رصاصة «حوثية» قاتلة.. إلى أين سيوصل خطأ قرداحي علاقة لبنان بالخليج؟

يبدو ان طريق حكومة الرئيس نجيب ميقاتي معبدة بالاشواك والمصاعباكثر مما مان متوقعا منذ ولادتها، حتى بدت منذ لحظة التقاط أنفاسها الأولى وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، وإذا كان رئيس الحكومة نجح حتى الأمس القريب في تلقف كل “الرشقات الصديقة” في صدره محافظاً على سياسة “النفس الطويل” في محاولته السير قدماً باتجاه إصلاح ذات البين الحكومية مع الدول الشقيقة والصديقة، لكن ما قبل 26 تشرين الأول على ما يبدو لن يكون كما بعده، بعدما أردت “الطلقة الحوثية” التي أطلقها وزير الإعلام جورج قرداحي كل الجهود الحثيثة التي يبذلها ميقاتي لإعادة وصل ما انقطع تحديداً مع المملكة العربية السعودية، لا سيما وأنّ “الإعلامي” قرداحي الذي جاهر في 5 آب الفائت بتعاطفه مع الحوثيين في مواجهة “العدوان” السعودي والإماراتي، أعاد أمس بصفته “وزير الإعلام” في حكومة ميقاتي التأكيد على موقفه نفسه، باعتباره موقفاً نابعاً من قناعات “شخصية” لا تلزمه بالاستقالة من الحكومة أو الاعتذار من السعودية والإمارات.

اقرا ايضاً: المقايضة تنطلق لـ«طمس» جريمتي الطيونة والمرفأ..والحكومة محاصرة بـ«الغضب الخليجي»


وبهذا المعنى، أتى كلام وزير الإعلام التصعيدي أمس في مواجهة “الدول والسفراء والأفراد الذين يملون علينا من يبقى في الحكومة ومن لا يبقى”، ليصيب حكومة ميقاتي برصاصة “حوثية” قاتلة بالرأس، أجهزت على آمالها باستعادة علاقاتها العربية والخليجية عموماً، والسعودية على وجه الخصوص، بشكل لم تعد تنفع معه “الإسعافات الأولية” التي لجأ إليها ميقاتي لإعادة إنعاش حكومته، سواءً ببيانه المسائي من السراي أو بتصريحه الصباحي من قصر بعبدا، تنصّلاً من تبعات كلام قرداحي.

ولعل ذلك ما بدا جلياً من خلال سيل الإدانات والاستدعاءات للسفراء اللبنانيين في دول الخليج بغية تسليمهم مذكرات احتجاج رسمية على تصريحات وزير الإعلام “المسيئة”، كما جاء في بيان وزارة الخارجية السعودية أمس، بالتزامن مع إعلان المملكة تصنيف جمعية “القرض الحسن” في لبنان “كياناً إرهابياً” لارتباطها بأنشطة داعمة لـ”حزب الله”. وفي السياق نفسه، استدعت دولة الإمارات السفير اللبناني لديها احتجاجاً على تصريحات قرداحي “المشينة والمتحيّزة” حيال الحرب في اليمن، واضعةً في بيان صادر عن وزارة خارجيتها هذه التصريحات في خانة “المهاترات التي تنمّ عن الابتعاد المتزايد للبنان عن أشقائه العرب”.

كما توالت الاستنكارات الخليجية، سواءً من قبل مجلس التعاون الخليجي الذي رأى أمينه العام أنّ تصريحات قرداحي “تعكس فهماً قاصراً وقراءة سطحية للأحداث في اليمن”، أو من قبل الكويت والبحرين واليمن التي استغربت تناسي وزير الإعلام اللبناني في مواقفه “جرائم الميليشيات الحوثية ضد الشعب اليمني، وانقلابها على الحكومة الشرعية، ومحاولتها الاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة واستمرار رفضها لكل دعوات السلام، في تحدّ واضح للقرارات الأممية”.

على أنّ التداعيات السلبية لتصريحات قرداحي امتدت كذلك إلى مقرّ عمله السابق الذي كان قد أطلقه في فضاء الشهرة التلفزيونية، بحيث استرعى الانتباه، بالتزامن مع إعلان مجموعة “mbc” إقفال مكاتبها نهائياً في لبنان، إبداء رئيس مجلس إدارتها وليد آل ابراهيم استنكاره الشديد “لما ساقه وزير الإعلام اللبناني من اتهامات مغرضة استهدفت السعودية والإمارات”، مشدداً على كون مواقفه هذه “لا تُعبّر إلا عن الآراء السياسية المنحازة والمنحرفة، والمجحفة بحق مواجهتنا للاعتداءات الإرهابية على أهلنا وأراضينا في المملكة، والعابرة للحدود والقيود، في لبنان واليمن والعراق وغيرها من الدول العربية التي تخضع لمنطق الإرهاب وسطوة السلاح”.

من جهتهت، أشارت “الجريدة” الكويتية الى ان بسبب تصريحات لوزير إعلامه جورج قرداحي حول حرب اليمن، أساء فيها إلى السعودية والإمارات ودول التحالف مجتمعة، وجد لبنان، الذي تحيط به الأزمات والانفجارات من كل الجوانب، نفسه في قلب أزمة دبلوماسية مع الخليج، أمس.

وحاول رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي احتواء الموقف، مردداً في أكثر من محطة، منذ مساء أمس الأول، أن تصريح قرداحي، الذي اتهم السعودية والإمارات بشن عدوان على اليمن زاعماً أن المتمردين الحوثيين يدافعون عن أنفسهم، لا يعبر عن موقف الحكومة الحريصة على أفضل العلاقات مع الدول العربية والخليجية، وخصوصاً السعودية، وكذلك تنصلت «الخارجية» اللبنانية من مواقفه، إلا أن قرداحي خرج بلهجة متحدية، رافضاً الاستقالة أو الاعتذار.

وكشفت مصادر دبلوماسية خليجية أن السعودية تعتبر أن موقف قرداحي يعبر عن جهات موجودة في الحكومة، وهذا دليل أن لبنان لم ينجح في تغيير سياسته الخارجية وتبني سياسة تتلاءم مع التوجهات العربية، لافتة إلى أن المملكة تعتبر أن هناك حاجة لاستقالة قرداحي.

بدورها، لفتت “الراي الكويتية” الى ان التأزم الكبير في علاقة لبنان مع دول الخليج جاء في “أسوأ توقيت»”داخلي تتشابك فيه “الأعاصير” المالية والسياسية منذرة بتشظيات أمنية لاحت طلائعها في 14 الجاري وعكست تخبُّط «بلاد الأرز» في «الرمال المتحركة”.

وأطلّت “النكسة” على خط بيروت – الخليج العربي، فيما كان المسرح السياسي مشدوداً إلى ملفين: أوّلهما محاولات إنهاء تعطيل مجلس الوزراء المستمرّ منذ 16 يوماً على خلفية اعتراض الثنائي الشيعي “حزب الله” ورئيس البرلمان نبيه بري على أداء المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار والإصرار على تنحيته كمدخل لإحياء جلسات الحكومة.

وسألت “الراي الكويتية”: على وهج “أزمة أكتوبر” تدافعت الأسئلة حول هل تحتمل حكومة ميقاتي الساعية بشق النفَس لترميم العلاقات المتصّدعة مع دول الخليج هذه “الانتكاسة” التي تعكس في عُمْقها أن في لبنان حكومة “ممْسوكة” من الائتلاف الحاكم (حزب الله وفريق الرئيس عون) وتعبّر عن توازناتٍ “أكدت المؤكد” لجهة أن بلاد الأرز “زحلت” منذ أمَد إلى المحور الإيراني.

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الخميس في 28 تشرين الأول 2021
التالي
هل يفجّر «الغليان» السياسي الحاد الجلسة النيابية اليوم؟