كدت أن أصبح على غفلة مني عرّابا لشاب اعتنق المسيحية

غسان صليبي

أجبته “نعم بالتأكيد”، عندما طلب منّي على الهاتف ان أكون عرّابه في حفل عمادته. هو من طلاّبي في الجامعة وقد أصبحنا صديقين. كان قد أخبرني سابقاً انه يريد إعتناق المسيحيّة، هو المولود على غير دين. وقد تابع مساراً كنسيّاً قبل عمادته.

في البداية سألني إذا كنت أحب أن أحضر حفل عمادته، فأجبته “بكل سرور”، لكنّه عاد وفاجأني وطلب منّي ان أكون عرّابه.

اعترف أني لم أكن أدرك ماذا يعني بالتحديد أن تكون عرّاباً لشخص “يتعمّد”. مع ذلك لم أتردّد لحظة بالإجابة بــ “نعم بالتأكيد”. أحب هذا الشاب وأحب يسوع الذي يريد ان ينتسب إليه، فهل أحتاج لأكثر من ذلك للموافقة؟

“ليست المسألة بهذه السهولة” قلت في نفسي، بعد أن “راحت السكرة واجت الفكرة”. فأنا إنسان لا أدَري، لا مؤمن ولا ملحد، أطرح الأسئلة الماورائيّة ولا أجد لها أجوبة، فأجيب بكل صدق “لا أدري”، عندما يسألني أحدهم إذا كنت مؤمناً أو ملحداً. فكيف يمكنني بهذه الحالة أن أكون عرّاباً لشاب يريد أن يعتنق الدين المسيحي، الذي يفترض فيما يفترض الإيمان بالله، وبأن يسوع هو ابن الله في الثلاثيّة المقدّسة “الله والابن والروح القدس”، التي لم أتمكّن من فهم جوهر معناها حتى الآن؟

تفاقمت البلبلة في رأسي عندما فتّشت عن معنى “عرّاب”. وأتاني الجواب على الشكل التالي: “انه الكفيل الذي يحضر عمليّة تعميد الطفل ويتولّى مسؤوليّة رمزيّة تجاهه”. أخافتني كلمة “كفيل” وأراحتني كلمة “مسؤوليّة رمزيّة”. فهل المقصود أن “أكفل” بقاء صديقي المسيحي على مسيحيّته، أنا الذي لا أرى في المسيحيّة سوى إنسانيّة مطلقة؟ “هوّنها عليك يا غسان” قلت في نفسي، فمسؤوليّتك “رمزيّة”. هل إختارني صديقي لمعرفته التامة بنزعتي الإنسانيّة وبتعلّقي بشخص يسوع من هذا المنطلق، وقد عبّرت عن ذلك بوضوح في كتابي “إنسانيّة يسوع”؟ وهل يريدني ان أتحمّل مسؤوليّة “رمزيّة”، بصفتي من اساتذته في شؤون الدنيا، فأحرص على أن تبقى نزعته الإنسانيّة هي الطاغية في “مسيحيّته”؟

كنت أستعد بكل محبة، للقيام بالمهمّة الموكلة اليّ، متسائلاً في أعماقي إذا كان صديقي يتوخّى من خلال إختياري عرّاباً له، ان يشهد هو على عمادتي. لكن صديقي عاد واتصل بي معتذراً، ليعلمني أن “كنيسته” لم توافق على أن أكون عرّابه، لأنني ولدت على مذهب مسيحي آخر. صديقي كسر قيوداً دينية ومجتمعيّة هائلة لينتقل من دين الى دين آخر، بغضّ النظر من أي دين الى أي دين، فيما “كنيسته” يصعب عليها قبول عرّاب من مذهب آخر من الدين نفسه. يا لها من مسخرة دينيّة شهدت عليها، بدل أن يشهد صديقي على عمادتي. ان ما شغل بالي لم يكن في بال “كنيسة” صديقي، التي على ما يبدو، لديها أولويات أخرى اكثر أهميّة، تتعلّق بالمصلحة العليا لــ”كنيستها”.

ليس عليّ أن اغضب وأدخل في هذه المتاهات، طالما اني مقتنع، أن صديقي لا يحتاج، لا الى عمادة ولا الى عرّاب، فهو محب، وهذا يكفي ليكون مسيحيّاً.

السابق
بالفيديو: على وقع خفض الإنتاج عالمياً.. أبوشقرا لـ«جنوبية»: لا أزمة محروقات محلياً!
التالي
مخالفات البناء في الزهراني تابع.. مواجهات بين القوى الامنية والأهالي!