«لبنان العربي منذ 2005».. متري في ندوة «جنوبية»: الطائف لم يحد من التدخلات والانهيار زاد عزلة لبنان

عصفت بلبنان سلسلة من المتغيرات قلبت موازين السياسة فيه، بحكم تطورات لم تخلو من التحديات، التي لا تزال تواجه البلاد منذ قرابة 18 عاماً جراء انعكاسات ما تشهده المنطقة، كما الداخل اللبناني وعلاقاته بمحيطه، وهو ما أضاءت عليه ندوة "لبنان العربي منذ 2005 حتى اليوم"، من حرب 2006 مروراً بـ"النأي بالنفس" وصولاً الى "العزلة العربية والحياد"، والتي نظمها "منتدى جنوبية"، وفنّد خلالها وزير الخارجية الأسبق الدكتور طارق متري تفاصيل تلك الحقبة بدقّة المواكب والمطّلع على الحيثيات.

في بانوراما مفصّلة تعكس تجربته ومواكبته للأحداث والمتغيرات التي شهدها لبنان على مدى قرابة عقدين في المجالين السياسي والديبلوماسي، تحدث متري بالتفصيل عن المطبّات التي مرّت بها البلاد والمستمرة حتى الآن، وذلك خلال الندوة التي أقيمت في مكتب “جنوبية” وأدارها الدكتور حارث سليمان، وتخللها نقاش حول مستجدات الساحة اللبنانية في الحقبة الممتدة من تلك الفترة وحتى اليوم، في حضور، الى رئيس تحرير “جنوبية” الصحافي على الأمين، الوزير السابق ابراهيم شمس الدين، السفير السابق سيمون كرم، الدكتور انطوان حداد، الدكتور علي خليفة، مالك مروة، أحمد عياش، حسن فحص، بشارة خيرالله، منير الربيع، مجيد مطر، كفاح فرحات، علي قشمر، عياد مهنا، هادي الأسعد، يوسف الزين، نضال ابو شاهين، حمزة خلف، جو نحاس، مايا هاشم، احمد خالد حمادة، بسام جميل، سهيل ناصر وشخصيات.

خلال الندوة

سليمان: أكاديمي بامتياز وصاحب رأي وفكر وانتماء من المراهقة الى النضوج السياسي، عرض سليمان لمسيرة متري الذي وصفه بأنه “سياسي وأكاديمي بامتياز وصاحب رأي وفكر وانتماء”، لافتاً الى أن “الكتاب كان صديقه ونديمه وسميره، بدأ قراءته مع جرجي زيدان، ثم لسبب أو لآخر وربما لأرثوذكسيته، مال وأعجب بالأدب الروسي، و نظراً لحادثة اصابة والده في عينيه، كان يقرأ الأدب الروسي وغيره عن أبيه ولأبيه، لهذا كان متأصلاً في الأدب والثقافة والإطلاع على التراث”.

الدكتور حارث سليمان

تطرق سليمان الى “رحلة الشاب الطرابلسي الذي انتمى روحياً إلى جلال الدين الرومي، فهو تعلم في الجامعة الأميركية وتخرج منها باختصاص العلوم السياسية والفلسفية، ثم أكمل دراسته في Paris Nanterre ليحوز شهادة دكتوراه الدولة، بعد ذلك كان استاذاً جامعياً في هارفرد، كما علّم في جامعة البلمند، ثم في وقت لاحق أصبح مديراً لمؤسسة عصام فارس ولكرسيها في الجامعة الأميركية، وهو اليوم رئيس جامعة السان جورج الناشئة في بيروت، وعرض “لمسيرته كسياسي، فلفت الى “أنه عُيّن وزيراً للبيئة، ثم وزيراً للتنمية الإدارية والإصلاح الإداري في حكومة ميقاتي في العام 2005، ثم وزيراً للثقافة في حكومة السنيورة التي شُكّلت بعد ذلك، ثم وزيراً للإعلام في العام 2008 في الحكومة التي شُكّلت بعد الدوحة ثم ممثلا ً للأمين العام للأمم المتحدة فيها”.

أسهب سليمان في الإضاءة على” مسيرة متري كناشط سياسي واجتماعي وثقافي، فهو رئيس لجنة المتحف التركي الذي دُمّر تماماً وأعيد بناءه وترميمه على يديه، وأيضاً عضو في الهيئة العليا لمجلس الكنائس العالمي وصاحب مبادرات كثيرة متعلقة بالحوار ومبادرات الحوارات وحوار الأديان، وعضو في مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، هو كاتب أيضاً وقام بإصدار العديد من المؤلفات”، واصفاً “إياه بأنه صانع الـ1701 وصاحب تجربة غنية في الديبلوماسية”.

سياسة المحاور العربية ومن ورائها الأحلاف الدولية جعلت لبنان يتحول إلى أرض منازلة

وأوضح سليمان “أننا كلنا نعلم إننا جزء من معركة وحرب لبنان هي هوية لبنان العربي، أصبح لبنان عربياً، ثم أصبح بشكل او بآخر، كان هناك تنظير وحدة المصير والمسار، وأن سوريا هي المعبر الطبيعي والإلزامي للبنان إلى العالم، وبعد الانسحاب السوري، ماذا حل بعلاقات لبنان العربية؟، هذا هو السؤال المفتاح، وكيف قامت المنظومة السياسية في لبنان في إدارة هذا الملف؟، ماذا فعلنا مع العرب من أجل لبنان وماذا فعل العرب معنا من أجل لبنان”، مشيراً الى “أن متري هو خزانة كبيرة لكي نطلع عليها ويفتح لنا أسرار العلاقات العربية مع لبنان والكثير من الخطايا والأخطاء التي ارتكبها العرب في حق لبنان والتي ارتكبها بعض اللبنانيين بحق العرب”.

وزير الخارجية الأسبق الدكتور طارق متري

متري: مشروع الحياد بدا غير مكتمل المواصفات والنأي بالنفس “حيلة” تفادياً للحرج

اختار متري في مستهل مداخلته أن يعرض تجربته الأخيرة مع محلل سياسي وجّه له سؤالاً من باب استفهام العرف وأسهب في شرح دوافع الاتفاق بين السعودية وإيران بوساطة صينية”، وأشار” الى أن المحلّل” فصّل ما رأى أنه محتواه الحقيقي لا المُعلن، وتحدث عن مفاعيله في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، كما استنتج، من دون جهد كبير، أن الاتفاق يستعجل انتخاب رئيس الجمهورية عندنا، مرجحاً فوز سلميان فرنجية”، قائلاً:”لم تنفع معه محاولاتي الداعية إلى التريّث وإلى عدم اصطناع علاقة مباشرة بين الخارجي والداخلي في الحالة اللبنانية. بالغت قليلاً في ردة فعلي الداعية للفصل بينهما. وحسبت أن ترددي في تفسير تعارضات الداخل اللبناني وتوقع مآلاتها على ضوء ما يجري في الإقليم، هو في حقيقة الأمر تردد في النظر إلى أوضاع الإقليم من زاوية المصالح السياسية اللبنانية”.

وأوضح أنه “بطبيعة الحال لا يدفعه هذا التردد إلى نفي تأثيرات العلاقة التفاعلية الجدلية، بين التناقضات الداخلية، الطائفية بصفة خاصة، والمصالح السياسية في الإقليم خصوصاً، وفي الخارج عموماً، فكثيراً ما تستند التدخلات الخارجية إلى أطراف في الصراعات الداخلية وتستعين القوى الداخلية، في نزاعاتها ومنافساتها، بالدعم الخارجي، فعلياً كان أم متوقعاً. بعبارة أخرى، نرى في بعض الأحيان أن السياسات الخارجية، العربية والدولية، حيال لبنان تتوسل النزاعات الداخلية ساخنة كانت أم باردة بالمقابل تعتمد القوى السياسية ذات القاعدة الطائفية، لا سيما إن سمحت إمكاناتها، ما يشبه السياسية الخارجية الخاصة بها”.

بقيت التسويات موضعية أو مؤقتة حتى تحقق توافق عربي ودولي حول النفوذ السوري

واعتبر متري أنه “غير أن القوى السياسية المحلية ليست كلها مرتبطة بالخارج بالطريقة نفسها ولا بالقوة نفسها، أي أنها ليست متساوية في اعتمادها على الخارج ولا في استدعائها تدخلاته. وعلاقات الحماية أو الصداقة التي تربط الداخل بالخارج تغيرت على مدى العقود الأخيرة وباتت عند البعض ضعيفة قياساً بالماضي. ولكننا نجدها عند البعض الآخر بلغت من الديمومة والمتانة ما لم يعرفه تاريخ لبنان”.

رئيس تحرير “جنوبية” الصحافي على الأمين والصحافي احمد عياش

وتحدث عن تسوية الميثاق الوطني، الذي تأسس عليه نظام لبنان السياسي، حيث تم التوافق على الحد من تأثير الولاءات الخارجية على سياسة لبنان الداخلية وعلى علاقاته مع الدول العربية ودول العالم، فلفت الى أن ” سياسة المحاور العربية، ومن ورائها الأحلاف الدولية، جعلت لبنان يتحول إلى أرض منازلة قبيل أحداث 1958 التي شهدت انقساماً داخلياً حول التجديد لرئيس الجمهورية وخلافاً حول الانحيازات الخارجية واستثمارها في النزاع المحلي على رئاسة الجمهورية”، وقال:” نقرأ في المحفوظات الأميركية أن السفير الأميركي، متأثراً بمحادثاته، مع شارل مالك يرى لبنان بصورة حقل مواجهة كونية وعربية فيما مدير محطة وكالة المخابرات المركزية، بحكم اطلاعه على أوضاع الميدان اللبناني، بحسب أن ما يجري في البلاد هو نزاع على السلطة في المقام الأول”.

الحضور خلال الندوة

أضاف:” بعد ذلك، استطاع الحكم اللبناني أن يلتزم جانب الحياد، وإن نسبياً، بين العرب والعرب وبين الدولتين العظميين، غير أنه تعذر الحفاظ على التوازن لفترة طويلة، وانتقل لبنان، لا سيما عند انفجار الحروب اللبنانية والملبننة، إلى حالة الساحة التي تدور فيها مواجهات داخلية وأخرى بالواسطة وهي وثيقة الصلة الواحدة بالأخرى. فتداخلت محركات الصراعات العديدة، المتزامنة والمتعاقبة، والتي دارت حول الانقسام بشأن الوجود الفلسطيني المسلح وضرورة إزالة الغبن الطائفي فضلاً عن إصلاح النظام السياسي وحسم الخلاف على الهوية الوطنية”.

وتابع:”لم يكن لبنان دائماً مجرد ساحة مواجهة مع إسرائيل وأرض حروب صغيرة وحروب بالواسطة فحسب، بل ساحة تسويات خارجية وداخلية أيضاً وبقيت تلك التسويات، في معظمها، موضعية أو مؤقتة حتى تحقق توافق عربي ودولي حول النفوذ السوري في لبنان”.

ورأى متري “أنه لم يؤد اتفاق الطائف، رغم الرعاية العربية الميسرة لصناعة اتفاق اللبنانيين على إنهاء حروبهم وإصلاح النظام السياسي، إلى الحد من التدخلات الخارجية واستعادة سيادة لبنان، ولو منقوصة، وإنتهاج سياسة مستقلة عن المحاور العربية وتحالفاتها الدولية. وارتبطت، في ظاهر الأشياء، عروبة فئة من اللبنانيين بالوصاية السورية، المقبولة أو المسكوت عنها من قبل الأطراف العربية الأخرى، ما خلا العراق، ولأسباب تتعلق بصراع البعثين والقائدين المستبدين المتحكمين بمصائرهما”.

ولفت الى “أنه في الفترة التي حاول فيها رفيق الحريري بترو صنع سياسة لبنان الخارجية، جرت محاولة للتوفيق بين عروبة التسليم بدور سوريا في لبنان وعروبة الاعتماد على السعودية. ولم يدم هذا التوفيق طويلاً بل أصبح أقرب إلى التوتر بين انحياز عضوي وطوعي للسعودية ومراعاة لسوريا تفرضها الضرورة. وبلغ التوتر مستوى مرتفعاً حين سعى رئيس وزراء لبنان إلى كسر احتكار سوريا لسياسة لبنان الخارجية”.

القوى السياسية المحلية ليست كلها مرتبطة بالخارج بالطريقة نفسها ولا بالقوة نفسها

الوزير السابق ابراهيم شمس الدين

وأوضح أن “بعد اغتيال الحريري، وبقوة المعارضة للسيطرة السورية، بدت العروبة الواقعية، عروبة المصلحة وعروبة الدول الصديقة للولايات المتحدة وأوروبا وبدت المصالحة بين اللبنانية والعروبة أقرب منالاً. ولعلها تحققت في علاقات تضامن مستجدة بين فئتين كثيراً ما تنازعتا حول هوية لبنان، وفي ذلك العام، بدا لأول وهلة أن خروج القوات السورية سيفتح المجال أمام ترميم البناء الوطني بدعم عربي وبظل اجماع عربي رخو على الموقف من إسرائيل وظنت فئة واسعة من اللبنانيين أنه بات بمتناولهم ألا يكون لبنان مجرد أرض منازلة. لكن الأمل، أو الوهم، لم يدم طويلاً. فسريعاً ما وجد لبنان نفسه. كما في حالات سابقة، متجاذباً بين معسكرين عربيين ودوليين، رغم أن علاقات طرفي الصراع الداخلي بالخارج لم تكن متشابهة، لا من حيث عمقها وثباتها ومبرراتها ودوافعها الظرفية أو استدامتها وحجم المصالح التي تؤمنها والإيديولوجية التي تسوّغها”.

وأشار متري الى أنه “ظهر ذلك عام 2006، أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان. فحظي حزب الله بتأييد عدد محدود من الدول العربية مقابل تأرجح باقي الدول وبين إدانة حزب الله وتحميله المسؤولية عن إلحاق الضرر بلبنان وبين التعاطف مع لبنان الضحية. ولم يكن التعاطف فاعلاً على الصعيد السياسي، رغم ما صدر عن بيان مجلس وزراء الخارجية العرب المنعقد في بيروت وللدعم المعنوي المقدم من الوفد العربي في المفاوضات الدبلوماسية في نيويورك، والذي لعبت فيه قطر دوراً بارزاً، بفعل عضويتها في مجلس الأمن وتشعب علاقاتها داخل لبنان وفي العالم. وكان التعاطف بعد الحرب كبيراً على الصعيد الإنساني، فأسهمت السعودية وقطر وغيرهما من الدول الخليجية بمساعدة لبنان في الإغاثة وإعادة بناء ما دمرته إسرائيل. صحيح أن التعاطف هذا أضمر، وخاصة عند قطر، تعاملاً مع لبنان لا من حيث هو دولة واحدة بل بوصفه مجموعات طائفية متناحرة. فيما دعت السعودية اللبنانيين إلى التصالح والتكاتف”.

الصحافي حسن فحص والصحافي منير الربيع ومالك مروة

وفي السنة التي سبقت أحداث 7 أيار 2008، رأى متري “أنه قامت قطر بدور الوسيط، وازداد دورها أهمية عند انفجارها وبعده. وشهد لبنان غير مبادرة عربية، بناء على رغبة مزدوجة لدى أكثرية أعضاء الجامعة العربية: أي دعم الشرعية اللبنانية ودرء مخاطر الانقسام الحاد بين اللبنانيين. وحين قامت قطر بوساطتها في أيار، بدعم عربي شبه إجماعي، حتى أوصلت الفرقاء اللبنانيين إلى اتفاق الدوحة الذي لم ينقض اتفاق الطائف بل فسّره على نحو كرّس حق النقض – الفيتو وأعطى شرعية عربية لما سماه البعض لاحقاً الميثاقية. وفي عام 2010، كان للسعودية دور الوسيط بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية بإسم تحقيق التوافق في لبنان ودعم الاستقرار فيه”.

وأوضح انه “مذّاك، خابت آمال من زين لهم أن خروج الجيش السوري من لبنان أذن بافتتاح مرحلة يستعيد فيها لبنان دوره كفاعل عربي على الطرف النقيض من هذا التوقع، لم يعد للبنان أي دور عربي وأصبح في وضع الدولة – المشكِلة ، بنظر العرب. وصار ما سمي “التضامن مع الجمهورية اللبنانية” بنداً دائماً على جدول أعمال القمم والاجتماعات الوزارية العربية ولم يعد يجلس حول المائدة مثله كمثل أي دولة عربية بل صار على المائدة موضوع للتنازع وللتعاطف أحياناً أخرى وللإثنين معاً. وبقدر ما تغيّرت علاقات القوى الداخلية، تغيّر الموقف العربي من لبنان، حتى تراجع اهتمام عدد من الدول الشقيقة به وانحسار دعمها له، لم يأت فقدان لبنان دوره العربي من عدم، ولم يكن مجرد انعكاس لغياب سياسة خارجية ودبلوماسية واحدة ومتماسكة وتأكل في رصيد بلدنا المعنوي بين العرب، بل لعله جاء أيضاً من تغيرات موضوعية في لبنان وفي العالم العربي خسر منها لبنان بصورة تدريجية ميزاته التفاضلية في اتساع نطاق الحريات والحيوية الثقافية وجودة التعليم والطبابة والوساطة بين العرب والغرب”.

واعتبر أنه “اشتد الانقسام الداخلي حول الشؤون الخارجية، إذا جازت هذه التسمية، عند اندلاع الانتفاضات العربية، وأهمها تلك التي قامت في سوريا، ففي آب 2011، وعند صدور البيان الرئاسي عن مجلس الأمن الدولي والذي يدين استخدام العنف المفرط من قبل النظام السوري ضد المدنيين، لجأ لبنان، وكان عضواً في مجلس الأمن، إلى حيلة النأي بنفسه تفادياً للحرج. وأضعف هذا الموقف دور لبنان كممثل للدول العربية في مجلس الأمن بعد أن كان على شيء من القوة المعنوية خلال عمله من أجل إصدار قراري مجلس الأمن 1070 و1973 حيث فرض الأول حظر السلاح والطيران والسفر وجمّد الأصول الليبية في الخارج وأجاز الثاني اللجوء إلى التدابير الممكنة كافة لإنقاذ المدنيين”.

غاب التفكر الجاد بالتخفيف من انفعال لبنان بمجريات الأحداث العربية والدولية للخروج من المأزق

وشدّد متري على “أنه لم يعتمد لبنان بشكل صريح ومستمر المبدأ ذاته في الاجتماعات العربية، لكنه اكتفى بالتحفظ أو الامتناع عن التصويت. صار النأي بالنفس، وفي ظاهر الأمر، فكرة ناظمة لسياسة الحكومة. لكنها، كما الحكومات التي خلفتها، عجزت عن الالتزام الفعلي بمقتضياتها بفعل ممارسة حق النقض داخلها. وأشاحت نظرها، أو مضطرة، عن العادات القديمة التي طبعت سلوك القيمين على الدبلوماسية اللبنانية وعدد من الإدارات الحكومية، فضلاً عن التقيد الصارم لدى فئة من المشاركين في السلطة الإسمية بما تمليه عليهم السلطة الفعلية التي تنتهج سياسة خارجية مناقضة أو موازية. وبقصد درء أخطار هذا العجز لم تفلح المحاولات اللاحقة في تحقيق فصل نسبي بين مشكلات لبنان والتأثيرات الخارجية. حسبنا أن نذكر أبرزها والمتمثلة في إعلان بعبدا الصادر عن هيئة الحوار الوطني عام 2011”.

وأكد على أنه “ظهرت مضار هذا العجز الكثيرة، وعلى نحو جلي، في السنوات الأخيرة، فمع تزامن الانهيار الاقتصادي والمالي ازدادت عزلة لبنان العربية والدولية.

متري وسليمان

ووجد “لبنان العربي” نفسه مستفرداً بحكم تخل دول عربية عدة عنه، لا سيما الخليجية منها، وعلى نحو رأى الكثيرون أن لا سابق له. ومهما يكن من الأسباب التفصيلية، الأمنية أو شبه – الأمنية، لدى كل دولة من الدول، فإن المملكة العربية السعودية ذهبت إلى أبعد من سواها واختصرت جملة الأسباب في العبارة الشهيرة القائلة “بات لبنان عائداً ضئيلاً لاستثمارنا”.

حظي حزب الله بتأييد عدد محدود من الدول العربية مقابل تأرجح باقي الدول

وقال متري:”ارتفعت أصوات تعزو أهم الصعوبات التي يواجهها اللبنانيون اليوم إلى انضواء لبنان في محور إقليمي معين. وذهب بعضها، والبطريرك الماروني في المقدمة، إلى القول بحياد لبنان عن الصراعات العربية – العربية على ألا يغير ذلك في موقف لبنان من الصراع العربي – الإسرائيلي. وحسب الحياد شرطاً لعودته إلى هويته الأصلية أو خصوصيته التأسيسية ودوره، وهي كلها حظيت في الماضي بنوع من الاعتراف العربي الضمني والعطف الأممي. إلا أن مشروع الحياد بدا غير مكتمل المواصفات ومشوب بالالتباس لجهة كيفية تحقيقه. أكثر من ذلك لم يكن مشروعاً بالمعنى المتعارف عليه، إذ لا اتفاق داخلياً حوله ولا ابتعداد للاعتراف من جيران لبنان ولا استعداد دولياً لتكريسه وإضفاء الشرعية عليه. أضحى أقرب إلى دعوة من شأنها أن تفتح الباب أمام حماية لبنان من العواصف المحيطة به وتؤهله لاستحقاق الدعم الخارجي الذي يحترم سيادته ويستعيد صداقاته المفقودة”.

أضاف:”بالطبع، فتح هذا القول باب النقاش، بل السجال، على نطاق واسع. لكنه ما لبث أن خمد. وغاب التفكر الجاد في أمر التخفيف من انفعال لبنان بمجريات الأحداث العربية والدولية سبيلاً للخروج من المأزق. وقياساً بالماضي، انحسر قليلاً الأخذ والرد في أمر العلاقة بين الداخلي والخارجي التي انطبعت به السياسة اللبنانية”، مشيراً الى أنه “حتى الآن، ولم يغيّر في ذلك شيئاً يذكر، وحتى الآن، اهتمام ثلاثة دول عربية بشق طريق لخروج لبنان من أزمته المتمادية، تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية غير منحاز لطرف داخلية بعينه وتأليف حكومة إصلاحية وقادرة على ترميم علاقات لبنان العربية مما يحميه من الأحجار الطائشة في لعبة الأقدار الإقليمية ويأتي العائد متناسياً مع الاستثمار”.

نقاش يغوص في المتغيرات

فتح ما قدمه متري خلال الندوة الباب أمام نقاش تناول تداعيات المستجدات المحلية والتطورات الاقليمية على لبنان، حيث تم الغوص في الإضاءة على المتغيرات ومسار الوضع اللبناني. 

وفي رد على أسئلة طرحها كل من سليمان وشمس الدين والزين وخلف وخيرالله ومروة عن عودة العرب الى سوريا بعد الزلزال وتداعيات الاتفاق السعودي الايراني على المصالحة، كما انتماء لبنان ومدى استفحال الأزمة في ظل عدم تطبيق الاصلاحات وكيفية الخروج منها، لفت متري الى أن “الموقف الأوروبي الأميركي الأسبوع الماضي يلجم اندفاعة بعض العرب الى المصالحة مع النظام ظناّ منهم أن استعادة سوريا من ايران، والرهان عن أن الاتفاق السعودي الايراني قد يلعب دوراً في ذلك يحتاج الى المزيد من الوقت حتى تتبلور الأمور”.

واعتبر أن “المشكلة تكمن بأن اللبنانيين هم جماعات طائفية متناحرة، وكل جماعة تستقوي بجهة من الخارج”، مشدداً على “أنه اذا بقي الصراع بين ممثلي الطوائف ولا اتفاق على خير مشترك لا قيامة للبنان، والعلاج هو بتجاوز هذا الانقسام الحاد بينهم”. 

السابق
مصرف لبنان يرفع دولار صيرفة
التالي
3 عادات مسائية تساعد على خفض الوزن.. تعرّفوا عليها!