العلاقة المارونية الشيعية المأزومة تشكل خطراً على لبنان

أنطوان سلامه: حتى هذه الساعة تشير المعلومات الى أنّ رئيس حركة أمل نبيه بري سيجدّد لنفسه في عرش مجلس النواب الا اذا…

مهما كانت النتائج أو الاتجاهات التي ستتكوّن في هذه المعركة، فإنّ الثابت، من نتائج الانتخابات والخطاب الخشبي للثنائي الشيعي توحي بجمود ” مستنقعي” لهذا الثنائي.

لا تغيير في الأداء.

لا تغيير في الوجوه.

لاتجديد في الطروحات، خصوصا أنّ هذا الثنائي الذي يشكل “قاطرة” النظام الطائفي الحالي وحاميه(مع القيادات الطائفية الاخرى)،هو عامل أساسي من عوامل الانهيار اللبناني العام،إن في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإن في تحديد موقع لبنان على الخريطتين الإقليمية والدولية.

اقرأ أيضاً: «الثنائي» ينتصر على الشيعة!

باختصار، لا يملك الثنائي أيّ برنامج واضح وعملي ورؤيوي للانقاذ في مقابل عدم امتلاك التكتلات النيابية الكبرى كالحزب التقدمي الاشتراكي والتيار والقوات أيّ برنامج إصلاحي متماسك وواقعي وقادر على انتشال لبنان من “جهنم”.

وإذا كان هذا الثنائي نجح في مدّ علاقات بنيوية ومصلحية مع الطوائف الأخرى، كمكوّن سياسي عابر للحدود المحلية والخارجية، فأسس علاقات مع الطائفتين السنية والدرزية، مع تسجيل اهتزازات مستمرة فيها، وفي أحيان كثيرة عنيفة ودموية، فإنّ هذا الثنائي يعمّق شرخا بدأ يتسّع مع الرأي المسيحي، والماروني تحديدا، بحسب نتائج الانتخابات، حيث تراجعت الأصوات التفضيلية للتيار الوطني الحر، و”ظمط” تيار المردة “بريشه” على حدّ تعبير زعيمه سليمان فرنجية.

تكشف معركة رئاسة المجلس علاقة ملتبسة بين الثنائي الشيعي والقاطرتين المارونيتين، القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر.   

 يكابر الثنائيان المتقابلان، الشيعي والماروني، في تخطي الخلافات الجوهرية التي تفصل بين الموارنة والشيعة سياسيا ووجوديا .

منذ العام ٢٠٠٥ اتسعت الهوة التي تفصل بين الجانبين ولو تقاطعت بينهما المصالح داخل المنظومة الحاكمة.

وإذا كانت حوادث الطيونة -عين الرمانة عمّقت الشرخ بين القوات اللبنانية والثنائي الشيعي وصبّت فيه دما، فإن العلاقة بين التيار الوطني الحر وهذا الثنائي تحكمه تعرجات، منها، خطاب الكراهية بين التيار وحركة أمل ، حتى أنّ اتفاق مارمخايل بين قيادتي ميشال عون وحسن نصرالله اهتز مرارا ولم يقع لحسابات مصلحية، الا أنّ ما قاله رئيس التيار جبران باسيل عن هذا الاتفاق، أنّه نجح في صون  السلم الأهلي وأخفق في بناء الدولة يعبّر عن عمق في الشرخ، فماذا يعني السلم الأهلي حين يتمّ فصله عن الدولة؟

أما العلاقة بين بكركي وحزب الله فهي في أسوأ مراحلها، وتمتد “العداوة السياسية والوطنية” الى المرجعيات الدينية اذا ما ذكرنا الخطاب السياسي “المشحون” الذي يعبّر عنه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي ذهب الى تخوين علني للبطريرك في طرحه الحياد.

خلافات الموارنة والشيعة، سياسيا ووطنيا، عميقة، والخطير فيها أنّ “العقلاء” يغيبون عن ادارتها، وتدوير زواياها بشكل منطقي وشفاف.

وإذا كانت العلاقة بين الطائفتين شهدت تاريخيا صراعات على السلطة والأرض والتوزّع الديمغرافي، في زمن حكم آل حمادة في بدايات الفتح العثماني ، فبرزت هذه العائلة الشيعية بعد فتك مقدمي بلدة جاج، ليعود الأمير يوسف الشهابي(١٧٩٠-١٧٤٨) ليؤمن هجوما مضادا عزّز الوجود الماروني خصوصا في الشمال على حساب التمدّد الشيعي، فإن هذا الصراع لم يتراجع في المفاصل التاريخية، منذ الحرب الأهلية العام ١٨٦٠ وصولا الى التكوّن اللبناني بعد انهيار السلطنة العثمانية، وما شهدته هذه المرحلة من تصادمات في الخيارات انعكست صراعات سياسية، ودموية أحيانا ، منذ ثورة الشريف حسين، أو الثورة العربية امتدادا الى قيام دولة  لبنان الكبير وصولا الى الاستقلال وما بعده.

لا تعني هذه اللمحة التاريخية السريعة، وهذا التوصيف للعلاقة الحالية بين الموارنة والشيعة، أنّ تاريخهما المشترك يخلو من الوّد، لكنّ المراجعة البيانية لها، لا تؤمّن “حواصل” إيجابية.

السؤال، الى متى يبقى “التكاذب”  سيد العلاقة بين الجانبين، طالما أنّ الخلافات المارونية الشيعية لا تزال تتحكّم في الخيارات وفي السلطة وفي الانتظام العام؟

لا تندرج هذه المقدمة في سياق ” الشحن الطائفي” أو نبش القبور التاريخية، بل هي المدخل الصحيح لمعالجة الالتباسات الخطيرة التي برزت بعد العام ٢٠٠٥،بين الجانبين، والتي تتمثّل حاليا في معركة رئاسة مجلس النواب.

ومن المفيد القول إنّ الصراعات الطائفية في لبنان تشكل مروحة واسعة ومتعددة الرؤوس، لكنّ أخطرها حاليا، ما يجري بين الموارنة والشيعة، من تباينات جوهرية تطال بناء الدولة في حاضرها ومستقبلها.

وإذا لم تتدارك القيادات المارونية والشيعية هذا الانجراف الى “خطاب الكراهية” وانقطاع الحوار الصادق والعقلاني والصريح ، فإنّ الحرب الأهلية الذي يتخوف كثيرون من اندلاعها  مجددا، ستنطلق شرارتها، من شارع أو محلة، فيها خطوط تماس بين ” الحاقدين” من الجانبين.

هذا التخوف واقعي وفي محله.

فأين العقلاء؟

السابق
بالفيديو: خطاب العلامة الأمين يعود الى الواجهة بعد إدانة نصرالله لشعار «شيعة شيعة».. هذا ما قاله عام ٢٠١٩!
التالي
جعجع بعد فوزه بالانتخابات: لدينا أكبر كتلة برلمانية