ثورة الحسين.. ثورة الفكر ضد الجهالة وحيرة الضلالة

… فأعْذَرَ في الدّعاء، ومنح النصح، وبذل مهجته فيك، ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة…
بينما تقرأ زيارة الأربعين المروية عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، تستوقفك هذه الفقرة البليغة في مفرداتها، الراقية في عظمة مدلولاتها، فهي التي تمنحك العِبر لتسمو بالعقل والفكر من خلال الأهداف التي بينتها الثورة الحسينية المباركة، تلك الثورة التي استلزمت بذل المهج لاستنقاذ الناس كل الناس، من الجهالة وحيرة الضلالة، فلم يقل (عليه السلام) إنقاذ الشيعة او المسلمين ولا الكتابيين ولا حتى الملحدين، بل باستنقاذ العباد، والعباد تشمل كل إنسان على وجه الأرض وفي كل زمان.
لقد بيّن الإمام الحسين (عليه السلام) سبب خروجه قائلاً : “إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي.. (بحار الانوار – جزء : 44 – صفحه : 329) في إشارة للإسلام الحقيقي بخلاف الإسلام المزيّف الذي واجهه (عليه السلام).

لقد ثار الإمام الحسين (عليه السلام) ضد الظلم والفساد والطغيان والإستبداد فأعطى الأمة دروساً في التضحية والفداء لتتحرّر من الجهالة وحيرة الضلالة


لقد ثار الإمام الحسين (عليه السلام) ضد الظلم والفساد والطغيان والإستبداد، فأعطى الأمة دروساً في التضحية والفداء لتتحرّر من الجهالة وحيرة الضلالة. الجهالة التي استخدمتها السلطة آنذاك كسلاح فتاك يَسْهُلُ تفشّيه خاصة في مجتمع متحلّل من القيم وبين أناس تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ما بيّنه الإمام الحسين عندما قال : “ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه” إلى أن قال : ” الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فاذا محّصوا بالبلاء قل الديّانون”… في إشارة منه (عليه السلام) الى حيرة الضلالة التي يعيشها الناس. نتيجة ماذا؟ نتيجة الجهالة المتفشّيه في المجتمع والتي أدّت إلى تعطيل الفكر وتبوأ شرار النّاس زمام الحكم، كيف لا وقد نبّههم الإمام علي (عليه السلام) قائلا:” لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم”…
نعم، لقد استطاع الأمويّون أن يفشوا الجهالة بين النْاس عن طريق:
_ تغذية الأفكار الضّالة. تغييب الوعي الحقيقي بالرسالة المحمديّة. إعادة إدخال بعض عادات الجاهلية إلى المجتمع.
عزل أهل البيت (عليهم السلام) الإمتداد الطبيعي لرسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه وآله) والذين يحملون جوهر الإسلام الحقيقي. تنصيب الظالمين والفاسدين (كعبيد الله بن زياد) ولاةً يتحكمون بالناس ترغيباً وترهيباً. ضخ المال السياسي وشراء الذمم.
_ وضع الاحاديث المسيئة للإسلام لإعطائه طابع إرهابي بحيث يصعب رفع هذه الشبهة عنه.
وقد كان نتاج هذه الممارسات:
_ قتل الإمام الحسين عليه السلام سنة ٦١ ه.
_ استباحة المدينة المنورة ثلاثة أيام سنة ٦٣ ه.
_ رمي الكعبة بالمنجنيق وهدمها سنة ٦٤ ه.
لم يكن الخيار العسكري هو الخيار الوحيد الذي استخدمه الإمام الحسين (عليه السلام) وهو صاحب مقولة “لا أحب أن أبدأهم القتال” بل إنه اعتمده كخيار دفاعي بعد أن انقطعت به سبل الإقناع، فقد أعذر في الدعاء أي جدّ واجتهد في تقديم الحجج الثابتة والأدلة الدامغة، ومنح النصح أي بالغ في تقديم النصائح لهم ولما لم يقبلوا منه ذلك، بل اصرّوا على إرغامه على الرضوخ للظالم، قال عبارته الشهيرة:”لا واللّٰه لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد” ليقدّم للأمّة جمعاء دروساً عظيمة في الإباء.

لم يكن الخيار العسكري هو الخيار الوحيد الذي استخدمه الإمام الحسين (عليه السلام) وهو صاحب مقولة “لا أحب أن أبدأهم القتال” بل إنه اعتمده كخيار دفاعي بعد أن انقطعت به سبل الإقناع


ما أشبه اليوم بالأمس، بل ما أسوأ اليوم مقارنةً بالأمس، وما أحوجنا إلى تطبيق فكر الحسين ونهج الحسين في زمن كثر فيه اليزيديون منطقاً وتفكيراً وتطبيقاً فعمّ الفساد وزاد الظلم والاستبداد وقُمعت الحريّات وحورب العقل والفكر ليطغى التعصب والتكفير.
لقد ضحى الحسين (عليه السلام) بروحه وقدّم دمائه قرباناً ليطهّر به أفكارنا ونفوسنا من الجهالة وحيرة الضلالة، حتى نعيش الحسين فكراً ووفاءً وعطاءً وإباءً ، فنسموا بهذا الفكر الطاهر إلى مصاف الأولياء.

السابق
كم بلغ دولار السوق السوداء صباح اليوم؟
التالي
الإمام شمس الدين يتلمس ثورة الحسين.. الأخلاق وتحطيم الإطار الديني المزيف