نصر الله «يُرسم حدود» الشعب اللبناني!

ياسين شبلي

أطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مؤخراً في يوم الشهيد، ليلقي على اللبنانيين خطاباً يصح فيه القول بأنه خطاب ” ترسيم ” ما بعد الترسيم، إذ أنه تناول أموراً داخلية مهمة، في موضوع مواصفات الرئيس العتيد خصوصاً، وبدا كأنه يضع  خارطة طريق – كعادته – أو “ترسيم” لما يجب أن تكون عليه الأمور في البلد في المستقبل القريب على الأقل، بعد ترسيم الحدود البحرية مع العدو. 

جاءت الإنتفاضة لترمي بهم في أتون جهنم التي يعيشونها اليوم، وهكذا تكون الإنتفاضة – بهذا المنطق – هي السبب في الإنهيار وليست نتيجة له

   وعلى طريقة “عم إحكي الجارة تتسمع  الكنة”، شن الأمين العام هجوماً على الولايات المتحدة – الجارة – التي كانت حاضرة بقوة في ملف الترسيم، وساهمت في منح هذا “الإنتصار” الذي يدَّعيه رَبع الممانعة – وإن كان هذا التعبير يزعجهم –  لكن هذه المرة كان التصويب الحقيقي و “أمر اليوم” موجه إلى ثورة 17 تشرين – الكنة – بكل مكوناتها، والتي وصف فعلها  بالفوضى التي أتت بها أميركا، وكأني به يتهم هذه “الفوضى” بالتسبب بالتخلي عن الخط 29 بسبب ما أوصلت البلد إليه، وبأنه بقوته إستدرك الأمر وحاز لبنان بفضله على الخط 23 – حسب رأيه طبعاً – في منطق عجيب يوحي وكأن البلد  والناس كانا في “مهد عيسى” كما يقال، فجاءت الإنتفاضة لترمي بهم في أتون جهنم التي يعيشونها اليوم، وهكذا تكون الإنتفاضة – بهذا المنطق – هي السبب في الإنهيار وليست نتيجة له، وهذا أمر – كما أعتقد – لا يركب على قوس قزح كما يقولون، وهذا يجرنا إلى الموضوع الثاني الذي أثاره الأمين العام لما له من علاقة جدلية بالموضوع الأول، ألا وهو مواصفات الرئيس كما يراه حزب الله، مقدما لنا نموذجين هما إميل لحود وميشال عون، وهما نموذجان ما زالا حيين في ذاكرة غالبية اللبنانيين، الذين إكتووا ولا يزالون بنار “الإنجازات” التي أتى بها هذين الرئيسين – النموذج. 

بدأت ملاحقة رجال الحريري وزج بالبعض منهم في السجون ظلماً وكيدية، لتأتي إنتخابات 2000 النيابية وتعيد فرض الرئيس الحريري الذي إكتسحها في بيروت والمناطق، رقماً صعباً

 الأول إميل لحود، تسلم البلد من الرئيس الراحل إلياس الهراوي وهو في أحسن حالاته – نسبة لما كان يوم تسلمه الرئيس الهراوي – فكان أن سلَّمه بعد 9 سنوات عجاف للفراغ، الذي بات سمة الحياة الدستورية منذ ذلك الحين ، بعد أن أعاده إلى سنين ما قبل إتفاق الطائف، بلداً ممزقاً وشعباً منقسماً إلى شِيَع وأحزاب متصارعة، بإسم الإصلاح والشفافية والمقاومة، فكان أن فعَّل النظام الأمني ووضع ضابط في كل وزارة، في إنقلاب واضح على كل القوانين والأعراف الدستورية والسياسية اللبنانية، مدعوماً بذلك من الجناح “الأصولي” في نظام البعث السوري، الذي كان رأسه يومها في طور الإحتضار، بعد أن أوصله هذا الجناح إلى الرئاسة ممتطياً صهوة “أحقاده”، ومستغلاً عقد نقصه تجاه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بما كان يمثله من صورة وهيبة لرجل الدولة الناجح والمحترم في الداخل والخارج، كانت البداية من بدعة تجيير النواب لأصواتهم إلى رئيس الجمهورية لتسمية رئيس الحكومة، وهو ما لم يتقبله الرئيس الحريري يومها فأعتذر، ليحل محله الرئيس سليم الحص ويتم “تجيير” مجلس الوزراء بأكمله يومها لـ”مجلس الثلاثاء” لصاحبه ميشال المر نائب رئيس مجلس الوزراء ونسيب الرئيس لحود، وبدأت ملاحقة رجال الحريري وزج بالبعض منهم في السجون ظلماً وكيدية، لتأتي إنتخابات 2000 النيابية وتعيد فرض الرئيس الحريري الذي إكتسحها في بيروت والمناطق، رقماً صعباً في المعادلة اللبنانية، فكانت “المساكنة القسرية” لكلا الطرفين في الحكم، التي لم تنتح سوى تعطيلاً وعرقلة لإستكمال المشاريع ومنها باريس 3، وما زاد الطين بلة التطورات الإقليمية وأخطرها غزو العراق والهجمة الأميركية التي “واجهها” النظام السوري على جري عادته، بوضع لبنان في قلب العاصفة، والتعامل معه كمجرد أكياس رمل يتلطى وراءها لحماية نظامه.فكان التجديد للحود بالقوة والإرهاب، كبادرة تحد للداخل والخارج، خرج بعدها رفيق الحريري من السلطة رافضاً اللعبة القذرة التي تضع لبنان وشعبه في فم التنين، فكان لا بد من إزاحته بالإغتيال لينفحر بعدها البلد ويعود إلى ما قبل إتفاق الطائف في العام 1989، وكانت بداية المسيرة إلى جهنم، عندما سلَّم إميل لحود البلد للفوضى والنزاعات السياسية والطائفية لا بل والمذهبية هذه المرة، قبل أن يسلمها للفراغ لدى إنتهاء ولايته الممدة قسراً، هو الذي كان تمنى يومها  أن يسلمها لرئيس من “نفس المدرسة ” على حد تعبيره، ولم يكن يقصد بالطبع المدرسة العسكرية بل مدرسة “الممانعة” كي لا نقول شي آخر، وهذا ما عمل له حزب الله وأتباعه بالتدرج، فملأ الفراغ في العام 2008 بأحداث 7 أيار وإتفاق الدوحة، الذي كان الجسر الذي عبر عليه ميشال عون – النموذج الثاني – للدخول إلى السلطة ليكون العصا التي يضعها حزب الله في دواليب عهد ميشال سليمان، الذي سلَّم البلد بالرغم من كل العراقيل أقله كما إستلمه، ليستثمر مرة أخرى حزب الله في الفراغ ويملأه هذه المرة بميشال عون، على وقع الإتفاق النووي الأميركي – الإيراني والتطورات في اليمن وسوريا، وتراجع أفرقاء الداخل تحت ضغط تلك التطورات، وكان ما كان من حكم ميشال عون الذي لم يغادر القصر إلا “مبارح العصر” ولم ننسَ بعد مآثر حكمه الكثيرة التي ما زلنا نعيش تداعياتها.

 بهذه المقاربة للإنتخابات الرئاسية وهذه النماذج التي يعرضها علينا حزب الله، إنما يؤكد المؤكد ويضع نفسه – كما كان دائماً – في الإتجاه المعاكس لمصلحة الشعب اللبناني بكل فئاته

 بهذه المقاربة للإنتخابات الرئاسية،  وهذه النماذج التي يعرضها علينا حزب الله، إنما يؤكد المؤكد ويضع نفسه – كما كان دائماً – في الإتجاه المعاكس لمصلحة الشعب اللبناني بكل فئاته – بإستثناء محازبيه ربما – الذي عانى ولا يزال الأمرّين من هذه السياسات التي بدأت مع وصول إميل لحود إلى السلطة، ويثبت مرة أخرى بأن مصلحة المحور الذي ينتمي إليه، هي في صدارة إهتماماته مهما كانت متعارضة مع مصالح الناس، وبهذا يكون قد وضع البلد  والأطراف السياسية والخارج – ربما – ربطاً بإنجاز الترسيم الذي سانده وأمَّن الغطاء له، وكثمن سياسي داخلي لهذا الإنجاز، أمام خيارين لا ثالث لهما جبران باسيل كمرشح تحدٍ، وسليمان فرنجية كمرشح “توافق”، ما يعني بأن المقبل بعد الترسيم مع العدو، هو ترسيم “الحدود” لمطالب الشعب اللبناني في الحرية والعيش الكريم، بحسب مصالح الحزب ومحمياته من الطبقة الحاكمة، ولا عزاء للشعب اللبناني ومطالبه حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا. 

السابق
مع صدور الموازنة.. هكذا اصبحت رسوم معاملات الأحوال الشخصية
التالي
المجلس الشيعي «يخطب ود» السفارة الأميركية!