الغزو الروسي لأوكرانيا يعمّق جراح لبنان

سعد الحريري ميشال عون

يأتي الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية ليؤكد صحة ما حذّر منه عدد من القيادات اللبنانية من إدراج لبنان على لائحة الانتظار وترحيل إخراجه من التأزُّم الذي يتخبّط فيه إلى ما بعد وضوح الوضع في المنطقة المفتوحة على سرعات لا تعد ولا تحصى يمكن أن تدفع باتجاه إعادة النظر في الخريطة الدولية في ضوء الرهان بلا ضوابط على أن المفاوضات النووية الجارية في فيينا ستتوّج في نهاية المطاف بتجديد الاتفاق بين واشنطن وطهران مع إدخال بعض التعديلات عليه.

ويقول مصدر نيابي مقرّب من القوى السياسية الداعية إلى فك ارتباط الحل في لبنان بالمتغيّرات المرتقبة على المستويين الإقليمي والدولي، بأن من راهن على حصول متغيّرات في المنطقة لتحسين شروطه في التسوية الداخلية سرعان ما اكتشف مع بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية بأن رهانه لم يكن في محله.

عون أخلّ بالتوازنات الداخلية عندما دفع بالحريري للاعتذار عن تشكيل الحكومة بموافقة ضمنية من «حزب الله»

ويؤكد أن الفريق الذي كان يعتقد بأن المتغيّرات في المنطقة ستأتي لمصلحته بدأ يكتشف أن حساباته خاطئة وأن وضع كل أوراقه في خدمة محور الممانعة بقيادة إيران لم يكن في محله.

ويلفت المصدر النيابي إلى أن رئيس الجمهورية والفريق السياسي المحسوب عليه لم يكونا مضطرين إلى هدر الوقت بتفويت الفرصة التي أُتيحت لهما للمضي في مشروع إنقاذ لبنان بإخراجه من أزماته ووضعه على سكة التعافي المالي، خصوصاً بعد أن لقي احتضاناً دولياً فرضه الانفجار الذي استهدف مرفأ بيروت ما أعاده إلى خريطة الاهتمام الدولي.

ويرى أنه كان يتوجّب على رئيس الجمهورية السير قدماً إلى الأمام في الخطة الإنقاذية بدلاً من أن يُقحم نفسه في اشتباكات سياسية توخّى منها إلغاء القوى السياسية التي هي على خصام مع وريثه السياسي «رئيس التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.

ويؤكد أن عون لن يكفّ عن إقصاء هذا الطرف أو إلغاء ذاك ظناً منه بأنه سيتمكن من إعادة تعويمه لباسيل وإدراج اسمه على لائحة المتنافسين للتربُّع على سدّة الرئاسة الأولى، ويقول إنه أخلّ بالتوازنات الداخلية عندما دفع برئيس الحكومة السابق سعد الحريري للاعتذار عن تشكيل الحكومة بموافقة ضمنية من «حزب الله»، وإن كان فضّل الوقوف على الحياد رغبة منه بتفادي إقحام البلد في فتنة مذهبية بين السنّة والشيعة.

ويضيف المصدر نفسه أن عون تخلّى بملء إرادته عن دوره الجامع للبنانيين وانحاز إلى محور الممانعة بدلاً من أن يتخلى عن رهانه على المتغيرات التي ستعصف بالمنطقة وتتمدد إلى لبنان وستصب حتماً لمصلحته من خلال وضعه جميع الأوراق في السلة الإيرانية لتحسين شروط طهران في مفاوضات فيينا بما يمكّنها من إعادة تركيب لبنان سياسياً وصولاً إلى توفير الشروط لباسيل ليتقدّم على منافسيه من المرشحين لرئاسة الجمهورية.

ويرى أن عون أهدر الفرصة التي أُتيحت للبنان للإفادة من مؤتمر «سيدر» الذي رعته باريس لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته، وأمعن في تماديه في تعطيل تشكيل الحكومات، ولم يُفرج عنها ما لم يحصل على ضمانات تجعل من باسيل الآمر الناهي، وألا شيء يمشي بلا موافقته، ويقول إن عون لم يلتزم بتعهّداته أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي طرح خريطة طريق لإنقاذ لبنان، وأن مجيء الرئيس نجيب ميقاتي على رأس الحكومة الحالية لم يبدّل من واقع الحال وهو يعاني الآن ما عاناه سلفه الرئيس الحريري.

من راهن على حصول متغيّرات في المنطقة لتحسين شروطه في التسوية الداخلية سرعان ما اكتشف مع بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية بأن رهانه لم يكن في محله


ويقول إن عون بتمرّده على المبادرة الفرنسية كان وراء الإطاحة بها وأصبحت حبراً على ورق، رغم أن باريس تصر على التدخُّل من باب رغبتها بإثبات وجودها لئلا يقال إن مبادرتها أصبحت من الماضي، ويؤكد أنها لم تتمكن حتى الساعة من تنعيم مواقف باسيل والفريق السياسي المحسوب عليه والمرابط في القصر الجمهوري يتحكم بالقرار ويعود إلى باسيل في اتخاذه كونه تحوّل إلى رئيس الظل الذي يتمتع بحق النقض.

ويتوقف المصدر النيابي أمام رد فعل الرئيس ميقاتي، ويقول إنه يواجه إمعان الرئيس عون في تعطيل جهوده لإنقاذ البلد بالصبر وباتباع النفس الطويل، طالما أن المجتمع الدولي يصر على عدم استقالته، رغم أن هذا المجتمع بات على بيّنة بأن عون يخوض المعارك الجانبية ضد خصومه بدلاً من أن ينضم إلى رئيس الحكومة في مسعاه لإعادة لبنان إلى خريطة الاهتمام الدولي بدءاً بتوفير دفتر الشروط للتفاوض مع صندوق النقد الدولي للعبور بلبنان إلى مرحلة التعافي المالي.
ويتّهم عون بأنه لا همّ لديه سوى إعادة تعويمه لباسيل انطلاقاً من أولوية رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليه، وهذا ما تبيّن من خلال تأكيد وزير الخارجية عبد الله بو حبيب بأن الخط 23 هو خط الحدود البحرية للبنان، ما يوحي بأنه سحب تمسُّك لبنان بالخط البحري 29 كبند على طاولة المفاوضات غير المباشرة التي يتولاّها الوسيط الأميركي بين لبنان وإسرائيل.

وفي هذا السياق يكشف مصدر وزاري سابق أن عون انقلب على مطالبته أثناء تولّي الرئيس حسان دياب رئاسة الحكومة السابقة بتعديل المرسوم 6433 الذي يتعلق بالحدود البحرية للبنان الذي كانت أودعته حكومة الرئيس ميقاتي عام 2011 لدى الأمم المتحدة.

ويضيف أن عون كان وراء الإلحاح على تعديل المرسوم بإضافة تواقيع وزراء جدد عليه رغم أن تعديله يحتاج فقط إلى تواقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الأشغال العامة، ويؤكد أن إصراره على توقيع وزراء جدد عليه يأتي استجابة لـ«فذلكة» دستورية أوجدتها وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم المقرّبة من باسيل.

ويقول المصدر الوزاري السابق إن نائبة رئيس الحكومة آنذاك وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر وقّعت على المرسوم المعدّل بناءً لإصرار عون لكن دياب تريّث في التوقيع عليه وأرسله إلى عون لإبداء الرأي، لكن الأخير احتفظ به في أدراج مكتبه الرئاسي في بعبدا.

ويكشف مصدر وزاري حالي أن بو حبيب بعث برسالة وبناء لطلب عون إلى الأمم المتحدة بواسطة مندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة آمال مدلّلي من دون علم رئيسي الحكومة والبرلمان نجيب ميقاتي ونبيه بري، يذكر فيها احتفاظ لبنان بحقوقه البحرية في المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل.

لكن تبيّن في الملموس أن الرسالة جاءت استباقاً لعودة الوسيط الأميركي إلى بيروت ولم تطرح – كما يقول المصدر – إلا لمقايضتها مع رفع العقوبات الأميركية عن باسيل من دون أن تُدرج على جدول أعمال مجلس الوزراء. ويؤكد المصدر نفسه أن الرسالة وُضعت على السكة لعلها تؤدي إلى رفع العقوبات عن باسيل، مع أن رفعها يبقى محصوراً بالكونغرس الأميركي، وهذا ما كان أبلغه الوسيط الأميركي ومن قبله ديفيد هيل قبل أن يترك منصبه في الخارجية لمن راهنوا على مقايضة سحب تعديل المرسوم برفع العقوبات.

إقرأ ايضاً: خاص «جنوبية»: «مجموعة الشعب يريد إصلاح النظام» تتجه الى ملاحقة مولوي!

لذلك فإن إعطاء الأولوية لرفع العقوبات عن باسيل من جهة وللمزايدة على بري من جهة ثانية، أدى إلى هدر الوقت وتمديد المفاوضات غير المباشرة، بدلاً من أن تنطلق فور إيداع المرسوم 6433 الأمم المتحدة أو بعد أن تمكّن بري من التوصل مع الوسطاء الأميركيين إلى اتفاق الإطار لبدء المفاوضات غير المباشرة، وهذا ما يرمي مسؤولية التأخير على عون وفريقه السياسي الذي أعطى الأولوية لرفع العقوبات عن باسيل بدلاً من تزخيم المفاوضات لإدراج اسم لبنان على لائحة الدول المنتجة للنفط.

وعليه يقف لبنان حالياً أمام إعادة خلط الأوراق، فيما ينصرف الاهتمام الدولي لمواكبة تداعيات الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية ومفاعيله على لبنان وما يتركه من مخاوف يمكن أن تعيق إنقاذه وتعمّق أزماته، مع أن وزير الخارجية سارع إلى إصدار بيان ندد فيه بالاجتياح الروسي ما أثار حالة من الاستغراب لدى محور الممانعة لافتقاده من وجهة نظره إلى التوازن وإن بقي رد فعله صامتاً حتى الساعة، باستثناء ما نُقل عن بري بأنه فوجئ بصدور البيان عن وزارة الخارجية من دون التشاور معه وبمنأى عن مجلس الوزراء، رغم أن الموقف اللبناني بحسب المحور نفسه يصب في خانة استرضاء دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.

السابق
لبنان يستورد 60 % من احتياجاته من أوكرانيا..ملامح أزمة قمح وزيت!
التالي
تصاعد تهديدات جمهور «حزب الله» لمعارضيه قبل موعد الانتخابات النيابية