السنيورة: لبنان يعيش بمنطقة زلزالية ويتعرّض لإنهياراتٍ كبرى

فؤاد السنيورة

أعلن الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة “أن لبنان يعيش في منطقة زلزالية جيولوجياً وسياسياً، ويتعرّض حالياً لانهياراتٍ كبرى على كل الصعد الوطنية والاقتصادية والمالية والسياسية والنقدية والمعيشية”، معرباً عن اقتناعه بأن “القيمة الأساسية للبنان تكمن في أنه بلد العيش المشترك الحقيقي”.

وقال السنيورة في إطلالته مساء الاثنين عبر برنامج “مع بوشعيل” الذي يقدّمه الفنان نبيل شعيل على تلفزيون “الراي” – الكويت “إن علينا أن نعود إلى الفكرة التي أطلقها البابا يوحنا بولس الثاني خلال زيارته للبنان العام 1997 حين قال “أنتم أكثر من وطن، أنتم رسالة للبنانيين وللإقليم والعالم، رسالة العيش المشترك وقبول الآخَر. وهذا الأمر ما زال لبنان يمثّله. وهناك دعوات للتكفير بهذا المبدأ، وأعتقد أنها كلها نسيج في الهواء”.

وأكد أن “لبنان بحاجة إلى أشخاصٍ يعودون إلى التمسّك بالمبادئ، من أجل أن يكون للبنان دولة ذات قرار حرّ. وهذه المحاولة تستحقّ من كلّ شخص مُحِبّ للبنان أن يعود للتأكيد عليها وليس أن تحصل الانتخابات (الرئاسية) كيفما كان، وبالتالي تسليم قيادة البلد لمَن لا يريدون مصلحته. وهناك إمكانية لإخراج لبنان من المأزق ولكن هذا الأمر بحاجة إلى ما يسمى باستعادة ثقة اللبنانيين بالغد”.

لبنان بحاجة ليعود دولة ذات قرار حرّ ولا لتسليم قيادته لمَن لا يريدون مصلحته

وحين سئل “هل مَن يسمع هذا الكلام؟”، أجاب: “نعم، ولكن الناس الذي يسمعون ليسوا مَن بيدهم القيادة. ومَن في يدهم القيادة ليس كلهم قيادتهم داخلية، فقسم منهم مُوَجَّهون من إيران”.

 وعمّا إذا كان هناك بصيص أَمَلٍ بمستقبل لبنان، قال: “نحاوِلُ مُلْكاً أوْ نَموتُ فَنُعْذَرا (امرؤ القيس)”. أي أن يكون لنا شرف محاولة أن نعيد بناء بلدنا، وهذا واجب علينا، وبالتالي ينبغي أن نوجِد هذه الاندفاعة لدى اللبنانيين على قاعدة أن ما نحن فيه لا يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار والحروب الداخلية”.

وأضاف: “عندما وَقَفَ تشرشل ليُصارِح الانكليز، قال لهم أنا لا أعِدكم بأي شيء سوى مزيد من الدموع والآلام، ولكننا سننتصر في النهاية. وأعتقد أن على القادة في لبنان أيضاً أن يتصرّفوا على قاعدة أنه لا بد أن نُنْقِذَ بلدَنا. فعدم إنقاذ لبنان عدوى لمزيد من التَشَظّي في المحيط”.  

وعن كيفية تلقيه خبر اغتيال رفيق دربه الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، قال: “بعدما توليتُ وزارة المال لعشر سنوات على مرحلتين، كنتُ اتخذتُ قراراً بالتوقف عن العمل السياسي كوزير، وعدتُ إلى العمل المالي والمصرفي. وكنتُ يومها في مكتبي، علماً أنني التقيتُ بالرئيس مساء السبت (اي قبل يومين من الاغتيال) وزرتُه وكان متألّماً جداً من طريقة التعامل معه من النظام السوري. واتفقنا على أن نلتقي مجدداً بعد أيام. ويوم الاثنين 14 شباط 2005، وقرابة الواحدة إلا بضع دقائق من بعد الظهر، دوى انفجارٌ اعتقدنا حينها أنه جدار للصوت. وثم من مكتبي القريب جداً من موقع الانفجار والذي تحطّم زجاجه، رأينا الدخانَ المتصاعد، وبدأت تتوالى الأخبار التي كان وقعها مثل الصاعقة عليّ، وقد أُغمي عليّ وعاينني طبيبٌ. لأنني لم أفقد فقط صديقاً وأخاً كبيراً ورجلاً نبيلاً بكل ما للكلمة من معنى، فلبنان خسر رجلاً استثنائياً. وفي ضوء ما شهده العالم العربي من أحداث مترابطة بعد هذا الاغتيال، ندرك أن ثمة مَن كان يضمر الشرّ لِما يُسمى ظاهرة رفيق الحريري. ظاهرة عروبية لا تقتصر على لبنان بل كانت على مستوى أقطار عربية أخرى. والاغتيال بأبعاده وارتداداته هو مأ أعادني إلى السياسة”.

وأشار إلى أنه تولّى رئاسة الحكومة العام 2005 “بترشيحٍ من الرئيس سعد الحريري كونه ابن رفيق الحريري ولديه الرمزية، وهو رجل أكنّ له كل الاحترام والمَحبة”، وقال: “رشّحني سعد الحريري، وأنا اعتذرتُ حينها ولكنه أصرّ كونني كنتُ الأقرب للرئيس الشهيد، وهذا الأمر سلك بعدها مسارَه الدستوري عبر البرلمان”.

الرئيس رفيق الحريري هرّب جورج حبش من سورية إلى لبناند

ولفت إلى أنه “في تلك المرحلة لم نكن نعرف من أين تأتي المصائب علينا وتتوالى الأحداث”، وقال: “في الفترة التي كنتُ ما زلتُ مكلفاً تأليف الحكومة، حصلتْ محاولة اغتيال الياس المر الذي كان مرشحاً لدخول الحكومة، علماً أنه قبل 14 شباط كنا شهدنا محاولة اغتيال مروان حماده، وبعد استشهاد الرئيس الحريري كرّتْ سبحة الاغتيالات ومحاولات الاغتيال وكان الكلام يكثر عن اغتيالات ستحصل”.

وأضاف: “تألّفتْ الحكومة على وهج المَخاوف من الاغتيالات. وحتماً كنتُ في دائرة الاستهداف، وحينها اتخذتُ قراراً بملازمة السرايا الحكومية في غالبية الأوقات، بعدما بات الوزراء وكأنهم عرضة للاغتيال في أي لحظة. واغتيل الوزير بيار الجميل الذي كان عضواً في حكومتي، كما اغتيل آخرون، وهذا الأمر تَرافق مع صعوبات سياسية، إذ كان ثمة محاولات من “حزب الله” لوضع يده على الدولة اللبنانية، وهذا ما حلتُ دونه”.

وحين قيل له: هناك من اتّهمك بأنك كنتَ ضدّ المقاومة في تلك الفترة، أجاب: “هذه التهمة الجاهزة والمعلّبة، وتُستخدم في وجه كل شخص لا يوافقهم الرأي. وأنا مَن أطلقتُ آنذاك عبارة: انتهى زمن فحص الدم. أي كل يوم يُراد إخضاعنا لفحص دم في وطنيّتنا وعروبتنا. وفي تلك الفترة أيضاً واجهتْنا مطبات أخرى مثل الاعتصامات التي حصلت ابتداءً من أواخر 2006، وقبْلها ما عُرف بغزوة الأشرفية (شباط 2006) وما تخللها من حرق سفارات وأمكنة دينية، وكان الهدف دفْع الحكومة للاستقالة. وهذا أمر عالَجْتُه بدرجةٍ عالية من الحكمة والتبصر”.

إقرأ ايضاً: بالفيديو: «حزب الله» يُهرّب مطلقي النار في بريتال قبل مداهمات الجيش!

وتحدّث عن الاجتياح الاسرائيلي في 12  تموز 2006 “الذي جاء خلافاً لكل الوعود التي قدّمها السيد حسن نصر الله قبْلها من أنه لن يكون هناك أي عمل حربي، وإذا كان سيحصل شيء فسيكون تذكيرياً وليس حربياً حقيقياً”.           

وخلال الحلقة روى الرئيس السنيورة تفاصيل علاقته بالرئيس رفيق الحريري منذ زمن المدرسة ويوم كانا في حركة القوميين العرب، وحتى مغادرة الأخير الى السعودية في الستينات، وإطلالته على الشأن اللبناني في  1977 ودعوته لي للانخراط معه.

لازمتُ السرايا على وهج الاغتيالات وكنتُ في دائرة الاستهداف

واستحضَرَ ما كان يرويه الرئيس رفيق الحريري عن كيف قام يوماً بتهريب جورج حبش (مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) من سورية إلى لبنان، وقال: “كان يذكّرني كيف جاءه يوماً شخص يطلب وظيفةً. فقال له الرئيس الحريري: من أين أنتَ؟ فأجابه: أنا من البقاع ومن بلدة صغيرة وبيوتها قليلة، وأشكّ في أنك تعرفها. وبعدما استفسرَ عن اسم البلدة، عدّد لهذا الشخص مَعالم فيها، ليفاجأ الرجل. فالرئيس الحريري مرّ بها خلال تهريبه جورج حبش من سورية”.

قبل اجتياح تموز 2006 كان نصر الله وَعَد بأن أي عمل سيحصل لن يكون حربياً بل تذكيرياً

وعن علاقة لبنان بدولة الكويت قال الرئيس السنيورة: “العلاقةُ كانت دائماً قائمة على الأخوة والصداقة والمَحبة والرغبة في التعاون والتكامل بين بلديْن شقيقيْن ويتمتعان بصفات من التماثُل في حجمهما وجيرانهما، وفي الحريات والإعلام والتعليم، وأيضاً في الطبائع. ولبنان كان يَعتمد دائماً على الكويت، كما أن الكويت كانت ترسل طلابها ومصطافيها إلى مؤسساته التعليمية وربوعه. وما شكّل علامةً فارقةً كان الموقف الذي اتخذه الرئيس سليم الحص – وهو أستاذي وأكنّ له كل الحب والاحترام – يوم اجتياح الكويت حيث كان أوّل من دان الاجتياح ورَفَضَ أن يعتدي أي بلد عربي على آخَر، ولم يكن في هذا الموقف يراعي مصلحةَ الكويت فقط بل مصلحة لبنان بالدرجة الأولى، لأن مَن يتساهل حيال اجتياح الكويت كمَن يعطي ذريعة للآخَرين للتساهل مع أي اجتياحٍ للبنان. وأعتقد أن هذا الموقف ما زال يحفر عميقاً في وجدان الكويتيين، بأن لبنان كان أول دولة عبّرت عن إدانتها لاجتياح بلدهم”.

وأكد أنه يَحْفظ الكثيرَ من الودّ والمَحبة للشعب الكويتي ودولته وللمسؤولين في الكويت، مذكّراً بأن سمو الأمير الراحل شيخ صباح الأحمد الصباح كانت له مساهمة كبيرة في التوصل إلى اتفاق الطائف “والكويت كانت من ضمن المجموعة الخماسية، والشيخ صباح رحمه الله لعب دوراً مهماً وأساسياً”، وأضاف: “في أول زياراتي للكويت (كرئيس حكومة)، كان أوّل اتفاق عقدناه مع دولة الكويت ترتيب التعاون على صعيد استجرار مواد نفطية لزوم الكهرباء، علماً أن الصندوق الكويتي والصندوق العربي كانا مساعدين أساسيين للبنان خلال الفترة التي كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يتولى رئاسة الحكومة”.

وذكّر أنه بعد عدوان يوليو 2006 الاسرائيلي على لبنان “كانت الكويت من أوائل مَن وقفوا بجانبنا مع المملكة العربية السعودية، وبعدها داءت قطر ودولة الإمارات وآخَرين”.

السابق
هزة أرضية شعر بها سكان البقاع وعدد من المناطق
التالي
إجتماع جدة التشاوري..وحدة سوريا وإعادتها لمحيطها العربي