منتدى «جنوبية» يفتح نقاشاً سياسياً حول فائضُ قوّةِ الشيِّعة وإعاقة بناء الدولة

يتمتّع الشيعة في لبنان، في الزمن الحاضر، بفائض قوّة سياسية وعسكرية، وذلك مقارنةً ببقيّة الطوائف اللبنانية الأساسية الأخرى. وهذا الفائض، ومنذ ظهوره منذ سنواتٍ عدّة، أُحِيطَ مِن قِبَل الأطراف السياسية اللبنانيّة الرّافضة له، والتي كان من بينها أطرافٌ شِيعيّة سياسية  ودينيّة وثقافيّة وازِنة معارِضة له، وذلك أثناء ما يُثارُ الحديث السياسي والإعلامي ( والذي كان قد أُثِيرَ ما يُشبِهه سابقاً حول فائض القوة لدى المَوارِنة في لبنان )، حول إعادة بناء الدولة في لبنان، بِناءً يَضمَنُ للدولة الوجودَ الفِعليّ، الذي بإمكانه لَمَّ الشَّمل المتوازن لكلّ المكوِّنات السياسية اللبنانية، تحت سقفِ القانون والمؤسَّسات الدّستوريّة، ولا يكون هناك امتياز خاصّ لأيِّ مكوِّنٍ من هذه المكوِّنات، على حساب قوّة الدولة بأيّ حالٍ من الأحوال، ولا حتى تحت ضغوط أيّ ظرفٍ من الظروف، مهما كان شأنه أو قوّته.

يتمتّع الشيعة في لبنان في الزمن الحاضر بفائض قوّة سياسية وعسكرية وذلك مقارنةً ببقيّة الطوائف اللبنانية الأساسية الأخرى


وفي هذا السّياق، جاءت النّدوة التي أقامها ” منتدى جنوبيّة ” تحت عنوان :” شِيعةُ لبنان .. جَدَلُ فائض القوة ومشروع الدولة ” التي زخرت بنقاش سياسي مستفيض ( من قبل مقدّم ومدير الندوة والمشاركَين فيها والحضور )، إنحاز هذا النقاش برمّته لمشروع الدولة القانونية والمؤسّساتية في لبنان.
ولقد اتصف هذا النقاش، بأنّه كان نقاشاً موضوعيّاً، أي نقاشاً وطنيّاً، خالياً من أيّ كيديّة سياسية. فالمناخ الفكري والسياسي، الذي اتصف به هذا النقاش، هو مناخ نضح بما يفيد، وتبعاً لما أثبتته التجارب اللبنانية التاريخية المريرة، من حروبٍ أهلية وسواها، وما إليها، بأنّ قوّة لبنان تكمن في قوّته كدولة دستورية ذات سيادة داخلية عامة غير منقوصة.

المناخ الفكري والسياسي الذي اتصف به هذا النقاش هو مناخ نضح بما يفيد وتبعاً لما أثبتته التجارب اللبنانية التاريخية المريرة من حروبٍ أهلية وسواها


وعليه ، فلقد استوى مَثَارُ هذا النقاش على أفقٍ فكريّ وسياسيّ مفاده ، بأنّ فائض أيّ قوّة لدى أيّ طائفة من الطوائف اللبنانية الأساسية، هو فائضٌ معيق ، حتماً ، لبناء الدولة في لبنان، هذا الفائض الذي انبثق من نُسغِه فائضُ القوّة الذي يمتلكه الشيعة في لبنان اليوم، والذي يُعِيقُ ، بدوره الحاليّ، بناء الدولة في لبنان. 

إعاقة بناء الدولة في لبنان متمثّلة بالمحاصصة الطائفية

لا شك انه من روحية هذه الندوة يمكن القول، إنّ إعاقة بناء الدولة في لبنان، متمثّلة بالمحاصصة الطائفية، التي حتّمت وما زالت تحتّم على العقول اللبنانية المفكرة، البحث الدائم والمتكرّر، عن مقوّمات دولةٍ حقيقية في لبنان، مجرَّدة من الأغراض والنّوايا الطائفية.
ولا بدّ من التذكير بأنّ مشروع قيام دولةٍ بالمعنى الحقيقي في لبنان، وهو موضوع شائكٌ ، بطبيعة الحال ، إنّه موضوع خاضت في عُباب غماره عقولٌ مفكِّرة لشخصيّاتٍ لبنانية نخبويّة، منذ ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية ، إلى اليوم، أي منذ عقودٍ طويلة، وعبر الكتابة التنظيرية والتحليلية؛ لكنه بقي موضوعاً يدور في حلقةٍ مفرغة هي يمثابة دوامة بحثيّة لا تنتهي، بسببٍ من الاصطدام بواقع المحاصصة الطائفية، التي أوصلت الشعب اللبناني برمّته إلى العيش الحالي في سوداوية واقعٍ جحيميّ بلا قرار، لأنّه عبارة عن نفقٍ مسدود مشرَّعة آفاقه على ضروبٍ شتّى ولا نهائية من العتمة الحياتية الشاملة. 

اثناء الندوة

الندوة القيمة خلص قُطباها الدكتورة غرايس الياس والدكتور محمد علي مقلّد الى تأكيد اين اثنين ذَوَاتَيِّ توجُّهٍ موحّد: فلقد أكّدت الياس على أنّ ” الحلّ الوحيد في لبنان هو بمشروع الدولة واحترام التعايش والتعددية وقبول الآخر ، وليس إلغاء الهوية العميقة .”

وبدوره أكّد مقلّد على أنّ ثورة 17 تشرين طرحت برنامجاً بسيطاً من أجل خروج  لبنان من الأزمة يقوم على تطبيق الدستور واتفاق الطائف والقوانين من أجل إعادة بناء الدولة . ”

ويُحِيل قول مقلّد هنا إلى كتابه عن هذا الموضوع الذي أصدره في العام 2012 ( عن الدار العربية للعلوم ناشرون في طبعة أولى ) ، تحت عنوان: ” الشِّيعيّة السياسية ” والذي هو ” بحثٌ في معوِّقات بناء الدولة ”  في لبنان. و” هو كتابٌ نَقديّ وذو هاجِسٍ يتمحور حول السبيل لإخراج لبنان من أزمة مستعصية تعصف به ، والسبيل هذا هو مشروع إعادة بناء الوطن والدولة “. وهذا الكتاب ، هو كتابٌ مفعَمٌ بقدٍ بنَّاءٍ ” لتجارب المارونية السياسية  والسُّنيّة السياسية على وجه العموم ، والشِّعيّة السياسية على وجه الخصوص ” . 

ونقديّةُ هذا الكتاب تقوم على تناول بعض الملامح الملموسة في مواصفات الدولة الحديثة وبعض المعوِّقات أمام قيامها ، وبعض صنوف التخريب التي تتعرض لها . 

يدور هذا الكتاب على المستوى الوطنيّ العام على فرضيّة هي : أنّ الشيِّعيّة السياسية كمثيلتيها المارونية والسّنية تستند إلى قوة ذات تركيبة طائفية بل مذهبية لكنها ليست مشروعاً طائفياً

يدور هذا الكتاب ، على المستوى الوطنيّ العام ، على فرضيّة هي : أنّ ” الشيِّعيّة السياسية ، كمثيلتيها المارونية والسّنية ، تستند إلى قوة ذات تركيبة طائفية بل مذهبية ، لكنها ليست مشروعاً طائفياً ، بل مشروع ” سياسي حزبيّ وفئويّ ” يقوم على ” المحاصصة ” . ويلفت مقلّد إلى أنّ هذه المحاصصة هي ذات مشاريع مختلفة ، وهي مشاريع مستندة إلى مقولاتٍ يرى مقلّد – بعد تعدادها وتشريحه العِلميّ لها ، في هذا الكتاب ، أنّها مقولات عقيمة ” لم تقف نتائجها عند حدود الحروب الأهلية فحسب ، بل هي كانت تأكل من جسد الدولة ، وتهدِّد بالتالي مصير الوطن .” . 

ويُثبِت مقلّد في هذا الكتاب مواصفات مشروع الدولة المأمولة لبنانياً (على حدّ وَصفِه لها بذلك )وهذه المواصفات هي : دولة القانون والمؤسَّسات والحُرّيات والديموقراطية والعدالة والكفاءة وتكافوء الفُرَص .  

وهذه هي جوهرية مشروع قيام الدولة الحقيقية في لبنان . وهذا المشروع أطلقه مقلّد – وعلى ما يُعلِن صراحةً في هذا الكتاب : ” في مواجهة دولة المحاصصة ” على حدّ حرفيّة تسميتهِ لها . 

السابق
باسيل ليس في وارد تسمية أي شخصية من التيار غيره للرئاسة.. ماذا عن اسم البستاني؟
التالي
هذا ما جاء في مقدمات النشرات المسائية ليوم الثلاثاء 10/1/2023