حين «يتواطأ» التاريخ والجغرافيا على الشعب الكردي!

الشَّعبُ الكرديّ، ومنذ فجر تاريخه، حيث يعيش في منطقة الشرق الأوسط، ابتُليَ بحظٍّ عاثِرٍ، مَنعَهُ من أن يكون شعباً موحَّداً، بل مجزَّءاً على صعيدَي التاريخ والجغرافيا مجتمعَين، وعلى السواء. وهذا الحظّ العاثِر، الذي لم يكن للأكراد مجتمعِين، أيّ يدٍ في صُنعه، لا من قريبٍ ولا من بعيد ، “تواطأ” على ولادته ظُلمان: ظُلمُ التاريخ له، من جهة، وظُلمُ الجغرافيا له، من جهة أخرى . وهذا ما جعل الشعب الكردي، منقسماً، لا إراديّاً، على ذاته وبشكلٍ دائمٍ ، فهناك – وكما هو معلوم طبعاً – : ألأكراد العراقيون والأكراد السوريون والأكراد الأتراك والأكراد الإيرانيون …إلخ . ما دفع الشعب الكردي للبحث المضني، وعبر السّعي المثابر والدؤوب والحثيث، لأن يكون له وطنٌ موحَّد، على أرضٍ مستقلّة على صعيد الجغرافيا يُنشِئُ عليها تاريخاً كرديّاً واحداً، أي تاريخه الخاص، لا تتنازعه أهواء ومصالح ورغبات الدول المتعددة، التي يعيش هذا الشعب متفرّقاً عن بعضه البعض، في أكنافها الجغرافية، التي تُكرِهه أنظمةُ، حُكمها على أن يكون تاريخه، مجرَّد فرعٍ من فروع تاريخها هي بالذّات.

الإكراه جعل الأكراد، يعيشون في حالة صراعاتٍ سياسية وعسكرية مديدة مع هذه الأنظمة

وهذا الإكراه جعل الأكراد، يعيشون في حالة صراعاتٍ سياسية وعسكرية مديدة مع هذه الأنظمة.

ومن الأدلّة على ذلك ما جاء في كتاب ” ألجمهورية الكردية 1946 في مهاباد ” ( الصادر في العام 2012 عن ” دار المدى ” في بيروت الطبعة الأولى )، ( وهذا الكتاب هو من تأليف الاب الأمريكي وليام إيكلتون جي . آر. ، ومن ترجمة الدكتور حسين أمين ) . فلقد جاء في هذا الكتاب أنّ الأكراد تعرّضوا ” للإضطهاد القومي، الذي كان يفرضه الحكم العثماني أو الفارسي على الشعب الكردي، وهو الاضطهاد القومي الذي من مظاهره، عملية تذويب القومية الكردية داخل إطار القومية التركية حيناً، والقومية الفارسية، حيناً آخر، ومما لا شك فيه ( والتوضيح للكتاب ) أنّ مهاباد الواقعة تحت طائلة الحكم الفارسي، لم تكن تختلف ظروف الاضطهاد، الذي تقاسيه عن ظروف الاضطهاد، الذي تقاسيه المدن والمناطق الكردية في تركيا والعراق وسوريا، وجنوب الاتحاد السوفياتي، قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، باستثناء الأوضاع القومية التي تحسنت نسبياً بالنسبة لأكراد العراق وسوريا بعد الحرب العالمية الأولى …

الاضطهاد كان محفّزاً لأكراد مهاباد، وأكراد المناطق الكردية الأخرى، على القيام بحركاتٍ ثورية وتمرّدية متعددة

وهذه الأنواع من الاضطهاد كانت محفّزاً لأكراد مهاباد، وأكراد المناطق الكردية الأخرى، على القيام بحركاتٍ ثورية وتمرّدية متعددة، للتحرّر من ربقة ذلك الاضطهاد. ومن هنا نشأ ما يُعرف ، تاريخيّاً ، بمصطلح ” المسألة الكردية ” .

ولقد استقطبت المسألة الكردية، وعلى مدى تاريخها الطويل، باهتمام المؤرخِين المهتمين بتاريخ الأكراد عموماً، وأيضاً من قِبل المهتمين بالشؤون الكردية، في كل دولةٍ تضمّ جزءاً من الشعب الكردي، على حدة خصوصا.

ومن هنا، وعلى هذا الأساس، فلقد لازمت المسألةَ الكردية قراءاتٌ جمّة، وهي قراءاتٌ استهدفت وضع حلولٍ لها ؛ سواء أكانت حلولاً عاجلة أم آجلة، لكنّ الحلول لم تصل وبالرغم من كثرتها، إلى نتيجة إيجابية تُذكر بشأن الوضع الكردي، بحيث بقي هذا الوضع معلَّقاً على مشجب الإنتظار، الذي يستوجب قراءاتٍ أخرى، لا بدّ منها. وفي هذا السياق تأتي النّدوة التي أقامها ” منتدى جنوبية” عن المسألة الكردية في الشرق الأوسط ” في مقرّه في بيروت ، تحت عنوان : “المسألة الكردية في الشرق الأوسط بين التأجيل والتعجيل”.

إذ استضاف ” منتدى جنوبية ” بهذا الخصوص ، المفكر والباحث السياسي العراقي الدكتور شيرزاد النجار ، الذي تحدّث عن هذه المسألة ( قارئاً لها ) في محاضرته التي كتبها خصّيصاً لهذه الندوة التي كانت من تقديم وإدارة رئيس تحرير موقع ” جنوبية” الصحافي علي الأمين .
وهذه الندوة شهدت تداولاً نقاشيّاً موضوعيّاً لمضمون المحاضرة التي القاها النجار .

واللافت أنّ هذه المحاضرة، اتّصفت بموضوعيّتها البحثية التحليليّة وشموليّة التناول لموضوعها، الذي أحاط به النجار ، إحاطةً نقدية لكلا طرفيها : ( الأكراد أنفسهم من جهة ، وأنظمة الحكم في البلدان التي يعيشون فيها من جهة أخرى ) . وهي إحاطةٌ تحلَّت بغنى معلوماتها القيّمة، من جهة ، وبالرأي السَّديد لصاحبها ، منجهة أخرى ، ألأمر الذي مكّن هذه الإحاطة من استشرافيّة مآلات المسألة الكردية في الشرق الأوسط بشكلٍ عام، إستشرافيةً تضع هذه المسألة على محَكِّ ما، ينتظرها على مفترقات مستقبليّتها المشرَّعة على آفاقٍ شاسعة مجهولة، تماماً، تُضاف إلى تلك التي راودت المسألة الكردية، وبإمعانٍ شديد القسوة، مراودةً، لم يكن أمدها طويلاً جدّاً، فحسب، بل يلفّه الغموض الشّديد من كلّ جانب. ذلك الغموض الذي دفع الأكراد تجاهه أثماناً باهظة، تمثّلت بتضحياتٍ معمّدة بالدّم والعَرَق، المبذولَين في سبيل جهودٍ استقلالية ذاقوا فيها الأمرّين، وما زالوا يواجهون هذا الغموض، في تقرير مصيرهم القوميّ الموحَّد أرضاً وهويّة ( أي جغرافيا وتاريخ ).
ذلك لأنّ المسألة الكردية، واستناداً إلى ما جاء في محاضرة النجار، في هذه الندوة، هي مسألةٌ مُرجَأةُ الحلول إلى ما شاء الله ، نظراً لتعقيداتها المحكمة الأواصر بتداعيّاتها، التي لا تُبشّر ولو ببصيص أملٍ، لأيّ حلٍّ مرتجى ينتظره أصحابه بفارغ الصبر .

إذاً المسألة الكردية هي مسألة تاريخية، ما زالت مستعصية على الحلّ، لأنّ تعقيداتها الكثيرة والكبيرة تستلزم – وعلى ما يُستَشفٌّ من مضمون محاضرة النجار، في هذه الندوة، ومن مضمون نقاشيّتها من قِبل مقدِّم ومدير الندوة والحضور و المُحاضِر، تستلزم حلولاً إستثنائيّة في منطقةٍ، أظهرت كلُّ تعقيدات مشكلاتها العاديّة ، حتّى، أنّها مستعصية على الحلول.

وهي المشكلات التي يزداد تفاقمها الدائم والمستمر، يوماً بعد يوم، وعلى جميع الصّعد السياسية والإقتصادية والإجتماعية …إلخ . فكيف إذن بإيجاد حلّ لمشكلاتها المعقَّدة، والتي تتطلّب حلولاً إستثنائية بدورها؟

السابق
محطات البنزين مُقفلة اليوم.. الى متى؟
التالي
تحركات صباحية وقطع للطرقات