متحف خان صاصي الصيداوي..كنوز أثرية تروي أمجاد الماضي!

خان صاصي صيدا

يعتبر متحف خان صاصي داخل الأسواق القديمة في مدينة صيدا اللبنانية، من المعالم الأثرية المثيرة للزيارة، لما يحتويه من كنوز تاريخية تعكس الغنى التراثي للمدينة. فمعالم صيدا التراثية وخاناتها كثيرة جدا، منها ما يعود تاريخه إلى العصور الفينيقية المختلفة وأخرى إلى العقود المسيحية والعربية والصليبية والمعنية والعثمانية.

وبالإضافة إلى متحف خان صاصي، تضم مدينة صيدا 42 موقعًا من المعالم السياحية الأثرية، منها متحف الصابون (مؤسسة عودة) ومتحف قصر دبانة وخان الإفرنج الذي كان يشكل مكان استراحة الرحالة والتجار الغربيين.

وتعرف الوثائق في المكتبة العامة في مبنى بلدية صيدا، أن الخان هو مكان عام يشكل محطة استراحة أو إقامة مؤقتة قرب مرفأ المدينة لقوافل التجار والبحارة للقاء القوافل، ولكل خان اختصاصه، فنجد في مدينة صيدا خان الرز للحبوب وخان العطارين للعطور والأعشاب والنباتات الطبية.

تؤكد وثائق المديرية العامة للآثار في لبنان، أن الخان هو من أملاك عائلة صاصي وهي من العائلات المالكة في مدينة صيدا

وتؤكد وثائق المديرية العامة للآثار في لبنان، أن الخان هو من أملاك عائلة صاصي، وهي من العائلات المالكة في مدينة صيدا، وتضيف «سابقا كان خان صاصي وقصر دبانة وعودة لشخص مغربي اسمه آغا حمود لكنه باع هذه الممتلكات بعدما ساءت أحواله المادية».

وبعد أن باع آل حمّود القصر، قام آل دبانة بشراء السلاملك، وآل صاصي اشتروا الحرملك الذي بات يعرف اليوم بخان صاصي.

أما الرحالة هنري موندرال سنة 1697 فقد كتب في يومياته عن التجار الفرنسيين الذين يملكون في مدينة صيدا، المؤسسات التجارية الأهم في الشرق:
«نصبنا خيمنا خارج مدينة صيدا اللبنانية قرب حوض ماء، لكن الفرنسيين اصطحبوا إلى مسكنهم الذي كان خانا كبيرا قرب البحر، حيث يقيم القنصل وكل القوم».

الفترة الصليبية

ويرجع تاريخ خان صاصي إلى الفترة الصليبية (1099- 1291) ويتكون من عدة صالات مقببة تم ترميمها وتأهيلها مجددا عام 2010. ويُعد الخان المبنى الفريد والمعاصر للقلعة البحرية الواقعة على بعد 300 متر فقط منه.

ومتحف خان صاصي، أحد أهم المعالم التراثية في لبنان وأهم الوجهات ​التاريخية في مدينة ​صيدا​ القديمة، والخان معلم أثري قديم ذو سقف محدب وجدران مرصوفة بالحجارة، وهو مبني من الحصى والجص والصاروج، يأوي داخله بئرا وبعض حمامات المياه الساخنة القديمة، كما يحتوي على تراس يطل على أسواق صيدا القديمة.

الجولة داخل الخان فرصة لاكتشاف الأقسام المختلفة التي يتضمنها المتحف خصوصا تلك التي عثر عليها خلال أعمال الحفر والترميم، أبرزها الغرفة الموجودة تحت الأرض، والتي تحتوي على فرن وآبار وحمّام، ومن المرجح انها تعود إلى عهد المماليك. وكان الفرن يستخدم لصنع الفخار ولتسخين مياه الاستحمام. كما توجد غرفة لتخزين المؤن كالقمح وغيره من الأطعمة.

أمَّا البناء الأعلى داخل الخان، فهو من عهد الصليبيين، وهذا ما تدلُّ عليه سماكة جدرانه، فكان يضم في داخله بئر مياه للشرب، وغرفا للإقامة والاستراحة. أما بناء الجهة الثالثة، فمن الواضح من حيث تصميمه أنه يعود إلى العصر العثماني.
وخان صاصي عبارة عن مخزن للمونة وإسطبل للخيول، وفوقه بيت يتألف من ثلاثة طوابق، وهو يعتبر نصف قصر حمّود الذي شُيّد عام 1711 على الطراز التركي، أي كان يحتوي على قسمين، هما السلاملك والحرملك.

إذ إن السلاملك هو مكان الاستقبالات، والحرملك هو مكان للنساء والأطفال. وهذا التقسيم هو قديم جداً في العمارة العربيَّة، ويعتقد باحثون بأنه يعود في الأصل إلى التراث العثماني/التركي، وتكرّس تقريبًا في فترة الإمبراطورية العثمانية في المنطقة.

يرجع تاريخ خان صاصي إلى الفترة الصليبية (1099- 1291) ويتكون من عدة صالات مقببة تم ترميمها وتأهيلها مجددا عام 2010

إلى جانب بئرين محفورين من أنماط معمارية مختلفة تتغذى من الخزان الجوفي الساحلي الذي يشهد على ثروة المدينة المائية منذ ذلك العصور القديمة، هناك بئر ثالث يقع في الجناح الأيسر من الخان، متصل بالقصر العلوي، وفرن متعدد الاستخدامات، الفترة العثمانية (1517-1918) وغرفة للمؤن بأرضية مرصوفة، إلى جانب العديد من الخزفيات من عصور مختلفة.

كما يعرض متحف الخان مجموعة غنية من الاكتشافات والقطع الأثرية القيمة من ضمنها لوحات فنية وأحجار كريمة وأواني فخارية ومنحوتات حجرية وغيرها.

قصر دبانة وعودة

«القدس العربي» جالت داخل الخان، والتقت المشرفة الإدارية ماندا خليل، التي أوضحت أن خان صاصي هو لعائلة صاصي، وهم من المالكين في مدينة صيدا منذ قرابة 300 عام، وأوضحت أن الخان وقصر دبانة وعودة، لشخص مغربي اسمه آغا حمود وعندما ساءت أحواله المادية، باع جزءا كبيرا منه للعائلات الصيداوية.

ولفتت إلى أن العائلة المغربية غادرت مدينة صيدا بعد الزلزال الذي ضربها عام 1956 وبعد ثماني سنوات من الزلزال، عاد أنطوان صاصي، وهو المسؤول عن الخان، وقرر أن يعيد ترميم المكان.

وعندما بدأ الحفر اكتشفت آثار يعود جزء منها لعهد المماليك وجزء آخر لعهد الصليبيين. آثار المماليك موجودة أسفل المراحيض، والتي كانت تخص ​النساء​.

إقرأ أيضاً: خاص «جنوبية»: جهات مصرفية «تَلم» الدولار ليلاً..وسعر الصرف إلى 30 ألفاً خلال رمضان!

كما وجد فرناً كان يستعمل لصنع الفخار ولتسخين ​المياه​ للاستحمام، بالإضافة إلى وجود غرفة للمؤن استخدمت لتخزين القمح والحبوب التي تحتاج إلى حرارة منخفضة. أما بالنسبة إلى قسم الصليبيين، فكان يضم في داخله بئر مياه للشرب، وغرف راحة كانت تخص ​التجار​.

طراز العمران العثماني

وقالت خليل أنه منذ عام 2010 كان العبور إلى الخان ممنوعاً، بعدما بدأ المالكون من آل صاصي ورشة ترميمه حينذاك. قبل ذلك، كانت طبقاته الثلاث وأجنحته وأقبيته وعلياته مفتوحة أمام عائلات صيداوية شردها زالزال عام 1956 سكنت في بعض أجنحته، وأدخلت إنشاءات إسمنتية على طرازه العمراني العثماني، في حين غلب الإهمال أقسامه الأخرى. كما تحول إلى مستودع للفحم خلال فترة الحرب اللبنانية.

وذكرت خليل، أن الخان كان قديماً عبارة عن مخزن للمونة وإسطبلاً للخيول، وفوقه بيت يتألف من ثلاثة طوابق، وهو يعتبر نصف قصر حمود، الذي شيد عام 1711 على الطراز العثماني، أي كان يحتوي على قسمين، هما السلاملك والحرملك؛ وهذا التقسيم قديم في العمارة ويعود بالأصل إلى التراث العثماني.

وأوضحت أنه في ساحة القصر الخارجية، يوجد بئر ماء معين تُرفع المياه منه بدلو معلق على دعامتين من الرخام. وفي القصر حمام والعديد من غرف الجلوس، وبعض غرف ​المنامة​، بالإضافة إلى غرف يقال لها «الإسمندرة» تستعمل للمونة المنزلية. وبعد أن باع آل حمود القصر، قام آل دبانة بشراء السلاملك، وآل صاصي اشتروا الحرملك الذي بات يعرف بـ«خان صاصي».

غرفة تحت الأرض

كما أكدت أن هذا الخان يبقى من إرث آل صاصي، وهو أحد الأمكنة الأثرية والسياحيّة في مدينة صيدا، تقام بداخله أنشطة عدة، منها الثقافية والفنية، وحتى الأعمال الخيرية.

ولدى سؤالها عن ما إذا كان الخان يستقطب عددا كبيرا من السياح، أشارت خليل إلى أن هناك اقبالا من السياح على الخان، ولكن في الفترة الحالية انخفض عدد السياح بسبب الأوضاع الراهنة والانهيار الاقتصادي العام الذي تتعرض له البلاد، وما يهم صاحب الخان هو الحفاظ على إسم العائلة.

وتجدر الإشارة إلى أن عائلة صاصي تتفرع من ثلاثة إخوة، جاء والدهم من الشام، وهم يوسف ونقولا ومخايل، وهم أول من سكنوا في هذا الخان الأثري، وعملوا في التجارة وكانوا من كبار الملاكين. وكانت هذه العائلة من العائلات الثرية، أما باقي أفراد العائلة، فنزح القسم الأكبر منهم إلى بيروت رغبة في تحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية.

ويقول أحد أفراد عائلة صاصي، الدكتور أندريه صاصي: «تؤكد التقارير المتداولة أن آل حمّود باعوا القصر، وقام آل دبانة بشراء السلاملك، وآل صاصي اشتروا الحرملك الذي بات يعرف بـ(خان صاصي). وبعد الزلزال الذي ضرب لبنان عام 1953 تمَّ تأجير البيت (الخان) وسكنته أكثر من 17 عائلة، وبقيت فيه لمدة 50 عاما من دون أي صيانة، وبعد استرداد آل صاصي لمبنى الخان بدأت العالة بعملية الترميم».

ويلفت إلى أن العائلة دققت كثيرا بأساس البناء قبل عملية الترميم، «لأنّ الكثير من الأبنية القديمة كانت تتهدم أثناء عملية الترميم» مضيفا، «عندما بدأت عملية الترميم بدأ الحفر فكانت المفاجأة بوجود غرفة تحت الأرض، وتمت عملية الحفر التي أظهرت وجود فرن وآبار وحمّام، يُقال إنها منذ عهد المماليك. أمَّا البناء الأعلى، فهو من عهد الصليبيين، وهذا ما تدلُّ عليه سماكة الجدران المختلفة. والجهة الثالثة، واضحة أنها من العصر العثماني، وهي على مستوى المدينة من حيث الارتفاع، أما الآبار والحمام فهي تحت مستوى المدينة، ما يدل على أنه تحت مدينة صيدا كانت هناك مدينة أخرى سابقاً». ولفت صاصي إلى أنَّ «عملية الترميم والصيانة استغرقت خمس سنوات».

رحلة عبر الزمن

منذ القرن الثالث عشر وحتى يومنا هذا خضع خان صاصي لتغييرات عدة تنقلنا برحلة عبر الزمن. وسمحت أعمال إعادة تأهيل المبنى بالكشف خلال عمليات التنقيب وإزالة الردميات النموذجية من العصر المملوكي مع قبابها وفتحات قاع الزجاجة تسمح بمرور الضوء.

عام 2012 قررت عائلة صاصي ترميم الخان من خلال مؤسسة «آل صاصي» التي عمدت إلى إعادة الخان لسابق عهده

عام 2012 قررت عائلة صاصي ترميم الخان من خلال مؤسسة «آل صاصي» التي عمدت إلى إعادة الخان لسابق عهده، لكي يتماشى مع ما تشهده مدينة صيدا القديمة من إحياء لتراثها التاريخي والحضاري.

كما جال فريق هندسي من جامعة كولومبيا في أمريكا في الخان من أجل وضع دراسة وافية حول معالم الخان والقطع الأثرية داخله وأهميتها التاريخية، ودعت إلى الإسراع في ترميمه وإعادة افتتاحه أمام الدارسين والباحثين وللعموم.
وبدأت أعمال الترميم بعد ما أنهكه الإهمال، وذلك بهدف إعادته لسابق عهده. وعملت ورش الترميم على هدم ما أدخلت على الخان من إنشاءات إسمنتية شوهت طرازه المعماري العثماني. كما قد حوّل إلى مستودع للفحم خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية .

ولكن رغم الترميم، لم يُفتح الخان للعموم، بل نظم المالكون فيه حفلات خاصة وأمسيات موسيقية خُصّصت لجمع ​التبرعات​ لمؤسسات خيرية.

ومن أبرز ما شهده خان صاصي التراثي خلال السنوات الماضية، المعارض الدولية لفنانين تشكيليين حائزين على جوائز عالمية.

السابق
«حزب الله» يجمع خصومه في لوائح موحدة..لنيل الثلثين النيابي!
التالي
صندوق النقد: لبنان امام «الفرصة الأخيرة»..وأزمة أعمق آتية بعد الانتخابات!