وغاب «الموسيقار الذهبي» ايلي شويري!

وغاب الموسيقار الذهبي إيلي شويري!كيف تجرّأ الموت وقطف نجمة الحياة التي شعشعت في أيام زمننا وجعلتها وهج الصحوة الكبرى. فنان موسيقار متميز بجملة أعمال فنية موسيقية وألحان وأعمال غنائية ومسرحية استعراضية هادفة رفعته الى مرتبة الكبار. فنان بصوت ذهبي وألحان ذهبية ، وحضور مسرحي غنائي ذهبي لافت ومميز.
إنه الكبير الفنان ايلي شويري الذي أغنى المكتبة الموسيقية العربية بأعماله الموسيقية والغنائية والمسرحية، واستمر حتى يومه الأخير في مكانته الفنية العالية.
الراحل الكبير من مواليد بيروت ، سنة 1939، عاش في بلاده لبنان، في بلدة بزمار، حيث الهدوء يجلب الطمأنينة والتأمل والصفاء الذهني…
والوصول الى بزمار متعة للنظر والنفس ، واللقاء بالفنان ايلي شويري في تلك المساحة الجبلية، متعة تفوق كل متعة، أن تجلس الى مائدة فنان عريق مبدع خير من ألف إصغاء.
وكانت زيارتي للراحل قبل أكثر من عقد، لحوار مطول مع شويري الذي رحب بلقائي،فأسرعت إليه وحاورته…وفور ورود خبر رحيله، تحركت ذاكرتي، وألحت علي نشر بعض وقائع حواري معه في بيته العالي في بزمار:
ــ أول الكلام ، يفتخر ايلي شويري بكونه ولد في العصر الذهبي الفني، مع محمد عبدالوهاب وأم كلثوم ورياض السنباطي وعبدالحليم حافظ وكارم محمود ومحمد عبدالمطلب وفايزة أحمد … وسواهم من عمالقة الفن الذين رسموا خارطة الاغنية العربية بحناجرهم الصافية ، ويقول :
” الزمن الجميل الذي بدأ في القرن الماضي هو عصر الجمال ، وزمن الموسيقى الحقيقي والأصيل ، وكل ما هو فني موسيقي ابداعي اليوم هو نتاج ذلك الزمن الجميل بامتياز “.


ــ بداية رحلته مع الفن كانت عند تقاطع البحث والمعرفة ، فكانت انطلاقة الموسيقار . لم يكن يعلم ايلي شويري أن حادث السير الذي تعرض له وتسبب بكسر في يده سيشكل انطلاقته في عالم الفن، وبالتحديد في الاذاعة الكويتية عام 1960 حين دعاه صديقه الى الكويت لتمضية فترة نقاهة واستجمام، وكان في العشرين من عمره. فجمعته الصدفة يومها بالملحن الكويتي الراحل عوض الدوخي الذي راح يشجعه على تعلم العزف على العود مع زميله مرسي الحريري، وهو ملحن مصري كفيف.
ــ يقول شويري : ” بقيت في الكويت أكثر من سنة، أحييت خلالها بعض الحفلات الصغيرة وتعرفت على الموسيقى وتعلمت ايقاعاتها “.
ــ أضاف قائلاً : “في منتصف عام 1962 وصلت الى الكويت فرقة «الانوار» اللبنانية ضمن جولة فنية كانت تقوم بها، وكانت تتألف من عدة مطربين لبنانيين بينهم وديع الصافي وسعاد الهاشم وزكي ناصيف وتوفيق الباشا، ومنذ تلك اللحظة استيقظ الفؤاد على هوى الغناء والموسيقى والطرب “.
ــ وسرعان ما استيقظ الحنين في نفس االفنان ايلي شويري وقرر العودة الى بلاده بعدما حضر عرضاً للفرقة، مزوداً برسالة من أحد الاصدقاء في الكويت تطلب من موسيقي مصري يدعى جورج شمعة ويعيش في لبنان ان يدعم موهبة ايلي ويساندها. وهكذا كان. أصبح شويري عضواً في فرقة كورال تضمه الى شمعة ونقولا الديك. فكان من ضمن الفريق المرافق لعدد من الفنانين بينهم فهد بلان ونزهة يونس…
يتذكر شويري ويقول : ” في عام 1963 علمت أن هناك تحضيرات تجري في الكواليس لإحياء مهرجان بعلبك بإشراف الموسيقار روميو لحود. فقصدته في مكتبه، ومن هناك انطلقت مع لحود في نزهة بسيارته الى الاشرفية، وفي ذلك الوقت وعدني لحود بإسناد دور لي في مسرحية “الشلال”، وكان ما كان لي “.
ــ أما المرحلة الأهم في انطلاقة الفنان شويري فكانت مع الأخوين رحباني . ففي تلك المرحلة كان الأخوان عاصي ومنصور الرحباني يبحثان عن وجوه فنية جديدة، فأعجبا بأداء ايلي شويري على المسرح، فضماه الى أعمالهما ، وهكذا بدأت رحلته مع الفن الأصيل، ويعترف شويري ويقول :
” فرصة لقائي وتعاوني مع الأخوين رحباني ساهمت كثيراً بتعرفي على موهبتي الفنية “.
ــ شارك شويري مع الرحابنة في 25 عملاً مسرحياً ، منها : “الشخص” ، ” فخر الدين” ،”الليل والقنديل” ،”صح النوم” ، “دواليب الهوا” ، وفيلم “بياع الخواتم”.. ـ لم يكتف الفنان ايلي شويري بوقوفه الى جانب الكبار، فأطلق العنان لأعماله ، حيث كتب “بلدي” و”انت وانا يا ليل” ، من شعره وألحانه وغناء وديع الصافي.
ــ يتذكر شويري كثيراُ ، ويستحضر ، ” تلك الحقبة وكأنها حلم من قصص الأساطير” ، خولته خوض أجمل وأهم التجارب الفنية، فقد غرف من نبع الفن ورافق زمن النبلاء مع عباقرته، فتأثر بالأخوين رحباني حتى الثمالة ، رافضاً ان يعود الى اليقظة في لحظة ما… (ولا يزال حتى اليوم)، وعندما يريد التخلص من شوائب الحياة وضغطها يغمض عينيه ويسبح في أيام طفولته ، في أغاني ايليا بيضا والياس ربيز والمواويل البغدادية التي كان يرددها في مكان حلويات كان يملكه خاله عبدو خشون في الأشرفية ويلتقي فيه أهل الفن أمثال وديع الصافي وزكية حمدان وحمد غازي وميشال خياط وسواهم من كبار الذاكرة الفنية ، ويقول ويتذكر :
“كنا نعيش في الفضاء الذي لا يدوسه الانسان… أصحو على صوت الأذان في جامع البسطة الذي صار في ما بعد بمثابة المدرسة التي تعلمت منها الاداء وتقنية الصوت…”
أضاف:” لقد كنت مسحورا بالفن بالفطرة ولم أكن أنوي يوماً أن أتحول الى فنان ” ، بهذه الكلمات القليلة حاول أن يصف شويري حلمه الذي كبر لاحقاً وجعله أحد روّاد الأغنية في العالم العربي.
ــ عام 1966 تزوج شويري من عايدة أبي عاد ورزق منها ثلاث بنات: نيكول وكارول وسيلينا. وكان أوجد واهتم وحقق شهرة أكثر من فنان وفنانة ، منهم :الفنانة داليدا رحمة ، فكتب لها مسرحية “قاووش الافراح” ، وغنت له الأغنية الشهيرة “يا بلح زغلولي” التي صارت على كل شفة ولسان. وكذلك غنت له ماجدة الرومي “سقط القناع” و”مين النا غيرك” و”ما زال العمر حرامي” .
كذلك تنافست كل من صباح وسميرة توفيق على اداء أغنية “أيام اللولو” التي أثارت ضجة في عالم الغناء ، وراجت بشكل لافت لدى المطربين، بعد أن أدتها كل منهما على طريقتها.
– الفنان الموسيقار ايلي شوير هو اليوم في مساحته الجميلة والهادئة ، يعيش حياته على مهل ، وهو اليوم ، كما بالأمس وغدا؛ يحدق بالزمن والانسان ليستخرج وهج ما سوف يأتي ويبقى. يدون ويلحن ويغني أنشودة الأمل.
(انتهى ملخص حواري معه)
وداعاً أيها الموسيقار الذهبي الصديق الكبيرايلي شويري.

السابق
انخفاض بأسعار المحروقات
التالي
كم بلغ دولار السوق السوداء؟