الإرهاب الفكري «إستراتيجية دموية» تحول الآخر إلى.. «عدو»!

يعدّ الإرهاب الفكريّ استراتيجية لتطويع الأفراد من خلال التهديد والترغيب أيضاً. وقبل مقاربة هذا الارهاب، يفرض تناول علاقته بالترغيب نفسه، وذلك من أجل الكشف عن إحدى الأواليات المستخدمة في عملية الاستلاب. يستخدم الإرهاب الديمقراطية كوسيلة، و بحسب ما تقتضيه مصلحته، في عملية “غسيل” العقول عبر إقناع أصحابها بكلّ  ما يلزمه ليجذّر إيديولوجيته، فيعمد إلى تأطيرها، أي العقول، ورهنها لإيديولوجيا فاشية. ومن هذا المنطلق يظهر الترغيب ترهيباً لأنه يحوي إقصاء العقول، ليجيز لنفسه التحكّم بالعقول يستخدم النفاق، سواء باسم مصلحة الدين أو السياسة أو الاثنين معاً، بغية تطويع شريحة كبيرة من المجتمع، لتحويلها إلى آلات تخوّن الآخر المختلف، و تكفّره و تبرّر تصفيته أخيراً. شهد التاريخ اللبناني على الكثير من جرائم الارهاب الفكري، بحيث تمّ تصفية ناشطين سياسيين و صحفيّين ومفكّرين ومثقّفين، وأيضاً رجال دولة نادوا بسيادة لبنان و تحريره من  براثن ملفات إقليمية أمعنت في إنهاك مؤسساته و ديمقراطيته. 

يعدّ الإرهاب الفكريّ استراتيجية لتطويع الأفراد من خلال التهديد والترغيب أيضاً.


لا يُبنى الإرهاب الفكري من فراغ، بل يصوغ لنفسه منهجية وتسلسلاً منطقياً خاصّين به، بحيث يتفرّد بهما من أجل الوصول إلى غايته المتمثّلة في الإطباق على مجتمع أو دولة. كما يتبنّى رسالة رمزية، تحمل بين سطورها حكماً “مبرماً” باغتيال الرأي الآخر و تصفيته.ويأتي توظيف  ما هو “ديني” عبر إصدار الفتاوى و التعاليم، و استخدام العبارات المحاطة بهالة قدسية، إن جاز التعبير، ليشرعِن السلوكيات العنفية الموجّهة ضد الآخر “العدو”. و إذا ما أردنا تناول وجود هذا العدو، لوجدنا أنه “وهميّ” في الواقع، لكنه “حقيقيّ” في عقول من يتم تجنيدهم لصالح الارهاب.

الارهاب الفكري يعمد إلى “صناعة” عدوّ يستخدمه طُعماً ليجذب سذّج التفكير الذين يبحثون عن ملء فراغهم الذهني والعقلي

ويعود السبب في ذلك، إلى أن الارهاب الفكري يعمد إلى “صناعة” عدوّ يستخدمه طُعماً، ليجذب سذّج التفكير  الذين يبحثون عن ملء فراغهم الذهني والعقلي. ولا يخفى من أن تجديد التطرف الديني الذي يحمل معه الإرهاب، ما هو إلا دلالة على أزمة ما بعد الحداثة، باعتبارها لم تطل عمق البنى الفكرية في المجتمعات الشرقية، ومنها اللبنانية.تطالعنا، في كل مرة تثار قضية رأي، لغة “بدائية” تملأ الكثير من صفحات التواصل الاجتماعية، و تعمد بدءً إلى تشويه أصحابها، أي أصحاب القضية، مروراً بتحقيرهم و”شيطنتهم” عبر تكفيرهم، وصولاً إلى تهديدهم و تصفيتهم. ومن هذا المنطلق، يشكّل التخوين أو التكفير، نواة الإرهاب الفكري. وفي هذه الحال، يتبدّى الفرز أوالية أساسية. يفرض التخوين فرزاً بين الأفراد، فهناك العميل والكافر والملحد، و ما إلى هنالك من تصنيف يجيز تصفية الآخر. وتعدّ نظرية المؤامرة ركيزة،  يتم استخدامها في ارساء ثقافة ترهيب تحوي “تسخيفاً” لعملية القتل، فيصار إلى “استسهاله” نتيجة الاستخفاف بحياة الناس وارواحهم.

تتبدّى “شيطنة” الآخر لزوماً عند صانعي الإرهاب و مفتيه لأنها تجرّد هذا الآخر من إنسانيّته ليتم تصويره على أنه “الوسواس الخنّاس” فيصبح قتله واجباً مقدّساً أو “فريضة”


وتتبدّى “شيطنة” الآخر، لزوماً عند صانعي الإرهاب و مفتيه، لأنها تجرّد هذا الآخر من إنسانيّته ليتم تصويره على أنه “الوسواس الخنّاس”، فيصبح قتله واجباً مقدّساً أو “فريضة”. بمعنى آخر، يضحي قتل “الشيطان” واجباً لتطهير العالم من شرّه و رذائله. و لا ينحصر نشاط الارهاب في وقته الحاضر  فحسب، بل يضع أمام عينيه المستقبل عبر طرح الوعود الوهمية بمستقبل انتصار!…يهدف الارهاب الفكري إلى الاخضاع، ويأتي الحقد والكراهية ليشكّلان أرضاً خصبة له، فنراه يعمل على خلقهما في نفوس “جنوده”، ليعزّز لديهم سلوكيات اجرامية و إلغائية. ومن هذا المنطلق، يمكن القول أنه يحمل عقيدة استعباد واستبداد.

إذا ما تناولنا الارهاب الفكري من حيث منظوره للضحايا فمن الملاحظ أن عدد الضحايا لا يعنيه بقدر ما تعنيه إثارة الرعب في نفوس هؤلاء


وإذا ما تناولنا  الارهاب الفكري من حيث منظوره للضحايا، فمن الملاحظ أن عدد الضحايا لا يعنيه، بقدر ما تعنيه إثارة الرعب في نفوس هؤلاء. لذلك يمكن القول أنه يجعل من الابتزاز النفسي سلاحاً لبسط ايديولوجيته الدموية. لا يعدّ الفكر ملكية خاصة بالفرد فحسب، بل هو هويته أيضاً. بمعنى آخر، إن لم يكن هذا الفكر يحمل قيّم الوطنية و المواطنية، فهو حتماً سيفقد حصانته، و سيقع ضحية لاستلاب من قبل “زُمر” و يتحول إلى سلاح “أرهابي”.

السابق
خاص «جنوبية»: المصارف تُصعد بوجه المودعين للضغط على «الحاكم والحكومة».. وهذا ما تنوي فعله!
التالي
إرتفاعٌ في دولار السوق السوداء.. كم اصبح؟