رسائل نصر الله..«الأمر لي»!

توفيق الهندي
توجه الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصر الله إلى اللبنانيين عموماً وإلى ممن يسميهم ببيئة المقاومة خصوصاً. كما جادل أخصامه متلبساً "لبنانيته" وكاتماً حقيقة مشروع "حزب الله" الإسلامي الجهادي، وعلاقته العضوية بالجمهورية الإسلامية في إيران.

والحقيقة أن “حزب الله” هو تنظيم عسكري-أمني-جهادي جزءاً لا يتجزء من الجمهورية الإسلامية منذ نشأته. مشروعه هو “أسلمة” العالم تبعاً لإجتهاد الأمام الخميني المسمى بولاية الفقيه، والمعتبر أنه يمثل الإسلام الحقيقي.

ضمن هذه الرؤية، يتحرك “حزب الله”، علماً أنه المكون الرئيسي لفيلق القدس الموكل إليه تصدير الثورة الإسلامية، من ضمن الحرس الثوري، كما أنه المكون الرئيسي لما يسمى بمحور المقاومة، وهو يضم أطرافاً علاوة على فيلق القدس، كنظام الأسد وحماس والحوثيين وسرايا المقاومة.

والدلالة على هذه الحقيقة، لا تحتاج إلى العودة إلى التصريحات والبيانات، التي يصدرها “حزب الله” وأمينه العام، التي قد يتسم بعضها ب”الغموض الخلاّق”، إنما تتطلب قراءة الدستور الإيراني وبيان “حزب الله” التأسيسي العام 1985، والوثيقة السياسية التي أصدرها الحزب تعبيراً عن مقررات مؤتمر العام الذي عقده سنة 2009.

أما غالبية أخصامه، المتميزين بسعيهم الدائم إلى فتات السلطة في اللادولة اللبنانية، والتغول على ما تبقى من مال الشعب، يتعامون عن جهل و/أو مصلحة عن ماهية “حزب الله”، مفضلين التوهم أنه بالإمكان التعاطي معه كطرف لبناني أو بالإمكان “لبننته” على أقل تقدير.

بهذا الأمر وبغيره، هؤلاء يخضعون أنفسهم إلى إملاءات الخارج الدولي و/أو الإقليمي و”توجيهاته وإرشاداته” إلى حد العمالة، بدلاً من التمسك بأولويات المصلحة اللبنانية، وإقامة علاقات موضوعية معه، على قاعدة أن مصلحة بعض هذا الخارج، قد لا تكون متطابقة مع أولويات لبنان الإستراتيجية والوجودية، في مرحلة من المراحل وقد تتقاطع معها في مراحل أخرى.

نصرالله دعا الأفرقاء السياسيين إلى الشراكة والتعاون اي حكومة مساكنة يفرض رأيه على الآخرين ويستخدمهم لإستجلاب المساعدات الخارجية!

قال نصر الله أن “المقاومة اقوى من أي وقت مضى”. هذا التقدير صحيح إلى حد معين: قوة الحزب بسلاحه المتراكم كماً ونوعاً، وبالظروف الدولية والإقليمية، أبرزها إنشغال الغرب بأوكرانيا، سياسة العقوبات غير الناجعة التي يعتمدها تجاه إيران، تعثر مفاوضات فيينا في وقت تطور إيران مشروعها النووي، تخبط إسرائيل الداخلي وتخوفها من صواريخ “محور المقاومة”، والتطورات الفلسطينية الخطيرة حتى داخل إسرائيل، عدم القدرة على مواجهة إيران عسكرياً في ظل إنشغال بايدن في أوكرانيا ومواجهة الصين.

اما تقديرات بعض خصومه اللبنانيين “الجهلة”، فهي تشبه التمنيات و”التصفير بين القبور”.

قال أن الدولة “ذاهبة إلى الانهيار”، مُجدّداً الدعوة “من موقع القوة والاقتدار للشراكة والتعاون (…) إن أردتم مناقشة كل شيء سويّاً فتفضلوا”.

فهو يستند إلى حقيقة أن لبنان في جهنم وأن جهنم لا قعر لها، وكأن لا مسؤولية له بهذا الوضع المأساوي. وهو يدعو الأفرقاء السياسيين إلى الشراكة والتعاون (حكومة مساكنة يفرض رأيه على الآخرين ويستخدمهم لإستجلاب المساعدات الخارجية) كما إلى “الحوار” حيث يفرض رأيه، وهو المحق دائماً، ولا سيما بإعتماد معادلته الذهبية “شعب، جيش ومقاومة”).

رسالته واضحة: إن لم تتجاوبوا مع ما أعرضه لكم، تتحملون لوحدكم مسؤولية خراب لبنان واللبنانيين، علماً أن وضع الحزب وجماعته أفضل من عامة اللبنانيين.

إقرأ ايضاً: خاص «جنوبية»: اللبناني تحت «المقصلة النفطية»..تسعيرتان يومياً والدولار هو الحل!

اعتبر نصر الله أن لبنان “أمام خيارين: لبنان القوي والغني ولبنان الضعيف والمتسوّل”، مذكّراً بأن “لدى لبنان كنز وثروة هائلة من النفط والغاز”. وفيما رأى أن مشكلة لبنان لا يحلّها “إلّا النفط والغاز في المياه الإقليمية”، دعا الفرقاء السياسيين إلى العمل على حمايتهما واستخراجهما.

ف”حزب الله” هو من يحمي هذا الكنز، ودعوته إلى إستخراجها تعني أنه سوف يطلق يد “الدولة” في المفاوضات مع إسرائيل عبر الوسيط الأميركي، دون أن يتورط هو بها ودون أن تفضي إلى التطبيع مع “العدو الصهيوني”، معتبراً أن الغرب وأوروبا وإسرائيل، يتعطشون إلى المحروقات إزاء تداعيات الأزمة الأوكرانية على سوقها. وهكذا يكون هو من ساهم في إخراج لبنان من أزمته الإقتصادية الخانقة، دون الحاجة إلى التسول والإرتهان وعلى حساب اللبنانيين وبهدف تمويل “مقاومته”.

ورأى نصر الله أن “تساؤل قوى سياسية عمّن كلّف المقاومة بالدفاع عن لبنان، يُعبّر عن “تخلّف سياسي وانحطاط أخلاق”، مشيراً إلى أن من كلّفها هو واجبها “الوطني والإنساني والأخلاقي والديني”. كما لفت إلى أن البعض في لبنان “لا يعتبر الإسرائيلي عدواً”.

بهذا الإدعاء يحاول أن يظهر أن “مقاومته” هي لبنانية ولا علاقة لها ب”مشروعه الإسلامي” الكوني. وبالمناسبة، فقد “أخذ بخاطر” القوى المقاومة الأخرى بعدم الإدعاء أن “حزب الله” يحتكر المقاومة.

دعوة نصرالله إلى إستخراجها تعني أنه سوف يطلق يد “الدولة” في المفاوضات مع إسرائيل عبر الوسيط الأميركي دون أن يتورط هو بها

أما بالنسبة لقوله أن البعض “لا يعتبر الإسرائيل عدواُ”، لا بد هنا من إبداء الملاحظات التالية:

  • إن إعتبار إسرائيل عدواً لا يعني أن مجابهتها يكون بالمقاومة العسكرية. من يحمي لبنان هو الجيش اللبناني والقوى العسكرية والأمنية الشرعية. وإذا كان الإعتبار أن القوى العسكرية والأمنية الشرعية ليست لديها القدرات للقيام بهذا الواجب، لماذا لا يسلم لها أسلحته وصواريخه الفتاكة؟! لا أظن أن أميركا والغرب يمكنهما ممانعة هكذا تطور، ولا أظن أن ليس لدى الجيش الكفاءة لإستخدامها.
  • لا أظن إطلاقاً أن إسرائيل التوسعية، في وارد تحقيق مشروع بعض الأطراف الصهيونية الحالمة بإسرائيل الكبرى “من النيل إلى الفرات”. فالحقائق والمعطيات الموضوعية لا تسمح لها بذلك، ولم نعد نسمع هذا الخطاب منذ زمن ليس بقصير.
  • إن “طمع إسرائيل بأرض لبنان ومياهه” غير واقعي كهدف لها وغير قابل للتحقيق، وإن تمنت ذلك إسرائيل، وهو يستخدم للدعاية وتخويف اللبنانيين عامة” والجنوبيين خاصة” لدفعهم إلى التمسك بحزب الله الذي “وحده يحميهم”.
  • إن إتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل عام 1949، خرقت عند وضع إتفاقية القاهرة عام 1969، وأدت إلى تحويل لبنان إلى دولة مواجهة. العودة إلى إتفاقية الهدنة منصوص عنه في إتفاق الطائف، وبغالبية قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بلبنان بما فيها القرار 1701. إن الإحتلال السوري للبنان أكمل العبث بلبنان، بتحويله جبهة مفتوحة على إسرائيل بمسميات مختلفة مقاومة وطنية وصولاً إلى المقاومة الإسلامية (حزب الله) التي إحتكرت “العمل المقاوم”، تجسيدا” للتحالف الإستراتيجي بين سوريا-الأسد والجمهورية الإسلامية في إيران.
  • بالنسبة لحزب الله لبنان يشكل منصة إنطلاق لمشروعه الجهادي ليس إلا، تحت شعار حماية لبنان. وعلاقاته مع حماس والجهاد الإسلامي، ولا سيما تسليحما في إطار “محور المقاومة” ليس سراً. وصحيح ما قاله نصر الله، أن المقاومة الوحيدة التي حققت نصراً ولم تحكم، هي “المقاومة في لبنان وخصوصاً حزب الله”، مُبيّناً أن الحضور في الحكومة هدفه “حماية ظهر المقاومة ومتابعة حاجات الناس، وإلّا فإن هذه السلطة ليست هدفاً لنا”. وهذا يدلل على الإطار الإسلاموي لمقاومته. وتحرير فلسطين وتدمير دولة إسرائيل تشكل هدفاً إستراتيجياً في إطار المشروع التاريخي للجمهورية الإسلامية في إيران. ولكن الصحيح في كلامه هذا أن السلطة في لبنان لا تهمه إلا كقاعدة آمنة لمشروعه الجهادي الكوني.

وحذّر نصر الله العدو الإسرائيلي من أن المساس بقُبة الصخرة والمسجد الأقصى، والتّمادي في العدوان على المقدّسات “سيؤدي إلى انفجار كبير في المنطقة وإلى ما لا تُحمد عقباه”.

هذا التحذير قد يكون مقدمة لتأزيم عسكري-أمني بين إسرائيل و”حزب الله” يستخدمه الحزب في لبنان في إطار لي ذراع معارضيه على تنوعهم، لإخضاعهم لمشيئته، إذا إقتضى الأمر.

كان لافتاً في خطابه السابق التمييز بين الدولة والسلطة وهذا يعني أنه لن يسلم سلاحه لدولة ليست سلطتها بكاملها بيده

وكان لافتاً في خطابه السابق التمييز بين الدولة والسلطة. وهذا يعني أنه لن يسلم سلاحه لدولة ليست سلطتها بكاملها بيده. وفي واقع الحال، هو يبغي مشاركة الأطراف الأخرى في هذه المرحلة كي تشكل له درعاً واقياً دولاتياً، في وجه أعدائه الدوليين والإقليميين.

غير أن الدولة هي المؤسسات الدستورية، والقضاء والإدارات والأجهزة العسكرية والأمنية، تعمل وفقاً للدستور والقوانين وتلتزم بإتفاق الطائف، وتنفذ القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان.

لا يمكن ل”حزب الله” أن يسلم سلاحه إلا لنفسه، عندما تسمح الظروف بأن تكون سلطة الدولة في يده، وخلاف ذلك يفقد علة وجوده، وعلة وجود النظام الإيراني، مما يمهد لسقوطهما.

السابق
خاص «جنوبية»: اللبناني تحت «المقصلة النفطية»..تسعيرتان يومياً والدولار هو الحل!
التالي
بالفيديو..مغنية لـ«جنوبية»: « حرب البيانات» لن تغطي سارقي «جنى عمر» المودعين!