٢٢ عاماً على «تحرير» ٢٥ أيار.. اللبنانيون والجنوبيون «ليسوا بخير»!

تحقق تحرير الجنوب والبقاع الغربي العام ٢٠٠٠، بفضل المقاومة آنذاك وصمود الجنوبيين و اللبنانيين عموما، وبقيت مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر ، على اساس أن يستكمل هذا التحرير بالوسائل اللازمة ومنها الدبلوماسية، كون هذه المناطق لم تشملها عملية ترسيم الحدود البرية بين لبنان واسرائيل ( الخط الأزرق).

وبعد ٢٢ عاما من التحرير ، لم يطلق اي قذيفة على مواقع الاحتلال الواقعة ضمن الأراضي اللبنانية، باستثناء حالات رد على عمليات استهداف مسؤولين او عناصر من حزب الله سواء في لبنان او سوريا.

كان “حزب الله” المبادر إلى فتح نار جهنم على اللبنانيين، و اقر أمينه العام السيد حسن نصرالله حينها بما يشبه الخطأ عندما قال “لو كنت اعلم”

بعد ست سنوات على التحرير، بداية حرب تموز ٢٠٠٦، عملية خطف الجنديين الإسرائيليين قرب عيثا الشعب، تحت “شعار” تحرير ما تبقى من أسرى وجثامين المقاومين ومنهم سمير القنطار ، التي اربكت الساحة اللبنانية وعمقت الصراع الداخلي بين اللبنانيين، ونتج عنها تدمير البنية التحتية في لبنان وسقوط آلاف الضحايا على امتداد مساحة الوطن وعلى وجه الخصوص الجنوب، الذي دفع ضريبة كبيرة، ما تزال آثارها ماثلة إلى الآن، لناحية ندوب الجرحى وتعويضات الأضرار وغيرها، فكان “حزب الله” المبادر إلى فتح نار جهنم على اللبنانيين، و اقر أمينه العام السيد حسن نصرالله حينها بما يشبه الخطأ عندما قال “لو كنت اعلم”.

عيد المقاومة والتحرير
عيد المقاومة والتحرير

مضى على حرب تموز، ما يقارب الستة عشرة عاما ، التي توقفت بموجب القرار ١٧٠١ ، ومنذ ذلك الحين أصبحت جبهة الجنوب هادئة إلى حد كبير على إيقاع، ما يسمى قواعد الاشتباك ، في حين بقيت الاستعدادات العسكرية لحزب الله على أوجها، لناحية تطوير ترسانته الصاروخية و مناورات اسرائيل المستمرة ، التي تبقي المنطقة على صفيح من النار الإقليمية.

بقيت الاستعدادات العسكرية لحزب الله على أوجها، لناحية تطوير ترسانته الصاروخية و مناورات اسرائيل المستمرة ، التي تبقي المنطقة على صفيح من النار الإقليمية

في لحظات التحرير الأولى، فرح الجنوبيون، وخاصة أبناء القرى والبلدات المحتلة، الذين انتشروا في بلدان العالم بعد تهجيرهم قسرا عن أرضهم وزج اهاليهم في السجون، حيث كان التحرير بعد ٢٢ عاما من الاحتلال، بمثابة حياة جديدة لأبناء الجنوب من الناقورة الساحلية إلى شبعا وكفرشوبا والغجر، اللواتي ما تزال تنادي بتحرير أجزاء محتلة من أراضيهم.

عيد المقاومة والتحرير
عيد المقاومة والتحرير

في الذكرى ال٢٢ للتحرير، الذي يحل بعد عشرة أيام، من انتخابات نيابية ، كان لها الوقع الصادم إلى حد كبير على “حزب الله” ثم حركة امل، في كل من دائرتي الجنوب الثالثة والأولى، بعدما كانتا حصنا منيعا جدا، ثمة تبدلات كبيرة، طرأت على حياة هؤلاء الناس، الذين كانت تملأهم الثقة، بأن تحرير الأرض، سيقدم لهم تحرير من نوع اخر، وهو حريتهم في العيش الكريم، وليس بقمع حرياتهم الشخصية والسياسية في محطات عديدة، يحملون مسؤوليتها للثنائي الشيعي ( حزب الله – حركة امل ) بأحجام متفاوتة ، واللذين يقبضان على كل مفاصل الحياة في الجنوب ومنها المناطق المحررة ، التي أطلقت فيها انتخابات العام ٢٠٢٢ التمرد الطائفي والمذهبي، على طاعة “الثنائي”، والتي سبقها محطات وأحداث بالغة الدلالات على تبدل المزاج من صوب حزب الله، كان أبرزها اعتراض أهالي من بلدة شويا في حاصبيا راجمة صواريخ ل”حزب الله” عائدة من أطراف البلدة بعد قصف موقع إسرائيلي في وضح النار ، وإذلال عناصر المقاومة الذين كانوا بداخل السيارة، حيث تركت هذه الحادثة واحدا من اكبر التحولات في هذه البيئة ، التي لطالما كانت تحتضن المقاومة منذ بدء عملها المسلح ضد إسرائيل، اواخر ستينيات القرن الماضي، وايضا لم يكن الرد في البيئة المسيحية اقل حجما، بعدما عبرت هذه البيئة في الانتخابات كذلك، عن تحجيم حزب الله في صناديق اقتراعها، تزامن مع تدني نسبة الاقتراع في البيئة الشيعية وبدء مسيرة العصيان على التخويف والتخوين.

فحرب تموز العام ٢٠٠٦ ، التي انهكت أبناء المنطقة، ودفعوا معها اثمانا باهظة من أرواحهم وممتلكاتهم، ما تزال ترخي بنتائجها

فقد أفرزت الانتخابات، والتي جاءت بعد، كسر حواجز كثيرة في انتفاضة ١٧ تشرين، آراء أكثر اتساعا وتطورا ، في النظرة إلى سلاح ( المقاومة ) لناحية مدى قدرة الجنوبيين، الذين يحملون على اكتفاهم الصراع مع العدو منذ العام ١٩٤٨ ، استمرار تحمل جبهة الجنوب واهله لمقاومة استراتيجية، بعدما كانت محلية الهدف. فحرب تموز العام ٢٠٠٦ ، التي انهكت أبناء المنطقة، ودفعوا معها اثمانا باهظة من أرواحهم وممتلكاتهم، ما تزال ترخي بنتائجها، حيث الكثير من أصحاب الممتلكات وخاصة الصناعية والتجارية، لم ينالوا إلى اليوم تعويضات خسائرهم من الدولة ولا حتى “حزب الله”.

في المقابل. ترتفع معدلات الهجرة من هذه المناطق الواسعة، إلى أصقاع العالم، بعدما فقدوا قدرات العيش في منطقة، أصبحت اشبه بمنتجع سياحي، يأتي إليها اهلها في شهور قليلة من كل عام في الصيف ومقفرة في الشتاء. جراء غياب فرص العمل وسيل الاستقرار .

اما اهلها المقيمون في الخيام ومرجعيون وبنت جبيل والطيبة وعيترون وحاصبيا وغيرها، يتسابقون على حجز دور لهم لدى اصحاب صهاريج المياه الغائبة عن المنطقة الظمأى.

لم تسعنا فرحة التحرير قبل ٢٢ عاما، اليوم نكتوي بمظلومية العيش

يأسف احمد وهو استاذ في التعليم الثانوي، لما الت اليه الأوضاع من بؤس وقلق البحث عن رغيف الخبز، ويقول ل”جنوبية”: لم تسعنا فرحة التحرير قبل ٢٢ عاما، اليوم نكتوي بمظلومية العيش، ولا نستطيع التوجه من بيروت إلى مرجعيون وبنت جبيل، الذي يكلف راتبا شهريا”. ويضيف”: بعد ٢٢ عاما تحولت المقاومة، إلى ما يشبه السلطة، ولم يعد همها تحرير ما تبقى من أرض.

تحرير جنوب لبنان 2008

وتؤكد علا التي تحمل شهادة في الدكتوراة ل “جنوبية”، “إننا نشعر حاليا بتحرير من نوع اخر. فنتائج انتخابات حاصبيا – مرجعيون تستكمل عملية تحرير الأرض، وإنشاء الله ان تتحرر بنت جبيل وغيرها في الانتخابات القادمة”، وتضيف”: لا يزايدن علينا أحد في المقاومة وبذل الدماء ، لقد قدمنا الكثير، وما نريده تحريرنا من تربيح الجميل”.

السابق
اللواء ابراهيم يكشف كواليس لقائه الحريري.. هل يعود لرئاسة الحكومة؟
التالي
انهيار تاريخي لليرة.. الدولار على عتبة الـ٣٤ الف!