حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: رئيسي «يتقمص» الشاه!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

بغض النظر عما جاء في كلام الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي في مقابلته الصحفية الاخيرة، بعد عودته الى ايران من اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة، وما تضمنته من وعود ومشاريع على المديين القريب والمتوسط، خاصة اصرار حكومته على التوصل الى اتفاق يلبي الطموحات الايرانية في الملف النووي مع الادارة الاميركية والمجتمع الدولي، الا ان المحطة الاساس والاكثر تأملا في كلامه وحديثه، تعود الى ما قاله عن موجة الاعتراضات والاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها ايران في الاسابيع الاخيرة، بعد مقتل الفتاة مهسا اميني، على يد عناصر شرطة الاداب وفرض الاخلاق والارشاد الى الطريق القويم تطبيقا لقوانين الحجاب. 

ان يقول رئيسي “يجب سماع صوت الاعتراض”، فهذا يدفع الى الاعتقاد بان فهم السلطة، الدولة والنظام، في ايران للابعاد الازمة التي برزت، من بوابة المطالبة بالغاء الزامية ارتداء ووضع الحجاب، حتى ما تبقى من اثار شكلية، لم يخرج عن اطار الفهم السلطوي الذي يرى ويعتقد بقدرته على اعادة ضبط الاوضاع واعادتها الى سابق عهدها، واعتبار ما حصل مجرد حادث عابر في اطار مؤامرة مستمرة، تقوم بها اطراف خارجية تسعى لاسقاط النظام والسيطرة على ايران او تقسيمها وتفتيتها، عقابا لها على موافقها المؤيدة لمطالب الشعوب المستضعفة والمظلومة والمحرومة من حقوقها. 

قول رئيسي انه “يجب سماع صوت الاعتراض” يدفع الى الاعتقاد بان فهم السلطة الدولة والنظام في ايران للابعاد الازمة التي برزت لا يخرج عن اعتقاد النظام انها ستمر كغيرها

يجب سماع صوت الاعتراض، يعني ان الرئيس بما يمثل، لا يوجه الخطاب الى ادارته، او لا يعتبره في دائرة مسؤوليته، المباشرة او غير المباشرة، بل يرمي به على عاتق جهة او جهات خارج دائرته، ولا يملك القدرة على فرض اي توجه عليها، او تجاوزها في وضع سياسات وسن قوانين، تلبي حاجات وواجبات السلطة التي يرأسها، والتي من المفترض بها ان تتعامل مع المجتمع الذي تمثله. 

موقف رئيسي، من هذه الاعتراضات، وعلى الرغم من الذهاب الى اعتماد سياسات حازمة في التعامل مع الازمة الاجتماعية، ودعوة الاجهزة الامنية لممارسة دورها وسلطتها القصوى، في القمع للتعامل مع “اعمال الشغب” واعادة فرض الامن والهدوء والقانون، الا انه في هذا الكلام، يرسم خطا واضحا بين مهمات ودور السلطة التنفيذية وسلطة النظام، وان حكومته تعمل بكل ما تملكه من قدرات لحل الازمات التي تواجهها ايران، نتيجة المشاكل الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الاقتصادية والحصار الاميركي والغربي. في حين ان مسؤولية معالجة الانقسام الاجتماعي الذي شق المجتمع الايراني عموديا، واظهر الفروق والتمايزات بين ارادة شريحة ليست قليلة او بسيطة من الايرانيين، وبين ارادة النظام ومؤيديه، تقع خارج صلاحياته، ومن المفترض بهذه الجهة، ان تقوم بالخطوات التي تساعد على وضع معالجات حقيقية، لانها المخولة في التعامل مع البنية العقائدية والايديولوجية للنظام وما يتعلق بها من قوانين. 

إقرأ ايضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: المرشد في خطر .. ماذا عن إيران!

رئيسي الذي لا يغادره موقف وكلام الشاه عام 1978، في التعامل مع المظاهرات الشعبية المعادية له والمطالبة برحيله، عندما خاطب الشعب الايراني بالقول “لقد سمعت اصوات اعتراضاتكم، وساعمل على حلها وتلبية مطالبكم”، وان الامور لم تسر بما يرغب ويريده الشاه بتهدئة هذه الاعتراضات، ولم تمر اشهر على هذا الموقف، حتى شاهد الجميع كيف كان يصعد سلم طائرته الخاصة، مغادرا الى الخارج في بداية رحلة التشرد على اجواء العواصم الغربية بعد ان اوصدت ابوابها على استقباله. لذلك سعى لنقل مسؤولية ومهمة “السماع او الاستماع” من دائرته الى دائرة منظومة السلطة، في موقف قد يشكل تعبيرا عما يدور من صراع خلف الكواليس بين مراكز القوى داخل هذه المنظومة، وسعي كل طرف او جهة لترتيب الارضية المناسبة لمرحلة الانتقالية ما بين المرشد الاعلى والخليفة الذي سيتولى القيادة من بعده.

وبالتالي فان دعوة رئيسي او تجهيل الجهة التي يجب ان تسمع صوت الاعتراض، هو محاولة تحميلها عبء وتداعيات اي خطوة مستقبلية، تصعيدية كانت او تراجعية، بعيدا عنه. وان الحدود التي يمكن ان يلجأ اليه من اجراءات لن يخرج عن حدود ما يملك من تفويض في ادارة الاجهزة الامنية والاشراف عليها، بحكم انها تتبع مباشرة لسلطة واشراف المرشد الاعلى ومكتبه الخاص، بضفته وليا للفقيه والقائد الاعلى والعام للقوات المسلحة.

بالاضافة الى توجيه رسالة واضحة للمنافسين، بعد احتدام الكلام والحديث عن خلافة المرشد نتيجة ما يحكى عن تراجع في صحته، باعتباره واحدا من هؤلاء المنافسين، انه لن يسمح لهم بحرق اوراقه واخراجه من السباق الى الخلافة لصالح اي منهم.

الهروب من الاستخدام الحرفي لكلام الشاه، وحتى الهروب من الاعتراف العلني بضرورة التعامل مع المطالب القانونية لحركة الاعتراضات، يكشف عن وجود منسوب عال من الخوف، الذي تحول الى عامل اساس مسيطر على خلفية التي تحكم تفكير قيادات النظام الاسلامي ويدفعهم لمحاولة الابتعاد عن الدائرة التي ادت الى الثورة والتغيير قبل 44 عاما. وهذا الخوف مصدره دقة المرحلة التي يعشيها ويمر بها النظام، بين الاستماع لاصوات الاعتراض في الشارع المطالب بالحقوق والحريات الشخصية والاجتماعية، وبين تمسكه بالحدود والقوانين التي سنها ووضعها انطلاقا من طبيعته الايديولوجية التي اعتمدها هوية له. 

الهروب من الاستخدام الحرفي لكلام الشاه وحتى الهروب من الاعتراف العلني بضرورة التعامل مع المطالب القانونية لحركة الاعتراضات يكشف عن وجود منسوب عال من الخوف

ارتفاع الصوت الشعبي الايراني في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ وعمر النظام، والعودة الى رفع شعارات رفض المساس بالحقوق الطبيعية وحرية تقرير المصير وحدود الحريات، اسهمت وقد تكون وضعت حدا لمسار بدأ من عقود من اجل تكريس سلطة تنسجم مع توجهات مؤسسة النظام، التي تسعى لالغاء وشطب مفهوم “الجمهورية” من هوية الدولة التي نشأت بعد ثورة عام 1979، لصالح تكريس مفهوم “الحكومة الاسلامية”، ما يعني ان هذه المنطومة عادت لتكون بين واحد من خيارين، اما ان تقبل الدولة العميقة بالتخلي عن هذا المسار الذي بات متجذرا داخلها، ام انها ستلجأ الى فرض توجهاتها والانتقال الى مفهوم السلطة التي تريدها، دون الاخذ بعين الاعتبار اصوات الاعتراض بمختلف توجهاتها واهدافها ومطالبها. 

السابق
بكركي تخشى على الصلاحيات «المسيحية» بعد 31 تشرين الاول
التالي
الترسيم رهن الطفافات وخط هوكشتين