامل قادر على تطوير مشاريع تنسجم مع تطلعات الشعوب وآمالها؟ أم أن هذه الدول ستبقى غارقة في صراعاتها التي ستضاعف من تهديداتها وتقودها إلى زوال شكلها الحالي الذي رُسم في مرحلة ما بعد الحربين العالميتين، الأولى والثانية؟

السابق
لا تنسوا تأخير ساعاتكم هذه الليلة!
التالي
توتر مسائي يشعل جبهة الجنوب..«حزب الله» يستهدف مواقع وردّ اسرائيلي بالقصف المدفعي!