في حضرة «صوت الزّمن».. فيروز!

فيروز

في شهر تشرين الثاني المنصرم، تربّعت كبيرتنا فيروز في بهو الثلث الأول من عقدها التاسع (أطال الله بعمرها) ، ولا بد للزمن أن يأنس بسفيرة الحياة الى الحياة.

وللنّور والأضواء وهج كاشف لا يخطيء . 

تكشف الأضواء كل معتم وقاتم ومستور ، وحين تفسح لك درب النّور، كما لو أنها تمسكك بيدك وبصرك وتأخذك الى أبعد ، تفتح كل ما هو مكتوم ومقفل ومغطى ومستور وحالك ، ترشدك الى قلب الشكل والمضمون ، ترفع العتمة عن كاهلك، وكل دامس يتلاشى ويذوب. تأخذك الأنوار الى سر الإختفاء والظّهور، تأسرك في دهشة كبرى. لكنك لن تتمكن من مبادلتها مداها ونورها، حتى لو حشدت نظرات عمرك كلها.. جرِّب أن تمسك النّور أو الضّوء ، جرِّب أن تمسك العطر… جرِّب أن توصف صوت السيدة فيروز ، جرِّب أن تفتح نافذة مغناها وموسيقى ألحانها، فهل ستنجح، ولو بالحد الأدنى؟ أو يصيبك طيفها، كما أصاب وبدد وهج النّور والأضواء سيل العتمة وبحر الظلمة، وحرّر الصدور والأنفاس، وأطلق العنان للنّظرات في المدى والأرجاء..؟

إقرأ أيضاً: «هل تسمعون.. مات أهلي».. رسالة السيدة فيروز في ذكرى انفجار المرفأ

هل يمكن وصف أو تصنيف سيدة الصوت والبهجة؟ فقد رفضت،قبل 5 سنوات خلت، مجلة فوربس(forbes)العالمية تضيف السيدة فيروز مع بقية النّجوم في لائحة “النّجوم العرب الأكثر تأثيراً في السّاحة الفنية العالمية”، واكتفت بكتابة جملة تقول:” السيدة فيروز أسطورة”. وقامت بوضعها في مرتبة جديدة وجدت لأول مرة لأجلها. وهي فوق التصنيف أي الأعلى من المركز الأول all time great.

 صوت الزمن

كُتِب وقيل الكثير عن السّيدة فيروز، المطربة الفريدة في عالم الغناء. قيل أنها تمثل وتجسد صوت الزمن المستمر والقادم من سحيق الوجود… وكل الكلام الذي قيل وكتب لم يف السيدة بحقها الإبداعي الكامل. بقي الكلام مقصراً، وربما اللغة، قصرت في تتويج الملكة، في مملكة التعريف والوصف والتصنيف .

عرفتُها.. لم أعرفها!

تعرفت على السيدة فيروز عن قرب، والتقيتها في بيتها، وكان لي النصيب المميز والشرف الكبير بأن ألتقي بسيدة الغناء، وأن أتحدث معها مطولاً.

يعود لقاء التّعارف الأول مع كبيرتنا  لزمن تجاوز العقدين، وكان ذلك اللقاء بمثابة تثبيت الوعي بحقيقة أحتاجها. وأقول الحقيقة لأنني كنت أظن، وربما ما زلت أظن، أن السيدة فيروز هي وهم أو سراب أو حلم نظنه ونتوقعه،أسطورة حتما. ومنذ طفولتي،حيث ترعرعت ونشأت وتغذيت من صوتها وغنائها، وأنا في دوامة البحث ومحاولة التأكد من وجود (الأسطورة) الكائن الذي يصنع المعجزات الفنية والغنائية ويمكن الجلوس معه والتحدث اليه ومصافحته… نعم التقيت وتحدثت مع الكائن الخرافي الأسطوري، الذي يحمل اسم:فيروز.

ذهبت الى السيدة الكبيرة العالية، طرقت باب منزلها في الطابق الثاني، في بناية تقع في منطقة الروشة في بيروت. طرقت بابها ففتحت السيدة  مرحبة بي. وكنت، كما ذكرت، مسكوناً بظنوني المائلة الى سراب عشقته ولاحقته في أيام حياتي. لم أصدق أن السيدة فيروز هي  من فتحت لي الباب كي أدخل، فبعدما رحبت بي وقالت تفضل، سألتها، أين السيدة فيروز لقد جئت لزيارتها ، بناء على موعد مسبق معها. فعاجلتني بكلام هاديء جدا: أنا فيروز. ارتبكت وكررت ظنوني وسؤالي وقلت لها: انني أسألك عن سيدة الأمل المطربة فيروز؟ فكررت جوابها. وأيضا لم أصدق ما سمعت منها، بقيت ظنوني مسيطرة على وعيي، وقلت لها مجددا: انني استمع كل يوم الى أغاني السيدة فيروز، وكلما استمعت الى أغنية لها، يكبر ظني القائل بأن صاحبة الصوت الملائكي هي كائن وهمي غير موجود، واذا كان موجودا فلا يمكننا الوصول اليه. قلت لها أيضا: ها هي السماء والنجوم والكواكب، نراها ونكاد نلمسها ونتحسسها، ولكن من المستحيل أن نصلها. والسيدة فيروز ربما هي من ضمن هذه المجموعة الكونية المستحيلة لنا نحن أبناء البشر.

في صالون منزلها الهاديء الأنيق تجالسنا وتحادثنا، وكانت السيدة صافية الذهن بلورية الكلام، وكلما سألتها عن حياتها أو فنها أو عائلتها الفنية العريقة، تنظر الى فضاء جلستنا ثم تستقر نظرتها في عيني، وتبدأ بالكلام: ” الغناء هو نعمة وقيمة وعطاء ، أنعم الله علينا بهذة النعمة، فرفعتنا الى السمو والحياة الكريمة الطيبة”…

السابق
بعد تعميم سلامة.. هذا ما جرى التباحث به بين عون وميقاتي
التالي
لبناني يتزوج من اسرائيلية.. هكذا عاقبه القضاء العسكري