المملكة ودورها الإستراتيجي

بايدن والملك سلمان

تجري نقاشات داخل الإدارة الاميركية حول التعاطي مع مسائل الشرق الأوسط وأكثر تحديدا كيفية التعامل مع نظام طهران. فمنذ حكم باراك أوباما حتى اليوم، تحصل تجاذبات داخل الحزب الديمقراطي كما في أروقة البيت الأبيض وإدارته. بين هذه التيارات هناك تلك التي تذهب لمحاباة النظام الإيراني إلى حد التطرف فتريد التنازل لطهران عن رفع عقوبات الإرهاب وغض النظر عن قتل الأميركيين وقصف القواعد الأميركية ومطاراتها وتفجير سفاراتها حول العالم وصولا إلى انتقاد قرار ترمب باغتيال قاسم سليماني واعتباره خاطئا من الناحية الاستراتيجية، حيث “أجج موجة العداء للولايات المتحدة”، بل “شجع العمليات الانتقامية وجعل أمر التصدي لها عالي الكلفة”.

يعزي هذا التيار المتطرف ـ والذي يقف بطريقة أو أخرى مع كوبا وروسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا ولا سيما مع إيران ـ سياسته لزعمه أنّ طهران ستتخلى عن أيديولوجيتها المتجذرة العميقة بتصدير الثورة بمجرد مراضاتها بالقليل، ويعتقد أنها بذلك ستكف يدها وأيادي أخطبوطها عن زعزعة أمن الإقليم وووقف التدخل بالشؤون الداخلية للدول. لكنّ هذا التيار الأميركي يتجاهل العقيدة الوجودية لهذا النظام بـ”تصدير الثورة وحشد القوى داخل الدول إلى جنب ولاية الفقيه”.

اقرأ أيضاً: مأزق الاتفاق النووي.. عُقَد طهران!

سعى اللوبي الإيراني في واشنطن إلى إلغاء زيارة الرئيس بايدن إلى المنطقة، وعدم زيارة المملكة العربية السعودية، أو أقله تأجيلها لأكثر من مرة، مشجعا الإدارة على توقيع اتفاق في فيينا مع حكم الملالي حتى ولو كان أسوأ من اتفاق 2015 بحجة “نوقع ومن ثم نحسّن الشروط بوجه إيران”.

إزاء هذا الانقسام داخل الإدارة الأميركية، واجهت وزارتا الخارجية والدفاع دعوات “التخلي عن الحلفاء” والرهان الخاسر على نظام الملالي. وبعد تردد وتأجيل، حسم الرئيس بايدن خياراته فقرر زيارة كل من تل أبيب، والضفة الغربية، والمملكة العربية السعودية، كما المشاركة في أعمال قمة موسعة مفترضة تضم إلى جانب قادة دول مجلس التعاون كلاً من مصر والعراق والأردن.

فحَسْمُ بايدن خياره ليس مرتبطاً فحسب ـ كما يعتقد البعض ـ بحرب روسيا على أوكرانيا وتهديد سلاسل الإمدادات وارتفاع نسبة التضخم في الولايات المتحدة (الأعلى في الأربعين عاما الأخيرة)، بل لأن المملكة أثبتت سياسياً وإستراتيجيا أنها أكثر من آبار نفط وإمدادات طاقة وبترودولار، بل تضطلع الرياض بمهام تحفظ أمن واستقرار المنطقة والسلم العالمي.

تأتي زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط من جراء صمود المملكة بوجه تغوّل إيران في المنطقة. كما نتيجة لمساعي المملكة لإنهاء الحرب الدائرة في اليمن بالرغم من أن واشنطن رفعت ـ ولا تزال ـ الحوثي من لائحة الإرهاب. كما لدور السعودية المحوري في محاربة الإرهاب على أنواعه وباختلاف مذاهبه وتشعباته ومشاربه. إضافة لصمود الرياض في مفاوضات بغداد بوجه انتهاكات إيران للقانون الدولي وللقانون الدبلوماسي بالرغم من سحب واشنطن بطاريات الباتريوت في الوقت الذي كانت السعودية تتعرض فيه لهجمات إيرانية متكررة بصواريخ باليستية عبر الذراع الحوثية. ولم تكتفِ الرياض في هذه المباحثات باتفاقيات تتعلق بالحج أو بتبادل فتح السفارات، بينما طالبت بحزم تغيير طهران لسلوكها ودورها في زعزعة دول الإقليم.

تشدد المملكة لواشنطن على ضرورة استعادة دور أميركي أكثر توازنا بين الفلسطنيين والإسرائيليين، ولكي تكون زيارة بايدن إلى المنطقة مناسبة لإعادة التأكيد على تأييد “حل الدولتين”، وإبداء إدارة بايدن اهتماما حقيقيا بالمسألة الفلسطينية ووقف التهويد وعمليات الاستيطان وهدم البيوت.

مخطئ من يظن أن مسعى الرياض لتحديث الحياة ودمج نصف المجتمع في سوق العمل، وتطوير مجالات الاختصاص، وإباحة حرية التجمع وغيرها.. جاء استرضاء لواشنطن أو الغرب. فما تقدم عليه قيادة المملكة نابع من قناعة تطوير الحياة والاقتصاد وعدم الاعتماد على إنتاج وحيد الجانب قائم على استغلال الموارد النفطية ومشتقاتها فقط، فكانت رؤية 2030 الهادفة إلى بناء اقتصاد متنوع المعايير والأسس غير مبني على الثروة الوطنية فحسب. ويعلم الجميع أن ما أصاب المنطقة من ردة اجتماعية كان بسبب ثورة الخميني عام 1979 وما أشاعته من أجواء ارتدادية تأثرت المجتمعات بها.

فما جعل زيارة بايدن ممكنة وأمرا ملحاً يرتبط باضطلاع الرياض بالمهام الاستراتيجية وتنويعها لمصادر قوتها ومصادر أسلحتها بما فيها صفقات الصواريخ الباليستية من الصين (وفق تسريب ويتم تداوله) ودعوة الرئيس الصيني شي بينغ لزيارة المملكة، واستعدادها لتقاضي جزءا من ثمن صادراتها النفطية بعملة اليوان الصينية، وتنامي التعاون السعودي – الصيني والسعودي – الهندي ومع أستراليا واليابان وجنوب إفريقيا، كما حفظ التوازن مع موسكو لا سيما فيما يتعلق باوبك بلاس.

تقوى المملكة نظرا لقدرتها الاحتياطية على تنفيذ ما اتفق عليه في مجموعة أوبك بلاس، من رفع إنتاجها من النفط بدءا من تموز – يوليو الحالي وزيادة رفعه تدريجيا وفقا لما يأمل به المجتمع الدولي عامة. لكن الرياض ستطالب واشنطن بالالتزاماتها السابقة والوقوف معها بالدفاع عن أمنها “فعلا لا قولا”، خاصة بعد انقضاء استحقاق الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل.

السابق
الأنشودة المهدوية وبيئة حزب الله وأطفالها
التالي
بايدن يكتب: لماذا أذهب إلى السعودية؟