وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: مشكلة لبنان مع نفسه قبل السعودية!

وجيه قانصو
يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته الإلكترونية.

ما كان مأمولاً من زيارة ماكرون للسعودية، بأن تفك عزلة للبنان عن محيطه العربي والخليجي، تبين في دلالة نتائج البيان الفرنسي السعودي المشترك، أنها جعلت الفرنسيين في نفس الموقع، الذي يقف عليه السعوديون تجاه لبنان.

فالبيان شدد في شقه اللبناني، على مطالبة لبنان بمنع تهريب المخدرات، وأن لا يكون لبنان منطلقاً لأية عمليات إرهابية (المقصود هنا حزب الله ضمناً)، وأن لا يستعمل منصة لإطلاق نشاطات معادية لأمن السعودية (المقصود حزب الله ايضاً)، وعلى إجراء الإصلاحات المالية والإدارية، وعلى حصر السلاح بيد الدولة، وعلى التقيد بقرارات الأمم المتحدة وفي مقدمها القرار 1559، الذي يقول صراحة بنزع سلاح حزب الله.

إقرأ أيضاً: وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: الانتخابات.. معركة على الشرعية لا على السلطة

هي مطالب ضرورية تسبق أية إمكانية لتقديم مساعدات اقتصادية إلى لبنان، والأساس لعودة العلاقات الخليجية مع لبنان إلى طبيعتها. هي مطالب بديهية، وتمثل الحد الأدنى المقبول من وجود دولة ذات سيادة، قادرة على تدبير شؤون شعبها، واتخاذ قرارات حاسمة للخروج من كارثة الانهيار. إنها مطالب التزام لبنان بدستوره، وعودة لبنان إلى المجتمع الدولي، بأن يحترم قراراته وتوصياته، أي التوقف عن أن يكون دولة مارقة. هي مطالب في أن يساعد لبنان نفسه، قبل أن يساعده الآخرون، أن لا يتجاهل التحديات التي تقف في طريق عودة منطق الدولة وسيادة القانون فيه.

ربط البيان الإصلاحات الداخلية بالقرار 1595 وبضرورة حصر السلاح بيد الدولة

ربط البيان الإصلاحات الداخلية بالقرار 1595، وبضرورة حصر السلاح بيد الدولة. أي للتنبيه إلى أن الإصلاح لا يتجزأ، مثلما أن السيادة لا تتجزأ. فلا مجال لنهضة اقتصادية في لبنان، مع عجز الدولة عن ضبط حدودها ومنع التهريب العلني عبرها، ولا معنى لأية خطة مالية مع وجود اقتصاد مواز لاقتصاد الدولة، ولا يمكن جذب رؤوس الأموال الخارجية مع التوهين المستمر للقضاء، بالتالي تعطيل العمل بالقانون مع المنهج لتقويض المؤسسة القضائية، ولا يمكن الثقة بالتزامات لبنان الدولية، مع وجود سياسة وجبهة ودويلة موازية بداخله، تقيم صلات دولية وتمارس نشاطات أمنية، مناقضة بالصميم لمصلحة الدولة ولعموم اللبنانيين.

تبين أن الموقف السعودي، لم يكن رد فعل على تصريح أخرق من وزير تافه، وأن الرجوع عنه مرهون باستقالته. هذا تذاكي ساذج من بعض اللبنانيين، اللذين ظنوا أنها مسألة شخصية تتعلق بفرد معين، بل هذا فهم سطحي من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للموقف السعودي، الذي ظن أن إهداء السعوديين استقالة هذا الوزير، سيغير من مزاج السعوديين ويرضيهم.

مشكلة لبنان ليست مشكلة مع السعودية فحسب بل مشكلة مع العالم بأسره

ما فعله السعوديون، أنهم أثبتوا للبنانيين قبل الفرنسيين، أن مشكلة لبنان ليست مشكلة مع السعودية فحسب، بل مشكلة مع العالم بأسره. فمنطلقات الموقف السعودي كانت على أسس قانونية ودولية وسيادية، وليست مسألة تصريح أو تهريب مخدرات فحسب. إنها مشكلة كيان عاجز ومفكك، وفاقد القدرة على إدارة شؤونه وعلى إتخاذ قراراته السيادية، وعلى ضبط السلاح من التفلت وعلى مقاومة الهيمنة الإيرانية عليه. موقف السعوديين يختصر بأنه “على لبنان أن يصبح دولة حقيقية ليكون بالإمكان التعامل معه”.

هو موقف، لعله ينبه ماكرون من رهاناته الخاطئة، في التعامل مع الملف اللبناني، وينبهه إلى الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها منذ انفجار المرفأ. إذ بدلاً من أن يصوب مسار المشهد السياسي في لبنان، إذا به ينزلق إلى مستنقعه الداخلي، ويدخل في لعبة بازار التأليف والتشكيل، ويعطي شرعية لسلاح حزب الله والاعتراف بدوره الداخلي، على الرغم من وضعيته اللاقانونية واللاسيادية، ويدخل بلعبة تسويات مع إيران، فإذا به يقدم لها هدية مجانية، بتعزيز مرجعيتها في مجريات الحدث السياسي والرسمي في لبنان.

لبنان ضحية نفسه بالدرجة الأولى وليس، بحسب خطاب “الممانعين” فيه، ضحية حسد وحقد

هو موقف لعله يوقظ أهل السياسية والقرار في لبنان، ويدفع اللبنانيين إلى النظر إلى أنفسهم، بشفافية وجرأة ووضوح، لا التخفي وراء ادعاءات وقدرات واستثناءات واصطفاءات باتت أقرب إلى أن تكون هذياناً وهلوسات مَرَضِيَّة، وينبه منظومة الحكم في لبنان، من أن طلاءات تجميلية في الخطاب والسلوك، لا يمكنها أن تعيد ثقة العالم بلبنان، ومن أن لبنان ضحية نفسه بالدرجة الأولى وليس، بحسب خطاب “الممانعين” فيه، ضحية حسد وحقد ومؤامرة وحصار من الخارج، قصد منه تدمير النموذج الممانع.

إنه موقف لعله يوقظ هؤلاء من نرجسية: تخلق لهم أوهاماً تحجب نقائصَهم وعيوبَهم من أمام عيونهم، وتصنع لهم آلهة من معادن وبارود يصلون لها ويتبركون بها لتحميهم من ضعفهم وكوارثهم.

هو موقف يؤكد من جديد، أن مشكلة لبنان هي مع نفسه، قبل أن تكون مع السعودية أو مع العالم.

السابق
حصيلة مؤلمة ليوم لبنان العاصف.. حاول إنقاذه من الغرق فغرق معه!
التالي
تأكيد «سعودي – كويتي» على إجراء إصلاحات في لبنان.. وحلّ سياسي للأزمة مع سوريا