حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: حزب الله.. «إلى أين»؟!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

كلام رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط “البك” مع قناة المملكة الاردنية, حول مستقبل علاقته والجماعة السياسية التي يمثلها مع حزب الله، لم يكن هذا الكلام صادرا عن قراءات او اشارات لتحولات قادمة التقطها، وادت لكشفه عن لقاء قريب –حينها – سيجمعه مع قيادات من الحزب، هدفها البحث عن المساحة المشتركة لتفاهمات محتملة بين الطرفين حول مستقبل المرحلة المقبلة في لبنان. بل كانت مبنية بشكل كبير على ما اطلع عليه من معطيات وتطورات تخص المنطقة عامة، ولبنان خاصة، في اللقاء التمهيدي الذي حصل بينه وبين مسؤول وحدة الارتباط في الحزب وفيق صفا، ومهدت الطريق امام خروج المعاون السياسي لامين عام حزب الله حسين خليل من “وكره” الذي غاب فيه منذ ما بعد ازمة تشكيل الحكومة الحالية. 

جنبلاط كان واضحا في رسالته للاطراف اللبنانية الاخرى وامتداداتها الاقليمية والدولية، المحتشدة في المقلب الاخر المعارض والمختلف مع حزب الله، خاصة ما يتعلق بموضوع “السلاح” الذي يشكل عصب الازمة والخلاف مع الحزب، لما له من دور مؤثر و”سلبي” على التوازنات الداخلية والمعادلات السياسية. عندما قال في وصف الحزب أنه (ليس مكون من أجانب بل يمثل شريحة كبرى من اللبنانيين وأي رئيس سيأتي يجب أن يضع برنامج للحوار مع حزب الله و”لاحقاً” وضع أولوية كيف يمكن استيعاب سلاح الحزب ضمن الاستراتيجية الدفاعية). 

القراءة لجنبلاط لم تأت من فراغ او فقط بناء على قراءته السياسية، انما نتيجة ما دار من حديث بينه وبين صفا في اللقاء التمهيدي

هذا القراءة لجنبلاط لم تأت من فراغ او فقط بناء على قراءته السياسية، انما نتيجة ما دار من حديث بينه وبين صفا في اللقاء التمهيدي الذي كرس عودة الحوار المباشر والتقارب الحذر بين الطرفين، وما سمعه من تفاصيل عن رؤية الحزب للمرحلة المقبلة وحدود دوره وموقعه داخل المعادلة اللبنانية والتوازنات الاقليمية. من هنا جاءت اشارته الى السلاح وكيفية استيعابه ضمن الاستراتيجية الدفاعية، المنسجمة مع دعوة سابقة لامين عام الحزب قبل اشهر لتأجيل الجدل حول سلاح حزبه لمدة سنتين. 

من المرات النادرة، ان يتحدث قطب سياسي لبناني عن صيغة “توفيقية” تضع آلية حول “كيفية استيعاب السلاح في الاستراتيجية الدفاعية”، وهي صيغة لا بد ان تكون صادرة عن جنبلاط بعد محاولته الاجابة على سؤاله الدائم “إلى أين؟” والذي شكل ويشكل المظلة البراغماتية لتحولاته السياسية، وتعديل او تغيير موافقه من العداء والخصومة الى الحوار والتقارب مع اي طرف من اطراف او اقطاب الحياة السياسية اللبنانية والاقليمية والدولية.

“الاستيعاب”الذي تحدث عنه جنبلاط، قد يكون او يشكل “المخرج” الصعب والمعقد، الذي يخرج الخلاف او الصراع من الاستقطاب الحاد في فهم “الاستراتيجية الدفاعية”

“الاستيعاب”الذي تحدث عنه جنبلاط، قد يكون او يشكل “المخرج” الصعب والمعقد، الذي يخرج الخلاف او الصراع من الاستقطاب الحاد في فهم “الاستراتيجية الدفاعية”، واختلاف وجهات النظر حول مفهومها وابعادها وتطبيقاتها، بين قراءة الحزب التي لا تعارض هذه الاستراتيجية واهميتها ضمن معادلة “المقاومة” التي تشكل عصب وجوده وقوته، وان تتبنى الدولة فيها “عقيدة المواجهة والمقاومة”، دفاعا عن مصالح وسيادة لبنان”، ما يجعلها مكملة وقائمة على ما يملكه من قوة عسكرية وترسانة اسلحة وصواريخ وليس على حسابها، في مقابل قراءة ترى هذه الاستراتيجية مدخلا للتخلص من هذا السلاح، وتفكيك عامل او ورقة قوة الحزب ، وبالتالي تحويله الى مجرد حزب سياسي بلا “مخالب” يستخدمها لفرض رؤيته ومشروعه السياسي ومستقبل النظام اللبناني. 

وقد يكون من الصعب، فهم الالية التي يقبل بها الحزب، للتعامل مع ترسانته العسكرية ووحداته القتالية بمختلف اختصاصاتها، والتي باتت تصنف في خانة “الجيش المتكامل” وعدم امكانية ان يتم التفاهم على معادلة “الجيش الرديف” في التعامل معها وشرعنتها، في ظل الانقسام اللبناني رفض القوى الاقليمية والدولية لاي مقاربة من هذا النوع. وبالتالي يصبح “الاستيعاب” المدخل لحل هذه الاشكالية، في اطار معادلة لا تنهي او تفكيك هذه القوة العسكرية، وتسمح للحزب بتكريس دوره وشراكته في صياغة المعادلة السياسية والامنية كحزب لبناني اساسي وليس هامشي. 

القوة العسكرية للحزب، استطاعت ما بعد عام 2006 وحرب تموز، ان تكرس نفسها قوة ردع برية، بما تملكه من قدرات صاروخية باليستية عشوائية ودقيقة

يمكن القول ان القوة العسكرية للحزب، استطاعت ما بعد عام 2006 وحرب تموز، ان تكرس نفسها قوة ردع برية، بما تملكه من قدرات صاروخية باليستية عشوائية ودقيقة، الى جانب العنصر البشري في قواته المقاتلة وباعتراف اسرائيلي. ثم جاءت ازمة ترسيم الحدود البحرية التي سمحت للحزب باستعراض ترسانته، التي تسمح له بفرض معادلة بحرية. وبالتالي فرضت على الجانب الاسرائيلي التفكير كثيرا، قبل القيام باي عمل عسكري او استفزازي، حتى لا يتحول الى عمل عسكري متدحرج لا يريده او يرغب به. وبالتالي استطاع الحزب ان يتحول الى مصدر خطر حقيقي في مجالي البر والبحر، بانتظار ان يستكمل المعادلة العسكرية بالكشف عن قدراته، التي تسمح له بعرقلة عمل القوات الجوية الاسرائيلية، والتي سبق ان اشار لها الامين العام سابقا، عندما وضع معادلة استهداف المسيرات الاسرائيلية، وما التطور الذي حصل في قرية ميدون في البقاع الغربي، والتصدي لاحدى الطائرات الاسرائيلية المسيرة، سوى رسالة عن اقتراب موعد الكشف عن سلاح المضادات الجوية لدى الحزب، والتي تضاف الى ما يملكه من مسيرات استطلاعية وانتحارية مقاتلة. وبالتالي استكمال الاركان الثلاثة المفترضة في بناء الجيوش. 

ان ينفتح الحزب على جنبلاط، الذي يتحدث عن استيعاب القوة العسكرية للحزب في الاستراتيجية الدفاعية، يعني قبوله ضمنا بالمساعي التي تساعد على ايجاد الصيغة الكفيلة بذلك

ان ينفتح الحزب على جنبلاط، الذي يتحدث عن استيعاب القوة العسكرية للحزب في الاستراتيجية الدفاعية، يعني قبوله ضمنا بالمساعي التي تساعد على ايجاد الصيغة الكفيلة بذلك. وهي الصيغة التي تنسجم مع رؤيته الاستراتيجية للنظام اللبناني وما يريده من هذا النظام، بالاضافة الى كونه على استعداد وكما اعلنه امينه العام بان يكون ذراعا عسكرية التي تدافع عن السيادة الوطنية، الى جانب الجيش، خاصة في اي معادلة ما بعد ترسم الحدود، وما تخرج به التسوية على مستوى الاقليم، والتي قد تنتهي لصيغة تشبه الى حد كبير “تفاهم نيسان” عام 1996 على شكل موسع، تلتزم بها اسرائيل بوقف اعتداءاتها وانتهاكاتها البرية والجوية والبحرية، وتكون فترة اختبار قد تساعد في التأسيس لمرحلة سلام اقليمي لن يكون لبنان خارجها. في حين يبقى العمل على اعادة انتاج النظام السياسي، بما يضمن نقل المكون الشيعي، من شريك هامشي الى شريك اساسي في التركيبة اللبنانية والدستور، المسار الاكثر تعقيدا، وتتداخل في العوامل الداخلية والاقليمية والدولية، من اجل الوصول الى الصيغة التوافقية التي تحفظ حقوق ودور جميع الاطراف. 

السابق
تسعيرة جديدة لبدل النقل تدخل حيز التنفيذ.. كم سجلت؟
التالي
خاص «جنوبية»: قبلان قبلان «يشيل الزير من بير».. مستشفى الزهراء!