الرئيس السوري أديب الشِّيشكلي لم يكن ديكتاتوراً …

 الرّئيس السوري أديب الشيشكلي لم يكن ديكتاتوراً . وهذه العِبارة الصَّريحة ، هي الفِكرةُ التي نَستَنتِجُها لدى قِراءتنا الكتابَ الصادر حديثاً، عن ” دار رياض الرّيّس ” في بيروت ، وفي طبعةٍ أولى 2022 ، تحت عنوان :  ” أديب الشيشكلي ( 1909 – 1964 ) : ألحقيقةُ المُغَيَّبة ” . ولقد اشترك في تحقيق هذا الكتاب ( الذي بلغ عدد صفحاته ال573 صفحة من القطع الكبير ) ، ألباحثان والكاتبان : بسام برازي وسعد فنصة .

يبقى الشِّيشكلي بين حُكّام سورية العسكريين الأقل عنفاً ، الأكثر حبّاً لبلده وحرصا عليها  

وإنّ عدم ديكتاتوريَّة الرّئيس أديب الشيشكلي ، هو المَعنَى الحرفيُّ والعميق  ، لِجُملة ” ألحقيقة المغَيَّبة ” التي حَمَلها هذا الكتاب عنواناً فرعِيّاً له .

أسانِيدُ تُنشَر للمرَّة الأولى

ويمتازُ هذا الكتاب ، عن غيره من الإصدارات السّابقة عن سِيرة أديب الشيشكلي وحياته ، بأنَّه كتابٌ يحتوي على وثائق وشهادات تُنشَر للمرّة الأولى . إذ تُقدِّم محتويات هذا الكتاب – مجتمعةً – كلَّ شيءٍ عن أديب الشيشكلي ، وعن سورية ، والشعب السوري ، والصِّراعات الداخلية والخارجية ، والأحداث التي عصفت بالمنطقة ، في الحقبة الزّمنيّة المتراوحة في ما بين العام 1946 والعام 1964 ( ذلك انّ العام 1964 هو العام الذي اغتيل فيه الشيشكلي ) .

 حقيقةُ أديب الشيشكلي

أمّا حقيقةُ أديب الشيشكلي ، وهي التي وضِع هذا الكتاب من أجل كشفِها وإظهارها ، بُغيةَ إِنصافِ رئيس سورية السَّابق ، فيُلخِّصُها ، نَصٌّ تَقدِيمِيٌّ للفصل الذي يتمحور حولها ،تحت عنوان : ” حقيقة أديب الشيشكلي ” .  وهو الفصل الخامس والعشرون لهذا الكتاب ، وهو الفصل  الأخير الذي جاء بمثابة خاتمةِ الكتاب ، والذي استُهِلَّ بتقديمٍ يَنُصُّ على أنّه :

” قبل اغتياله المادّيّ في حزيران ( يونيه ) 1964 تعرّض أديب الشيشكلي إلى حَملَةٍ منظَّمة ممنهجة لاغتياله معنويّاً ، بدات منذ استقالته في 1954 ، وتمّ اختزال صورة الشيشكلي إلى صفةٍ نمطيّةٍ وحيدة وهي أنه كان حاكِماً مطلَقاً  ” ديكتاتوراً ” ، بكل حمولة هذه الصفة المقيتة التي تعني القسوة والاستبداد والإجرام .

يُضِيئُ هذا الكتاب  سِيرة العقيد أديب الشّيشكلي كواحد من الشخصيات العسكرية التي كان لها تأثير كبير في تاريخ سورية المعاصر

” ولأنّ الحملة كانت منظَّمةً من أحزابٍ وجِهاتٍ محليّة ودولٍ إقليمية ، فقد سيطرت على الفضاء الإعلامي لفترة طويلة ولم يُتَح للشيشكلي مَن يدفع عنه هذه التّهم ويفنِّدها ، وهكذا ارتبط اسمه في اذهان بعض الناس بهذه الصفة التي غيَّبت أجمل مزاياه ، وطمست أكثر فضائله ، وقد التصق – نتيجة لهذه الدِّعاية السوداء – حيفٌ بالِغ بتاريخ الشيشكلي ، شوّه حقبته ، وأبرَزَها بوصفها شرّاً خالصاً وفساداً مطلقاً . وقد حاولنا  في الصفحات الماضية  أن نعرض الحقيقة المغَيّبة عن حقبة الشيشكلي بطريقة غير تبجيليّة ، وسعَينا إلى أن نؤرّخ لتلك الفترة بعقلٍ بارد ،وموضوعية غير منحازة ، تستند إلى الوثائق والشهادات ، وكما يقول المَثّل ( حين يحين الوقت اذي يصبح فيه للأسُود مؤرِّخوهم فإنّ تاريخ الصيد سوف يقتصر على تمجيد الصيادين ) .. ويمكننا أن نقول بثقة ( والقول للنص ) : لو كان ممكناً أن يكون هناك عل مدى التاريخ السوري مَن يمكن أن نسمّيه الديكتاتورالصالح  لكان هو الشيشكلي بامتياز . فقد كان حازماً لكنه لم يكن ظالماً ، كان يؤمن بالحلول الجذرية ، ولكنه كان يملك في نفس الوقت رؤيةً مستقبلية لسورية ، كان أميناً وكانت ممتلكاته الشخصية متواضعة جداً ، وكان يتمتع بسلطاتٍ مطلقة ، ولكنه لم يستغلها مطلقاً ، وقد شهدت جمهورية الشيشكلي  نهضة زراعية صناعية إجتماعية رائدة ، فأصبحت تتمتع بالاكتفاء الذاتي الغذائي ، وتصدّر المحاصيل الفائضة ، وشهدت توطين البدو ولم تعد تعتمد على المساعدات الخارجية .

” ولأنه كان طيب القلب ، نقي السريرة ، فقد كان يستمع أحياناً لمنى كانوا لايخلصون له النصيحة  ، وهكذا كان هناك – بالإضافة إلى الإنجازات – بعض النتائج السلبية ، منها حلّ الأحزاب ، والاستعاضة عنها بحزب واحد أصبح خزاناً للانتهازيين والمتسلقين ونهّابي الفرص ..

” يبقى الشيشكلي بين حكام سورية العسكريين الأقلّ عنفاً ، ىالأكثر حُباً لبلده وحرصاً عليها . كان يملك القدرة على اتخاذ القرارات  غير الشعبية إذا كان يرى فيها مصلحة للوطن ، كما كان يمتلك شجاعة رؤية الواقع كما هو ، لا كما يتمنى أن يكون ، ويصوغ قراراته على هذا الأساس .

” سنلاحظ ، بكل وضوح ، أن الشيشكلي لم يكن قارئاً جيداً لكتاب ” الأمير ” لميكيافلي ، ولم يلتزم بنصائحه وأولها ( من الأفضل أن يخافك الناس لا أن يحبوك ) ، ولكننا نعتقد أن الشيشكلي كان يفضل أن يحبّه الناس عاى أن يخافوه ، رغم أن هذا ليس من فنون السياسة التي تسعى إلى تمكين الملك في شيء .

” كان الشيشكلي يحب عائلته الصغيرة كافضل ما يحب رب عائلة أهلَه  ، ولكنه كان يحب وطنه حباً ملأ عليه حياته ، واستولى على تفكيره ، وقد حاول أن يغيّر وطنه إلى الأفضل ويجعله أقوى عسكرياً وأنجح إقتصادياً . لم يكن يريد أن يبعده مركزه عن الناس ، ولم يكن ينتظر منهم أن يخشوه ويخافوا منه وبدلاً من جعلهم يحاولون الصعود إلى موقعه كان يفضل أن ينزل إلى صفوفهم ، وهكذا يفوز بالحب الصادق الذي لا تشوبه شبهة التزلف والنفاق والطمع . ” .

محتويات الكتاب

ومحتويات هذا الكتاب ، تتشكل من:

مقدمة  كَتَبها بسام برازي ؛ ومدخل يتمحور حول عملية اغتيال الرئيس؛ وخمسة وعشرين فصلٍ ؛ وملحق خاص يشتمل على صور ووثائق .

ومن عناوين فصول الكتاب ، العناوين الآتية :

” ألنشأة ” ( نشأة أديب الشيشكلي ) ؛ ” أديب الشيشكلي في جيش الإنقاذ 1948 ” ؛ ما بعد الحرب العربية الاسرائيلية الأولى 1948 – 1949 ” ؛  ” إنقلاب أديب الشيشكلي ” ؛ ” محطات بعد انقلاب أديب الشيشكلي ” ؛ ” انقلاب أديب الشيشكلي الثاني ” ؛ ” سياسات أديب الشيشكلي الداخلية ” ؛ ” إصلاحات أديب الشيشكلي الاقتصادية ” ؛ ” الازدهارالصناعي والنهضة الثقافية والاجتماعية ” ؛ ” أديب الشيشكلي رئيساً ” ؛ ” أديب الشيشكلي واسرائيل ” ؛ وقائع الانقلاب على عهد أديب الشيشكلي ” ؛ ” الوضع السياسي بعد تنحّي الشيشكلي ” ؛ و ” سنوات الشيشكلي الأخيرة وحادثة اغتياله “؛

يمتاز هذا الكتاب بأنّه كتابٌ يحتوي على وثائق وشهادات تُنشر للمرّة الأولى

من مقدمة الكتاب

ومن مقدمة الكتاب نورد ما يلي :

” سنضيء في هذا الكتاب ، سِيرة واحدٍ من الشخصيات العسكرية التي كان لها تأثير كبير في تاريخ سورية الماصر ، وهي الفترة التي أعقبت جلاء الفرنسيين عن سورية في 17 نيسان ( أبريل ) 1946 ، وبالأخص مع بداية عصر الانقلابات العسكرية .

” إنه العقيد أديب الشيشكلي الذي ولد وترعرع في حماه سنة 1909 ، واغتيل في 27 أيلول ( سبتمبر ) 1964 .

” سيجد الباحث في تاريخ أديب الشيشكلي أنه شخصية إشكالية ، ففي اليوم التالي لتخليه عن الحكم في 25 ش المتوفرة ، والوثائق التي جرى الكشف عنها في وقت لاحق ، وشهادات معاصريه ، تقول غير ذلك .

” كان أديب الشيشكلي ، يوم اغتياله ، في الرابعة والخمسين من عمره ، ولم تتح له الفرصة لتدوين مذكراته أسوة بما فعله السياسيون والعسكريون الكبار من أمثاله ، ولذلك بقيت سيرته مبعثرة ، ومخفية في ثنايا الكتب والمراجع . وإنه لمن المؤسف حقاً أنّ بعض مذكرات السياسيين التي تناولت تلك الحقبة الزمنية الهامة من تاريخ سورية لم تكن منصفة ، وكان مؤلِّفوها ، في بعض الأحيان ، يفسرون الأحداث تفسيراً خاطئاً ، بحسن نية أو سوء نية ، والنتيجة واحدة ، وهي تصوير أديب الشيشكلي على أنه ديكتاتور ، قاسي القلب ، لايتورع عن سفك الدماء في سبيل الامساك بالسلطة المطلقة ، في حين أنه عفا حتى عن الذين حاولوا اغتياله ، وتخاى عن الحكم وهو في أوج قوته ، حقناً للدماء ، وتفادياً لاقتتال الجيش الذي كان يقوده .

” يهدف هذا الكتاب إلى إلقاء المزيد من الضوء على هذه المرحلة ، والتأريخ لهذه الشخصية التاريخية ، بعقلٍ بارد ، وموضوعية ، تبين آمالها وأحلامها ، أهدافها ومخاوفها ، انتصاراتها وانكساراتها ، ونقاط ضعفها وقوتها ، على ضوء الوثائق والشهادات والمراسلات التي أصبحت متاحة الآن بعد أن أفرجت وزارات الخارجية ، في بعض الدول المعنية ، عن وثائقها المرتبطة بتلك المرحلة ، ورفعت عنها السرّية .

كلّ شيءعن أديب الشيشكلي وسورية والسوريين وأحداث المنطقة في ما بين الأربعينيّات والستّينيات من القرن الماضي موجودٌ في هذا الكتاب

وجاء في نهاية المقدمة :

وكما أن هذا الكتاب تضمن  ” … شهادات حية لبعض من استطعنا التواصل معهم قبل رحيلهم ، وكان بعضهم من المناهضين لسياسات الشيشكلي ، كما حرصنا على توخي الدقة والموضوعية في نقل شهاداتهم بأمانة تامة . و ” كذلك تضمن الكتاب وثائق دولٍ عظمى ، دوَّنَت الوقائع اليومية ، والظروف السياسية ، واللقاءات السرية والعلنية ، التي تكشف الكثير مما خفي من بواط الأمور ، خلال حكم أديب الشيشكلي … ” .

إقرأ أيضاً : بعدسة «جنوبية»: «الإنتظار».. المعرض الفنّي الأول لمنى خويص

السابق
بالأرقام.. إصابات ووفيات «كورونا»
التالي
مقدمات نشرات الأخبار المسائية لليوم الإثنين 12 أيلول 2022